حماس في ذكراها الـ27: أزمات قاسية وخصوم كثر

14 ديسمبر 2014
تواجه "حماس" وضعاً لا تحسد عليه (محمود حمص/الأناضول)
+ الخط -

تعيش حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في ذكرى انطلاقتها السابعة والعشرين، ظروفاً غاية في التعقيد والصعوبة، بعد أن أضحت علاقاتها الداخلية والإقليمية والدولية في وضع لم تعهده سابقاً. الحركة التي رتّبت نفسها على أجواء الضغط والاستهداف، لا تُخفي صعوبة وضعها الحالي وخطورته.

غيرّ أنّ "حماس" التي حوصرت في غزة ثماني سنوات، وشُنت عليها وعلى القطاع ثلاث حروب إسرائيلية قاسية، لا تزال أكبر اللاعبين في الملف الفلسطيني وأهمهم، ويشار إليها بالبنان عسكرياً في تصدّيها للاحتلال، وإبداعها كل ما يمكنه أن يؤلم إسرائيل.

وتبدو الحركة اليوم في مواجهة سلسلة من الأزمات، ففي علاقاتها يبدو خصومها أكثر عدداً وقوة من ذي قبل. وفي وضعها المالي المتدهور، تواجه "حماس" وضعاً لا تحسد عليه، غير أن ما في يد "حماس" من أوراق قوة، كالجنود الإسرائيليين الأسرى، قد يغير كثيراً من وضعها الحالي، إنّ تهيأت الظروف المناسبة لمفاوضات غير مباشرة تنهي هذا الملف.

ويقول القيادي في "حماس"، صلاح البردويل لـ"العربي الجديد"، إنّ حركته منذ أنشئت حتى هذه اللحظة، تعلم أنّ الطريق أمامها ليس معبّداً بالورود، وهي دائماً مستعدة للأثمان التي تدفعها، مشيراً إلى أنّ صاحب القضية لا بد أن يعاني ويدفع الأثمان لتحقيق أهدافه.

ويلفت البردويل إلى أنّ حجم المصيبة التي وقع فيها الشعب الفلسطيني كبير جداً، ولو سكت الفلسطينيون عليها لازدادوا معاناة على معاناتهم، مبيّناً أنه مهما دفع الفلسطينيون ثمناً لمقاومتهم الاحتلال فهو أقل بكثير من ثمن السكوت والذل.

ويوضح القيادي في "حماس"، أنّ حركته تربّي أبناءها على "الشدة وتضع بين أيديهم أحد خيارين، الانتصار أو الشهادة"، لافتاً إلى أنّ الشعب الفلسطيني أبدى درجة عالية من الاحتضان للحركة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، وفشلت كل محاولات الاحتلال وأعوانه للإيقاع بين الشعب والمقاومة التي رأس حربتها "حماس".

وعلى الرغم من إقرار البردويل بصعوبة الأوضاع التي تعيشها حركته، والتي قال إنها لا تكسر "حماس" أو تجعلها تتراجع إلى الخلف، إلا أنه أكّد أن "حماس" لا تزال لدى الجماهير العربية والإسلامية رقماً صعباً، وأن مشكلتها هي عداء بعض الأنظمة لها، خوفاً، ولا سيما بعد الربيع العربي.

ويلفت البردويل إلى أنّ "حماس" تفكر بواقعية، وتعمل على كيفية استعادة العلاقات وإذابة الخصومة التي تعيشها الأنظمة العربية تجاهها، مؤكداً أنهم معنيون بتجميع أكبر قدر من المناصرين للقضية الفلسطينية.

ويؤكد القيادي في "حماس"، أنّ الحركة مستمرة في مواجهة الاحتلال والعمل على عزله وفضح جرائمه، مشدداً على أن مشروع المقاومة في فلسطين هو الذي كسر وأنهى مشروع إسرائيل الكبرى والتمدد الذي تطمح إليه دولة الاحتلال.

وما بعد الربيع العربي، عادت أنظمة عربية كثيرة "حماس"، بدعوى أن الربيع بدأ من غزة وعلى يد الحركة الإسلامية وخشية أن يتمدد الربيع ويطال دولاً أخرى. وكانت الحركة حينها تشعر بارتياح كبير وتنتظر أن تجني، ومعها القضية الفلسطينية، مكاسب التغيرات في الدول العربية، إلى أن حدثت الثورات المضادة التي أسقطت أحلام "حماس".

من جهته، يقول المحلل السياسي، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حماس" واقعة تحت مجموعة من الأزمات المتزامنة مما يزيد حجم الضغوط عليها، وحجم ارتباك المشهد الفلسطيني ككل، غير أنه لم يحمّل الحركة مسؤولية صنع هذه الأزمات.

