طوبى لبسطاء السياسة

27 سبتمبر 2024
مهجرون لبنانيون من الجنوب في بيروت، الأربعاء (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في العالم العربي، يتم تمجيد ما تتفق الجماعة على تعظيمه، خاصة في الأزمات، بينما يسوّق البعض للإعجاب بالعدو المحتل، مما يضلل الناس.
- الوقوف مع لبنان ضد أهداف مجرمي الحرب بقيادة نتنياهو يجب أن يكون بديهياً، فالطيران الصهيوني يستهدف المدنيين دون تمييز.
- في الحالة الفلسطينية، بعد 76 سنة من السياسات الصهيونية، لا يحتاج الناس للتحريض على المقاومة، بل يحتاجون اعترافاً صريحاً بحقهم في تقرير المصير والاستقلال.

في دنيا العرب يعتاد البعض على تقليد أو استنساخ تمجيد ما تتفق الجماعة على تعظيمه. في بعضها تجري رسمياً صناعة ثقافة سياسية ـ اجتماعية تقوم على قياس مستويات الوطنية، خصوصاً في الأزمات والحروب. وفي مقابل زيادة عيارها اللفظي العاطفي ثمة من يسوّق مسوغات الإعجاب بعدو محتل ومدمر، إذ ينتفخ غرور خداع الناس بخبث ودهاء توظيف اللغة. الحروب لا تصنع لورداتها وتجارها فحسب، بل أيضاً ثلة ممن يحيلون محاوريهم إلى جهلة في السياسة. وهؤلاء، على ضفتين متضادتين في الخطاب العاطفي، يزرعون الإحباط من حيث لا يدرون ربما، بتسويق أن العدو على وشك الهزيمة والسحق، وكأننا "على أبواب تل أبيب". ومقابلهم يبرز تيار كارثي مخادع بعنوان: "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين"، سواء تعلق الأمر بحرب الإبادة على قطاع غزة أو العدوان على لبنان.
والوقوف مع لبنان ضد أهداف مجرمي الحرب بقيادة بنيامين نتنياهو يفترض أنه بديهي ضد الظالمين المعروفين. فاللبنانيون المستهدفون بنيران صهيونية وأميركية هم كالمظلومين في قطاع غزة، وغيرهم عربياً. في القطاع الذي يُقصف ويُدمر منذ عام تقريباً لم تمحص طائرات أف 35 والمسيرات وبقية آلة التدمير عن الانتماء السياسي ـ التنظيمي للشهداء. الكل سواسية، سواء كنت جبهوياً أو فتحاوياً أو حمساوياً أو غيرها، في شعاري التطرف الصهيوني: "اقتل كما قتل أجدادك في أريحا" و"الموت والذبح للعرب"، وفي سياق طلب إبادة الجميع.

كذلك الطيران الذي يقصف ويدمر في قرى ومدن اللبنانيين لا يفرق بين طائفة ومذهب ومعتقد المستهدفين. وسواء كانوا يساريين أو قوميين أو إسلاميين، وبينهم بالتأكيد من يتناقض مع حزب الله، فإن ما يهم مرتكب جرائم الحرب الإسرائيلي هو بالضبط استهداف المدنيين لكيّ الوعي العربي واستعادة بعض هيبة الردع، على حساب آلاف الضحايا. إذاً، الوقوف مع الضحية في لبنان لا ينبغي له استدعاء تأتأة وفلسفات نخبوية، ولا حتى إفرازات طائفية مرضية انفجرت دماملها فجأة بأبشع صورها وأن هذا الاحتلال الصهيوني الدموي "ينتقم" لهم، فـ"يضرب الظالمون بعضهم بعضاً". فالتشفي بالضحايا المدنيين مرض (عربي) عضال.

وبالضرورة الوقوف مع الضحايا ليس أكثر من انسجام مع حس العدالة والانتصار للمظلومين، وهو ما حرك الناس للتضامن مع أطفال الحولة والقصير وداريا والزبداني في سورية. وهو انسجام لا يخضع لمقاييس الأيادي التي تقتل، سواء كانت "وطنية" أو مليشياوية أم احتلالية، فالأمر سيان في التعاطف مع/ والانتصار للضحايا. وعليه، وببساطة شديدة طوبى لبسطاء التضامن البديهي مع الضحايا على امتداد الأرض العربية، بعيداً عن تقيحات عام كامل من الاكتشافات التي قدمها قطاع غزة.

اليقيني وسط هذه الحالة العربية، التي لا ترقى رسمياً بكتلة بشرية لا تقل عن الاتحاد الأوروبي إلى ما هو مطلوب منها، أن ديالكتيك الاحتلال ومقاومته ليسا اختراعاً ولا حكراً لجماعة أو أمة دون غيرها. وحتى لا يُرهق أصحاب المواقف الرمادية في تمييع المجرم والضحية، فالقضية أبسط بكثير من فلسفة تعايش الضحية مع جريمة الحرب المتواصلة ضده. في الحالة الفلسطينية، وبعد خبرة 76 سنة مع السياسات الصهيونية، لا يحتاج الناس للتحريض والتحفيز على المقاومة، التي بالضرورة قد لا تروق للجميع.

فالاحتلال نفسه يقدم المحفزات اليومية في جدلية أن يحيا جيل فلسطيني وراء جيل، من الجد إلى الحفيد، على وقع تطبيق المشروع الصهيوني، وإن اقتضى حرب إبادة. كذلك هو الأمر في جنوب لبنان، منذ عام 1948، خبر الناس هذا المشروع الذي ينفلت اليوم في تعبيراته وأمانيه التوسعية بالصهيونية ـ الدينية عن حدود "إسرائيل الكبرى"، والذي يتوعد حتى الأردن. المعادلة بسيطة جداً؛ اعتراف صريح من دولة الاحتلال بمبدأ إزالة الاحتلال والإرهاب الاستيطاني، وترك الفلسطينيين يحققون حقهم في تقرير المصير والاستقلال في دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وبعدها يمكن تمني أن تكون المنطقة على غير ما هي عليه مع آلة الحرب الصهيونية ـ الأميركية.

المساهمون