صحافيو "الجزيرة": "العدالة الهاتفية".. والانتقام من قطر

24 يونيو 2014
وقفة تضامن مع الصحافيين (بي بي سي على فيسبوك)
+ الخط -
كان لأحكام القضاء المصري بحق صحافيي قناة "الجزيرة" الإنجليزية أمس، صدى واسع في الأوساط السياسية والإعلامية. واعتبر حقوقيون وصحافيون أن لا شيء يضرّ بمصر، مثل حبس الصحافيين، وأن هذا الفعل "مساوٍ تماما لاغتصاب النساء في الحروب".

وكان البيت الأبيض قد دعا أمس، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى "العفو عن ثلاثة من صحافيي قناة الجزيرة، صدرت بحقهم أحكام طويلة بالسجن، أو بتخفيف تلك الاحكام". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست، إن "محاكمة صحافيين بسبب نقلهم معلومات لا تتوافق مع رواية الحكومة المصرية، تنتهك أبسط معايير حرية الإعلام، وتمثل ضربة للتقدم".
واعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأحكام القضائية التي صدرت أمس الإثنين، بحق صحافيي قناة الجزيرة الإنجليزية "شديدة القسوة ومخيبة للآمال ووحشية"، مؤكدا أن الحكومة المصرية مطالبة بمراجعة القرارات التي صدرت خلال السنوات الأخيرة".
وتظاهر مئات العاملين في "بي بي سي" وغيرها من وسائل الإعلام الدولية، صباح الثلاثاء، في لندن، ووقفوا دقيقة صمت تضامنا مع صحافيي قناة "الجزيرة" الثلاثة. ولزم المتظاهرون الصمت، وقد وضعوا شريطا أسود على أفواههم، مدة دقيقة، احتجاجا على الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية ضد الصحافيين.
وأعلن مدير "بي بي سي نيوز" جيمس هاردينج أن "الحكم جائر، وأن القضية لا أساس لها"، مضيفا أن "السلطات المصرية لا تحرم ثلاثة رجال أبرياء من حريتهم فحسب، لكنها تخيف الصحافيين وتنتهك حرية التعبير".
وقال جون سويني مراسل برنامج "بانوراما" للتحقيقات الصحافية في "بي بي سي"، لفرانس برس، إن "جريمة الصحافيين الثلاثة الوحيدة، هي أنهم قاموا بواجبهم". لكن "مهنة الصحافة ليست جريمة"، وردد ثلاث مرات عبارة "إنهم مخطئون"، مؤكدا أن "مصر تتقهقر إلى القرون الوسطى".


"هاشتاج" للتنديد بالأحكام

من جهة أخرى، نظمت شبكة الجزيرة اليوم الثلاثاء وقفة احتجاجية في مقر القناة الإنجليزية للتنديد بالأحكام القضائية المصرية المشددة بحق تسعة من صحفيي الشبكة بالسجن. قد تزامنت الوقفة مع مرور 24 ساعة على لحظة إعلان الحكم يوم أمس الاثنين بالحبس المشدد لمدة تتراوح بين سبعة وعشرة أعوام.

وتخللت الوقفة دقيقة صمت للتعبير عن رفض القمع الذي يتعرض له الصحفيون لتخويفهم ومنعهم من نقل الحقيقة.

وقال مدير مكتب الجزيرة في القاهرة عبد الفتاح فايد إن هذه الوقفة تمثل بداية لسلسلة من الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات التضامنية التي تنوي الجزيرة تنفيذها، ولفت إلى أن الشبكة تنوي إطلاق وسم "هاشتاج" جديد للتنديد بهذه الأحكام.

وأضاف فايد أن هذه الوقفة -التي انطلقت عند الساعة 11:41 بتوقيت الدوحة (8:41 بتوقيت غرينتش) بعد 24 ساعة من النطق بالحكم- لا تقتصر على مقر الشبكة في الدوحة، بل تشمل جميع مكاتب الجزيرة في العالم بمشاركة صحفيين وكتاب وإعلاميين كبار تنظم في فترات زمنية مختلفة.



الجزيرة الإنجليزية تضاهي "بي بي سي"
وكتبت صحيفة "ذي جارديان" في افتتاحيتها أن الأحكام الصادرة على الصحافيين، أكدت أن "مصر تعيش حربا أهلية، وأن النظام القضائي فقد استقلاله، لأنه يعد نفسه جزءا من الحرب على ما يسميه الإرهاب، وأن الأدلة التي استند إليها الحكم مضحكة وسوء النيّة مبيتة وواضحة". وجاء الحكم ليؤكد هذا من خلال الأحكام القضائية التعسفية، إضافة للكشف عن سجن سرّي يعذب فيه المعتقلون من دون سبب. وقالت إن "الأمر ببساطة، هو أن السلطات المصرية تنتقم من كل من يعتقد أنه يهدد وجودها، فاعتقلت الصحافيين رغم أنهم كانوا يؤدون عملهم باحترافية". وتجاهلت السلطات المصرية أن "الجزيرة" الإنجليزية تكاد تضاهي "بي بي سي" من جهة الموضوعية والاحترافية، وأن صحافييها ملتزمون بهذه المعايير، لذا لا يمكن اتهامهم أو حتى اتهام "الجزيرة" العربية، بأنها تعمل على تقويض الدولة المصرية.
واختمت الافتتاحية بالقول، إن ما حدث في المحاكمة يمكن وصفة بـ"العدالة الهاتفية"، وهي أن "شخصاً ما في منصب تنفيذي يتصل بالقاضي، ويعطيه الأوامر بأن يصدر الحكم الذي يمليه عليه".
كما نشرت صحيفة "ذي جارديان" تقريرا آخر، تحت عنوان "لا يوجد تحقيق صحافي سيضرّ بمصر مثل حبس الصحافيين"، موضحة أن النظام القضائي في مصر "أصابه جنون العظمة، خاصة في بلد يتم فيه تداول نظرية المؤامرة مثل الماء والهواء، لأنه يسجن الصحافيين الذين يحاولون نقل الحقيقة. وعلى السيسي أن يبرئ نفسه، لأن من غير المعقول أن هذا الحكم صدر من دون أن يكون له صلة به".
وعلقت هبة رؤوف الناشطة السابقة في "هيومن رايتس ووتش" قائلة: "إن مثل هذا الحكم لم يكن ليصدر في عهد مبارك الذي كان يهتم بسمعته الدولية". وعلقت حسيبة حاج صحراوي، نائب مدير منظمة العفو الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلة "إن القمع في عهد السيسي يمارس على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديث" لقد أصبح واضحا أن تقارير الجزيرة ما كانت لتضرّ بسمعة مصر بقدر ما فعله القاضي الذي أصدر الحكم، لتصبح الدولة المصرية هي أكبر تهديد على نفسها".