ويلفت قاسم إلى أنّ الأزمات نتجت عن المصالح المشتركة عند الأطراف التي اصطنعتها، وهي إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر. ويعرب عن اعتقاده بأنّ كل أزمات "حماس" ليست في علاقتها مع الأطراف المحلية أو الإقليمية، وإنما في علاقتها مع اسرائيل وإصرارها على خوض الكفاح المسلح حتى النهاية، ورفضها الاعتراف بشروط الرباعية الدولية.

ويشير قاسم إلى أنه في ملف العلاقة مع السلطة اتخذت "حماس" خطوات للأمام بتوقيع اتفاق المصالحة وتسليم الحكومة في غزة. أما مع مصر، فتحاول "حماس" الوصول لحالة أفضل مع النظام، لجهة التعامل معه وترغب في طي الصفحة السابقة، ولكن الأمر يتعلق بتوجهات النظام المصري في المرحلة المقبلة، على حد قوله.

وحاولت "حماس" كسر المعادلة مع الاحتلال عبر خوضها للحرب الاخيرة، إلا أنّ الوضع الإقليمي منعها من تحقيق الإنجاز السياسي المطلوب، وفق قاسم.

وحول أزمة الحلفاء التي تعاني منها "حماس"، يشير قاسم إلى أنّ الحركة لم تكن يوماً تتمتع بوفرة الحلفاء، فهي في معظم الأوقات كانت تتمتع بعلاقات ممتازة مع إيران وسورية وحزب الله وهؤلاء ضمن محور واحد، مشيراً إلى أن خسارة "حماس" حلفاءها جاءت نتيجة سوء تقدير في مرحلة أحداث متسارعة في المشهد الاقليمي، وكان مطلوباً منها موقف محدد في حالة ضبابية.

ويعتقد قاسم أنّ "حماس" تحاول حالياً بقوة إعادة العلاقات ولا سيما مع طهران، مشيراً إلى أنّ الحديث داخل أروقة "حماس" يتكرر حول محورية العلاقة مع إيران والرغبة في تجاوز ملف سورية في هذه العلاقة. غير أنه يرى أنّ سيولة المشهد الاقليمي قد تمنح "حماس" فرصاً غير متوفرة في الوقت الحالي.

كما يؤكد أنّ المستقبل السياسي في فلسطين هو لقوى المقاومة التي تقودها حركتا "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، ولا سيما في ظل انهيار المشروع البديل المتمثل في المفاوضات وحالة الزعزعة التي تعيشها السلطة والخلافات التي بدأت تدب في أركانها.

ويقدّر قاسم أنّ الالتفاف الكبير حول المقاومة في الحرب الأخيرة دليل على أنّ لديها حاضنة شعبية كبيرة كفيلة بحرمان خصومها من فرصة استئصالها. ويشير أيضاً إلى أنّ خصوم الحركة الثلاثة لديهم من المشاكل الداخلية ما يحرمهم من العمل بحرية وهي نقطة قوة لحماس.

بدوره، يقول الكاتب في صحيفة "الأيام" الفلسطينية، أكرم عطاالله لـ"العربي الجديد"، إنّ "حماس" في عين العاصفة هذا العام، وأن وضعها هو الأصعب على الإطلاق، في ظل أزمة في علاقاتها على المستوى الاقليمي، وأزمة أكبر في علاقاتها بالمستوى الدولي.

ويشير عطاالله إلى أنّ أزمة "حماس" الحالية لم تمرّ بهذا الشكل على الحركة منذ انطلاقتها وإنشائها، موضحاً أنّ حالة العداء التي تعيشها الحركة تعكس بوضوح وضعها على المستوى الداخلي والاقليمي والدولي. كما يعرب عن اعتقاده أن مخارج كل أزمات "حماس" داخلية.

ويلفت عطاالله إلى أنّ المخارج لهذه الحالة التي تعيشها "حماس" هي تعميق الحوار الداخلي الفلسطيني، والبدء في حوار سياسي حول البرنامج الوطني للخروج ببرنامج موحد، موضحاً أنّ كل الأزمات التي تعيشها "حماس" أزمات فرعية، نتيجة لأزمة الصدام البرامجي في الداخل الفلسطيني.

ويقدر عطالله أنّ الذي ثبت في الفترات الماضية، والحلول التي قامت بها "حماس" للخروج من أزماتها، كانت جزئية، وهي تأجيل للأزمات لا حلها.

وخلص إلى القول إن الأزمة التي تعيشها "حماس" مع مصر يمكن إنهاؤها من خلال اتخاذ الحركة مواقف مستقلة عن مواقف "الإخوان المسلمين". وعلى الرغم من تقديره أن ذلك قد يكون صعباً، إلا أنه لا يرى فيه مستحيلاً.​

المساهمون