الاقتصاد يكبح الانفصال الكردي في سورية

07 ديسمبر 2015
النفط من الموارد الأساسية في المناطق الشمالية(جون مور/Getty)
+ الخط -
يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي فرض حكم ذاتي في مناطق شمال شرق سورية ذات الكثافة السكانية الكردية العالية. إلا أن الموارد الاقتصادية المحدودة والصراعات السياسية مع عدة أطراف أخرى، تمثل تحديات هامة لهذا المشروع.
في عام 2013، وبعد سيطرته على أجزاء من المناطق السورية الشمالية، التي تضم تجمعات كردية هامة، قام حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بإنشاء ثلاث مناطق منفصلة أطلق عليها تسمية مقاطعات، وشكِل لكل منها مجلساً تنفيذياً خاصاً أوكل إليه مسؤولية الإدارة.
وبشكل تدريجي، تم فرض مناهج دراسية باللغة الكردية، وتمت المصادقة على عدة قوانين، في مجال الاستثمار، كما تم إصدار تراخيص لوسائل إعلامية. وبكلمات أخرى، فإن هذه المناطق تحاول خلق أسس فرض حكم ذاتي كأمر واقع.

إنتاج نفطي 

تمتلك هذه المناطق ورقة اقتصادية هامة، البترول، إذ تقع فيها أهم حقول النفط السوري، كحقل الرميلان الذي بلغ إنتاجه في عام 2010 قرابة 100.000 برميل يومياً، في حين تراجع إنتاجه حالياً إلى حدود 40.000 برميل. وبحسب وسائل إعلامية سورية مستقلة متواجدة في المنطقة، فإن الـPYD يصدّر حالياً حوالي 20.000 برميل يومياً من هذه الحقول بسعر 12 ـ 20 دولاراً للبرميل، ما يؤمّن للحزب دخلاً شهرياً يقارب 10 ملايين دولار. إضافة إلى ذلك، فإن تقارير غير مؤكدة تفيد بقيام PYD بتوقيع عقد مع شركة أجنبية لإدارة الحقل.
إلى جانب النفط، هناك نشاط اقتصادي آخر في تلك المناطق يتمثل في الزراعة، مع الإشارة إلى تردي القطاع في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف. أما البنية الصناعية فهي محدودة للغاية، ويعتبر معمل الإسمنت الذي أقامته شركة لافارج الفرنسية جنوب عين العرب "كوباني"، أهم منشأة صناعية في المنطقة.

أما من حيث البنية التحتية، فان مطار القامشلي يعتبر أبرز مكوناتها. يربط المطار مناطق سورية الشمالية الشرقية مع بقية المناطق الداخلية وكذلك مع البلدان الخارجية. وقد شهد المطار حركة نشطة، إذ ارتفع عدد الركاب من 2700 مسافر شهرياً في عام 2010 إلى حوالي 20.000 في عام 2015. ويمكن القول إنه، باستثناء المشاريع المذكورة أعلاه، لا توجد في هذه المنطقة أي شركة سورية ذات أهمية في أي من القطاعات الاقتصادية الأساسية.
وعلاوة على كل ما ذكر، تعاني المنطقة المذكورة من وضع اجتماعي واقتصادي صعب، لأن محافظة الحسكة والمناطق الريفية من محافظة حلب، والتي تشكل التجمعات الكردية مكوّناً هامّاً في بعضها، كانتا تقليدياً، قبل الثورة السورية، من أقل المناطق السورية نمواً. وفقاً للإحصاءات الرسمية، كانت نسبة البطالة في محافظة الحسكة في عام 2011 تناهز الـ40%. أما نسبة الأمية فارتفعت من 24.6% عام 2004 إلى 31.5% في 2011.
يمكن القول إن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الهزيلة هي بدرجة كبيرة نتيجة تخلي الدولة السورية خلال العقود الثلاثة الماضية عن القيام بدورها الاجتماعي، وكذلك نتيجة لسياسات التمييز التي اتبعتها تجاه الأكراد.
وفي حين أن هناك اتجاهاً نحو الحكم الذاتي، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار الضعف النسبي للاعبين الآخرين في الصراع السوري، لا يزال هناك العديد من العقبات. فتركيا، التي تقوم حالياً بإغلاق الحدود مع سورية، تبدي معارضة صريحة لهذا المشروع وتشكل أهم العوائق أمام إنجازه. كما أن إغلاق تركيا لحدودها سيكون على المدى البعيد عائقاً هاماً أمام النمو والتطور الاقتصادي لمنطقة الجزيرة السورية. وبقدر ما تمثل المصادر النفطية ثروة، تمثل أيضاً عائقاً أمام مشروع الحكم الذاتي. ففي سورية تتركز حقول النفط في منطقتين فقط، هما: دير الزور والجزيرة السورية، على عكس الوضع في العراق حيث يتوفر النفط في كامل مساحة البلاد تقريباً.
وفي حين يعتبر النفط ورقة هامة بيد المنطقة الكردية يمكن استخدامها، على سبيل المثال، للمساومة على الحكم الذاتي، ولكنه سيؤدي من ناحية أخرى إلى مقاومة شرسة من أي حكومة مركزية مستقبلية في دمشق، التي من غير المرجح أنها ستقبل المساومة على موارد هامة ونادرة كالنفط.
(باحث ومحلل اقتصادي سوري)

اقرأ أيضاً:النفط السوري يجمعهم
المساهمون