فاي دوناواي... تلك الطفلة الجنوبية التي نسيها الجمهور

26 سبتمبر 2024
فاي دوناواي في مهرجان كان السينمائي، 15 مايو 2024 (فاليري هاش/ فرانس برس)
+ الخط -

مُستَندةً على كتفِ المخرج الفرنسي لوران بوزيرو (Laurent Bouzereau) سارت ديفا هوليوود وأيقونتها الحيّة فاي دوناواي (Faye Dunaway) مُتألقة كعادتها على السجادة الحمراء في مهرجان كان في دورته الـ77، تستقبل التهاني وتُلتقط لها الصور. دوناواي (83 عاماً) ضيفة دائمة في المهرجان، لكن هذه السنة كانت مختلفة، إذ عُرضَ الفيلم الوثائقي Faye الذي يتناول قصة حياتها (إنتاج Amblin Entertainment وHBO وإخراج بوزيرو) في قسم كلاسيكيات كان.

العمل يُلقي نظرة على أحد أهم مرتكزات صناعة السينما الأميركية، إذ نتابع خلاله فاي دوناواي تروي تأملاتها الشخصية حول الكلاسيكيات الخالدة التي قدّمتها، وأشعلت بسببها نقاشات ثقافية لم تنتهِ حتى اليوم. ويركز الوثائقي على بصمة الممثلة في تحديد ماهية السينما الأميركية لعقودٍ قادمة، ومشاركتها في أعمال كفيلم "بوني وكلايد" (1967، آرثر بن) و"الحي الصيني" (1974، رومان بولانسكي)، و"شبكة الأخبار" (1976، سيدني لوميت) الذي حصلت على جائزة أوسكار عن دورها الرئيسي فيه.

هذه من الأعمال التي لا مجال لتجاهلها في قراءة تاريخ هوليوود تحديداً، وقراءتها من وجهة نظر دوناواي، كإحدى العناصر الأساسية في هذه الأعمال. في "بوني وكلايد"، تعاملت الممثلة مع طاقم ذكوري. وكان العمل انعكاساً للأزمة الأخلاقية في أميركا الشمالية. بعدها، عصفت النقاشات النسويّة حول مستويات الضغط التي لا تحتمل على النساء في هذه المهنة. اتسق العمل كاملاً مع رؤية مخرجه للمشاهد الصادمة لاغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، وأخيه، ولاحقاً مارتن لوثر كينغ.

دورها الميكافيلي في فيلم "شبكة الأخبار" أكمل النقاش الجامح حول استقلالية المرأة في الستينيات والسبعينيات، وشكل الاقتصاد وحياة الفرد البائسة والحلم الأميركي.
في صباح اليوم التالي من استلامها جائزة أوسكار عن دورها في فيلم "شبكة الأخبار"، أيقظها زوجها المصور الإنكليزي تيري أونيل عند السادسة صباحاً، وطلب منها أن تجلس إلى جانب حمام السباحة الخاص بالفندق الذي تقيم فيه في بيفرلي هيلز. بعثر نسخات الجرائد العالمية لذاك اليوم على الأرض، وعلى صفحاتها الأمامية مطبوعة صورة دوناواي مع جائزة أوسكار. وضع تمثال الرجل الذهبي الأصلع على الطاولة إلى جانبها، والتقط لها 12 صورة، إحداها كانت أفيش الوثائقي "فاي".

منذ اللحظة التي تدربت فيها دوناواي على يد المخرج إيليا كازان، فقدت السيطرة على روايتها الشخصية، فوضعت طفولتها في صندوقٍ محكم الإغلاق وانطلقت في حياتها. تروي أن تلك الطفلة الجنوبية الجميلة كُتِبت خارج النص ونسيها الجمهور. تلك الطفلة ورثت عن أبيها إدمان الكحول والتنقل الدائم، ما أجبرها على وضع مسافة دائمة بينها وبين الآخرين كي لا تتعلق بأحد وهي في انتظار الانتقال المحتوم. ولتتناسب شخصيتها مع وظيفتها، اضطرت إلى خلق بيرسونا جديدة، قلة في الكوكب لا يعرفونها.

بعد علاقات لم تتطرّق إليها في الوثائقي، كانت إحداها مع الممثل الإيطالي مارسيلّو ماستروياني الذي حطم قلبها، تزوجت دوناواي من أونيل المصوّر. تبنّيا طفلاً أسمياه ليام، وكان له حضور طاغ في الوثائقي. تحدّث مطوّلاً عن أمه وتقلباتها المزاجية بسبب ثنائي القطب، وإدمانها الكحول، وإصرارها على التقدم بعد أن تنازلت عن الكمال.

للعمل بنية وثائقية تقليدية مع ضيوف غير تقليديين. الإضافة المميزة للفيلم كانت دوناواي نفسها. تحدث ميكي رورك وشارون ستون عن علاقتهما بها. نرى أيضاً الناقد السينمائي مايك هاريس وروجر إيبرت والمخرج يرزي شاتزبرغ، مضافاً إلى كل ذلك أرشيف هائل من الصور والمشاهد الأيقونية واللقطات الأرشيفية.

سينما ودراما
التحديثات الحية

تضيع فاي دوناواي في بعض الأحيان في بنية نصيّة غير متماسكة وإيقاع سريع. يبدو أن المخرج يقدم العمل كاحتفال دوناواي نفسها، إذ إن تقنياته لا تسمح إلا باستكشاف سطحي لهذه الأيقونة. بمعنى آخر، تلخيصٌ إعلامي وليس رحلة تحليلية، إذ كان الرد الوحيد على أطنان مطبوعات الصحافة الصفراء التي تناولت دوناواي واستعلاءها وتعاملها القاسي مع طواقم العمل بأنها مصابة باضطراب ثنائي القطب. يضاف إلى ذلك أن العمل لم يقدم الممثلة ضمن محيطها الثقافي ولا انعكاساً له.

المساهمون