دولة الفقر: اليمنيون محاصرون بالتهرب والفساد والتمييز

19 يناير 2015
ضعف التخطيط يعرقل التنمية الشاملة (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -
تتعدد متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن. فالبلد يطلق عليه وصف "الفقير ‏بامتياز" بالرغم من وجود النفط. إذ أخفقت الحكومات السابقة في إدارة موارد النفط، ولم تتمكن من الاستفادة من تنشيط ‏الاستثمارات والقطاعات الإنتاجية. وفي ظل بروز متطلبات كثيرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن توفير البيئة الملائمة ‏لهذه المتطلبات، تقوم على تطوير الإمكانات والموارد والحد من الفساد، والاهتمام بالنفط وتوزيع عوائده بشكل عادل.

حاجيات مالية ضخمة 
يقدر حجم الموارد المالية المطلوبة في اليمن، لتحقيق أهداف التنمية الألفية خلال ‏الفترة 2000-2015، بنحو 82.6 مليار دولار، فشل اليمن في تحقيقها. فيما رأى خبراء ‏الاقتصاد أن متطلبات التنمية الاقتصادية تحتاج إلى ما يزيد على ‏‏100 مليار دولار لتطوير البنية التحتية وتهيئة بيئة الأعمال اليمنية، وتوفير الخدمات ‏الأساسية للمواطن.
في دراسة حصلت عليها "العربي الجديد" لأستاذ مادة الاقتصاد في جامعة صنعاء طه عبد الله الفسيل، فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن تواجه العديد من ‏التحديات والصعوبات المتعلقة بضعف النمو الاقتصادي والتشتت السكاني، بالإضافة إلى ضعف تنمية ‏الموارد البشرية ومحدودية الخدمات الأساسية. ناهيك عن تفاقم أزمة الموارد المائية ‏والبيئية، والتدهور في إنتاج النفط الخام، وضعف جاذبية البيئة الاستثمارية، ‏وصولاً الى تفشي البطالة والفقر.‏
وبينت الدراسة، أن اليمن يواجه صعوبات أفرزتها ‏الأزمة المالية العالمية، والتغيرات المناخية، وانعدام الأمن الغذائي، وكذلك عدم استقرار ‏الأوضاع الأمنية، فيما يشكل الاستمرار في تلك التحديات إلى اتساع رقعة الآثار السلبية ‏على مختلف الأصعدة الاجتماعية والسياسية والأمنية‎.‎

فرص اقتصادية ممكنة
وفي ظل تلك التحديات بيّن الفسيل في دراسته وجود بعض النقاط الإيجابية في ما يتعلق بمستقبل التنمية. خاصة أن اليمن، يتمتع بالعديد من الفرص المتاحة في الاقتصاد، وتوفر الأيدي العاملة. الأمر الذي يتيح الاستثمار في مجال ‏الصناعات الاستخراجية والتحويلية، في ظل توفر الموارد الاقتصادية والطبيعية من النفط والخامات المعدنية بكميات تجارية كالحديد والنحاس وخامات الإسمنت ‏والصخور البركانية وأحجار البناء والرخام والغرانيت وغيرها.‏
يمتلك اليمن العديد من الموارد المتاحة لتحقيق التنمية المطلوبة، إذا ما أحسن استخدامها، وفقاً ‏لما يراه الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جبران، وقال لـ "العربي الجديد": "القضاء على الفساد يعد ‏من أبرز متطلبات التنمية، بالإضافة إلى ‏معالجة الازدواج الوظيفي في الجهازين الإداري والعسكري للدولة، والقيام بإصلاح ‏القطاع الضريبي في اليمن الذي يعاني من اختلالات كبيرة.‏
من جهة أخرى، رأى الخبير الاقتصادي عدنان ياسين المقطري أن اليمن يواجه ‏تحديات في مستويات المداخيل وارتفاع معدلات كل من الفقر والبطالة، وقال لـ "العربي الجديد": في ظل ‏تحديات أمنية وتفاقم عمليات الإرهاب، ولا يمكن مواجهة تلك التحديات الاقتصادية ‏والاجتماعية دون إعطاء الأولوية للقضية الأمنية. وأوضح أن من أهم متطلبات ‏التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتجلى في تعظيم موارد الدولة المالية، ومكافحة الفساد المالي وتخفيض ‏عجز الموازنة، ويأتي في مقدمة التحديات الاجتماعية التخفيف من الفقر ‏والبطالة وتخفيض معدلاتهما المرتفعة. إذ تعد القضايا من أولويات الحكومة في العام 2015 ‏للبدء في تنفيذها والقيام بالإجراءات الكفيلة لمواجهتها والتغلب عليها‎.‎

