الحجارة تصنع التاريخ

05 يوليو 2014

فلسطينيون عند حاجز قلنديا الإسرائيلي (سبتمبر/2009/فرانس برس)

+ الخط -
يُتحفك في الحصول على أحدث أنواع الأسلحة، ويتفاخر بأنه قادر على تسيير الرأي العام العالمي، كما يشاء. يبدو مسروراً في كونه احتلّ منصب نائب رئيس "لجنة الاستعمار"، التابعة للأمم المتحدة. يعشق التحليق وانتهاك سماء لبنان وفلسطين بسلاحه الجوي. يريد تكريس كيانه الغاصب، غصباً عنّا جميعاً، ورمينا خارج دائرة الجغرافيا والتاريخ. لكنه في النهاية يخاف الحجر.
لم يخرج الإسرائيلي من عقدة "الحجر". يخشاه، ويهابه. هو قادر على قتل الألوف بضربة واحدة من صواريخه وآلته العسكرية الفتّاكة، لكنه غير قادر على مواجهة بضعة فتيةٍ يحملون الحجارة. يعهد بهم إلى المستوطنين، جيشه الرديف، ليقتلوا ويحرقوا ويشوّهوا. هكذا، ظهر جيش الاحتلال في تشييع الشهيد، محمد أبو خضير، جيشاً يخاف ممّن يستطيع قتلهم "حين يشاء"، وفي أي "وقت يشاء". 
في الواقع، ما جرى أخيراً في القضية الفلسطينية لا يستحقّ التوقف عنده فقط، بل سبر أغواره. يرفض هذا الشعب الاستسلام، على الرغم من كل "المبررات" التي تتيح وتسمح في إنهاء مفهوم "المقاومة" لديه. ففي كل سانحة، يعود وينتفض، كون الإنسان مفطوراً بطبيعته على رفض الظلم. فمفهوم العدالة في النفس البشرية مقرون بمفهوم السعي إلى تكريسها، عبر المقاومة.
صحيح أن المقاومة الفلسطينية اتخذت أشكالاً وأبعاداً مختلفة، منذ قيامها إلى اليوم، غير أنها تكرّست مفهوماً ثابتاً مع تبدّل العصور. فإذا أردنا النظر بواقعية إليها يُمكن تبيان وقائع عدّة، لا تبدأ من تثبيت عقيدة "المقاومة" بشكل طبيعي في النفوس الفلسطينية في الأراضي المحتلّة، ولا تنتهي بالكسر المستمرّ لآلة الإعلام العالمية المؤيدة لإسرائيل. فما ثبت، حتى الآن، هو أن الإعلام المؤيد لإسرائيل، جامد ولا يتحرّك، والمقاومة بكل أشكالها، في فعل حراك دائم. وبما أن الجمود يقتل، فإن الحركة ستُحرّر، وهو ما يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية.
وهل يحتاج الفلسطينيون إلى دعم خارجي؟ قد يبقى هذا السؤال الأكثر طرحاً منذ نكبة فلسطين في 1948، لكنه سيبقى من دون جواب، كعادته. فنحن الذين نعيش خارج الحدود الفلسطينية لا يمكننا، بعد اليوم، أن نمارس أفعال التنظير على شعب، قد تدكّ منازله في أي لحظة ويُشرّد في أي لحظة، فيما نستطيع الخلود إلى أسرّتنا من دون أن يرفّ لنا جفن. لا نستطيع مطالبة الشعب الفلسطيني، بما لا نودّ فعله، ولا نستطيع فعله، ثم نمارس أفعال الشماتة بحقّهم. لا يمكننا أن نعلّمهم ما عليهم فعله، ونحن لا نقف عند حواجز ترقوميا أو قلنديا أو قلقيلية أو غيرها من حواجز قوات الاحتلال. كل ما نستطيع فعله، إذا أردنا الاكتفاء بالكلام فقط، تحيّة نضالهم المشروع، شعباً يستحقّ الحياة.
هو الحجر ما يصنع المقاومة، ويصنع التاريخ. صنعه سابقاً، ويصنعه اليوم، وسيصنعه غداً، وهو ما تهابه إسرائيل. ألم يقل من رفض ترؤس دولة "إسرائيل"، ألبرت أينشتاين، يوماً، إنه لا يدري نوعية الأسلحة التي قد تُستعمل في الحرب العالمية الثالثة "لكني واثق أن الحرب الرابعة ستستعمل فيها الحجارة" فطالما بقي حجر على أرض فلسطين، ستبقى المقاومة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".