فيسك: معاقبة قطر من خلال الصحافيين
من جهة أخرى، تناولت الصحف العالمية بكثير من الاهتمام هذه الأحكام، فكتب الصحافي  روبرت فيسك، في صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية، تعليقا قال فيه إن "حبس الصحافيين واعتقالهم، بل وقتلهم، يعدّ من الأمور المعتادة في الثورات الزائفة"، التي لا يعرف فيسك لماذا تصرّ مصر على أن تكون واحدة منها؟ وفي نظر فيسك، فإن "حبس الصحافيين في هذه الظروف مساو تماما لاغتصاب النساء في الحروب. ولكن المؤلم هو موافقة قادة العالم على هذه الممارسات القمعية وكأن شيئا لم يكن". وعندما أعرب الأستراليون للسيسي عن غضبهم بسبب الحكم الذي أعطاهم درسا في استقلال القضاء. أيُّ استقلالٍ وأيُّ قضاءٍ يتحدث عنه وقد صادق القاضي على إعدام 300 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الشهر الماضي، من دون أن تتاح لهم الفرصة لأن يدافعوا عن أنفسهم!
وتابع فيسك كلامه بالقول: "الحقيقة أن المقصود بحكم الأمس، هو قطر، فـ"الجزيرة" هي مشروع سياسة خارجية قطرية، وقطر هي البلد التي ساندت مرسي، والذي قام السيسي بالإطاحة به رغم أن مرسي جاء إلى الحكم بانتخابات شرعية. وعندما أطاح السيسي بمرسي، فقدت مصر المعونات القطرية الهائلة التي تقدر بعشرة مليارات دولار، التي تظهر معونات كيري إلى جانبها هزيلة وبلا قيمة. ثم تدخلت السعودية لتحل محل قطر، شريطة أن يترك السيسي السلفيين يفعلون ما يشاؤون".
ويضيف: "لمعاقبة قطر، كان لا بد من حبس صحافيي القناة التابعة لها. الحقيقة أننا في الغرب نخشى على حياة صحافيينا طيلة الوقت، بينما في العالم العربي يدفع المئات من الصحافيين والمصورين حياتهم ليقوموا بعملهم، من دون أن يهتم أحد بهم". وختم مقالته بالقول: "في اعتقادي أن السيسي سوف يفرج عن الصحافيين، حتى نشكره من أعماق قلوبنا الغربية".

حكم سياسي

صحيفة "ديلي تلجراف" أوضحت أن جميع القوى العالمية استنكرت الحكم الجائر الذي لا يستند لأي شيء سوى الانتقام من قطر التي تعرضت لضغوط هائلة منذ الإطاحة بمرسي. وعلق وزير العدل السابق أحمد مكي، بالقول: "بهذه الأحكام المشينة يكون القضاء المصري قد خسر ثقة المجتمع الدولي فيه، وكذلك خسر ثقة المواطنين فيه، لأنه أصبح أداة في يد السلطة من أجل تخويف المواطنين".
وكانت محكمة مصرية أخرى، قد حكمت على الصحافي محمد حجازي بالسجن خمس سنوات بتهمة التحريض على الطائفية، وألقي القبض عليه أثناء نقله أحداث العنف الطائفي ضد المسيحيين في المنيا، وهو يعمل لمصلحة قناة أميركية مسيحية.
من جهتها، وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية المحاكمة بـ"المهزلة"، وأوضحت أن الحكم "هو نوع من الانتقام من قناة الجزيرة التابعة لقطر التي تدعم الإخوان المسلمين". وأن الحكم سياسي في المقام الأول، وليس حكما قضائيا، وصدر وسط ذهول واستنكار الحاضرين من صحافيين ودبلوماسيين. وختمت بالقول: "إن الحكم يمثل الفساد الذي يعاني منه النظام المصري، بما لا تخطئه العين، وأصبح الأمل الآن لدى الجميع أن يصدر السيسي عفوا عن الصحافيين".
أما "دير شبيجل" الألمانية، فوصفت الصحافيين بأنهم جزء من الفيلم السينمائي "الخلاص من شاوشانك" لأنه تم سجنهم من دون أن يكون هناك مبرر لذلك، وأن الغرض هو الانتقام من قطر وتقييد حرية الصحافة في مصر.

 

المساهمون