التهرب الضريبي
تعد مسألة إصلاح القطاع الضريبي ضرورية جداً لحدوث تنمية اقتصادية، ‏خاصة أن هذا القطاع يعاني من الاختلالات قلصت من مساهمة الإيرادات الضريبية ‏في إجمالي الإيرادات العامة. ووفقاً ‏للتقارير الرسمية فإن إجمالي الإيرادات الضريبية لا تمثل سوى 6% من الناتج المحلي ‏الإجمالي. وفي المتوسط رأى الباحث الاقتصادي أحمد الحميري، أن الإيرادات الضريبية ‏الكاملة في اليمن تمثل نحو40% من الإيرادات العامة، في حال تمت إقامة نظام ضريبي كفوء ‏ويتسم بالشفافية والوضوح. وأضاف لـ "العربي الجديد" أنه من المتوقع أن يصل المبلغ ‏الحقيقي للإيرادات السنوية إلى أربعة مليارات دولار، إلا أن ذلك لم يتم بسبب ‏التهرب الضريبي، وغياب التحصيل الدقيق.
ووفقاً للتقارير الرسمية فإن 80% من الشركات في اليمن، تتهرب من دفع ‏ضرائب الدخل وتعمد إلى تقديم كشوف غير صحيحة عن أرباحها السنوية. حيث لا يتعدى ‏ما تدفعه تلك الشركات من ضرائب الدخل 25% من أرباحها الحقيقية.
وحسب إدارة ‏الحصر والتسجيل للإدارة العامة لمصلحة الضرائب فإن عدد الشركات الخاصة التي ‏تخضع للضرائب يصل إلى ما يزيد على 14871 شركة، منها أكثر من 386 شركة تعود ‏ملكيتها إلى أشخاص، فيما أشارت الإدارة إلى وجود ملفات فيها تراكمات ضريبية لنحو ‏‏379 شركة‎.‎
إلى ذلك، تواجه العملية التنموية في اليمن تحديات النمو السكاني المتزايد بمعدلات عالية، حيث ‏يصل معدل النمو السكاني إلى 3.7% سنوياً، من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 26.5 ‏مليون نسمة وفقاً لتوقعات الجهاز المركزي للإحصاء. الأمر الذي يؤدي إلى تزايد الطلبات ‏على الحكومة، من خلال توفير كافة المتطلبات المعيشية، وزيادة الفقر والبطالة والأمية ‏وهذه تحديات إضافية أمام التنمية في اليمن. فقد ارتفعت نسبة الفقر إلى ‏‏54.5 % من إجمالي عدد السكان، وتضاعف معدّل البطالة إلى 60% وفقاً لتقرير حديث ‏عن مكتب البنك الدولي بصنعاء.‏
في ظل غياب دور القطاعات الإنتاجية غير النفطية واستمرار هيمنة النفط على الاقتصاد، تبرز مشكلة حقيقية تهدد باستمرار التدهور الاقتصادي. وفقاً لاتجاهات النمو ‏الاقتصادي وتركيبته الاقتصادية، فإنه يتوجب الحد من هيمنة النفط ‏على الاقتصاد الذي يسهم بحوالي 32.4%، في ‏المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي. وفي المقابل لم تتجاوز مساهمة ‏القطاع الزراعي 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي، والقطاع الصناعي بما فيها تكرير ‏النفط لم يتجاوز 7.8%، الأمر الذي يقود الاقتصاد الوطني إلى مأزق ضيق، ويتطلب من ‏الدولة أن تعمل على تنشيط القطاعات الإنتاجية غير النفطية، والحد من هيمنة النفط.
المساهمون