شبح انفصال في إسبانيا

26 سبتمبر 2015

يرفع علم الاستقلال الكتالوني (11سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
يشهد إقليم كتالونيا في إسبانيا في 27 من سبتمبر/أيلول الجاري انتخابات مبكرة، تبدو مفصلية، فاحتمال حصول الأحزاب الانفصالية على الأغلبية في البرلمان (135 مقعداً)، سيفتح الباب أمام خارطة طريق، تنتهي باستقلال الإقليم عن إسبانيا، وتحوله دولة مستقلة، في أجل لا يتعدى 18 شهراً، ما يشكل تحدياً متعدد الأبعاد، أمام النخب السياسية الإسبانية بمختلف تشكيلاتها. 

ومنذ توقيع رئيس الحكومة المحلية في كتالونيا، أرتور ماس، على مرسوم يقضي بتنظيم الانتخابات، والإقليم يعيش حالة غير مسبوقة من الانتظار المشوب بالحذر، باعتبارها ستكون بمثابة استفتاء شعبي يحدد مصيره ومستقبله. وحسب معظم استطلاعات الرأي، فإن الأحزاب القومية الانفصالية والمتحالفة في ائتلاف حركة "جانتس بيل سي" تتمتع بحظوظ وافرة للفوز بأغلبية مقاعد البرلمان المقبل. وشكلت المظاهرات الحاشدة التي عرفتها برشلونة في 11 من سبتمبر/أيلول الجاري، والذي صادف العيد الوطني لكتالونيا، اختباراً حقيقياً لمدى قوة التيار الانفصالي في الإقليم، وقدرته على التعبئة السياسية والإعلامية والثقافية، وبالتالي، العبور بمشروع الاستقلال عن إسبانيا إلى بر الأمان، من دون خسائر كبيرة.
تستند الأحزاب والحركات القومية المطالبة بالانفصال عن مدريد إلى عوامل مختلفة ومتعددة في تصريف خطابها، منها التي تتعلق بالتاريخ واللغـــة والثقافة، حيث يعتبر جزء كبير من الكتلانيين أنفسهم ورثة واحدةٍ من أعرق ثقافات البحر الأبيض المتوسط، وأكثرها تأثيرا في المنطقة، وهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية، أبرزها الأزمة البنيوية العميقة في النظام الإسباني، والتي تتجلى خصوصاً في استشراء الفساد واستغلال النفوذ في مؤسسات الدولة، والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، وعدم قدرة النخب السياسية على تجديد خطابها ورؤيتها حيال قضايا وأسئلة كثيرة تواجه إسبانيا حالياً.
ويرى محللون أن العامل الاقتصادي يظل مهماً لفهم بعض خلفيات تصاعد حدة الخطاب
الانفصالي في إقليم كتالونيا الذي يعتبر من أغنى مناطق إسبانيا وأكثرها تصنيعاً، حيث ينتج وحده نحو 20 % من ثروات البلاد، ما يجعل مساهمته في الاقتصاد الوطني كبيرة وحاسمة. وعلى الرغم من توظيف القوميين هذا العامل، إلا أن قطاع الرأسمال والأعمال في الإقليم يبدو منقسماً حيال الاقتراع المقبل ومآلاته المحتملة، خصوصاً مع غياب أفق سياسي واضح لمشروع الانفصال، وغياب تصور اقتصادي متماسك للطبقة السياسية الكتلانية، يضع في الاعتبار تبعات فك الارتباط مع الاقتصاد الإسباني والأوروبي. ولذلك، يرفض بعضهم داخل هذا القطاع أن يكون موعد الاقتراع استفتاءً، سواء مع خيار الانفصال عن إسبانيا أو ضده.
وتدرك الأحزاب الانفصالية القوة السياسية الوازنة للرأسمال الكتلاني، وأنه من دون دعمه ومساندته، فإن مسيرة مشروعها قد تتوقف في منتصف الطريق، نظراً للارتباطات الاقتصادية الضخمة والمتشعبة لهذا الرأسمال بالحكومة المركزية في مدريد، وخصوصاً فيما يتعلق بالاستثمار في مجالات حيوية، مثل السياحة والعقار. لذلك، تعمل على طمأنة هذا الرأسمال وإغرائه بتسهيلات جبائية واقتصادية، لإقناعه بجدوى خطتها للانفصال عن إسبانيا. علاوة على ذلك، تعول هذه الأحزاب على الطبقة الوسطى بشكل كبير، لتمرير خطتها بفك الارتباط مع مدريد، خصوصاً أن دراسات ميدانية تفيد بأن معظم شرائح هذه الطبقة تدعم خيار الاستقلال. في ضوء ذلك، يمكن فهم دلالة الاصطفافات الأخيرة في المشهد السياسي في كتالونيا، حيث أعلن الحزب الحاكم، التقارب الديمقراطي الكتلاني، ذو التوجهات الليبرالية عقد تحالف سياسي مع حزب اليسار الجمهوري، للبحث عن مسار يقود الإقليم نحو استقلاله.
من هنا، تواجه الحكومة الإسبانية تحدياً حقيقياً. لذلك، تعمل على إيجاد بدائل قانونية وسياسية تجنبها الوصول إلى نقطة اللاعودة في معركة كسر العظم مع القوميين الكتلانيين، أمام إصرار هؤلاء على الاستقلال. فقبل أشهر، كانت المحكمة الدستورية قد أعلنت بطلان إجراء استفتاء تقرير المصير. وقبل فترة، أعلنت حكومة ماريانو راخوي عزمها إجراء تعديل دستوري، تُخوّل بمقتضاه الحكوماتُ المحلية صلاحيات واسعةً، يمكن أن تصل إلى مستوى الفيدرالية بغاية احتواء التطلعات الانفصالية للإقليم، غير أن ذلك لم يلق آذاناً صاغية من حكومة كتالونيا.
لا يبدو أن هذه البدائل تروق لقوى اليمين المحافظ المتغلغلة في مؤسسات حساسة، وفي مقدمتها الجيش. من هنا، ندرك دلالات تصريح وزير الدفاع الإسباني، حين لمح إلى أن الحكومة مستعدة للتدخل عسكريا في كتالونيا في حالة الإصرار على الانفصال، باستعمال المادة 155 من الدستور التي تخولها اللجوء إلى مختلف الوسائل، بما في ذلك تدخل الجيش، للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها. غير أن الخيار التدخل العسكري كلفة سياسية باهظة، قد لا تستطيع إسبانيا تحملها في الوقت الراهن، خصوصاً أن ارتدادات ما يحدث في كتالونيا تصل بقوة إلى إقليم الباسك المجاور، والذي لا يُستبعد أن تُقدم حكومته على الخطوة نفسها في حالة نجاح القوميين الكتلانيين في تحقيق حلم الاستقلال عن مدريد.

دلالات