دور المسنين تتزايد في باكستان... هكذا تتخلى العائلات عن كبار السن

13 سبتمبر 2022
نزلاء دار للمسنين في روالبندي الباكستانية (محمد رضا/الأناضول)
+ الخط -

لم يكن المجتمع الباكستاني يعرف دور المسنين، وكانت العائلات تقوم على رعاية كبار السن، والاهتمام بشؤونهم، لكن السنوات الأخيرة شهدت تغير هذا الواقع بشكل ملحوظ.

كان الباكستاني محمد ميرزا (79 سنة) يعيش مع زوجته بمدينة لاهور، حيث كان يشتغل بالتجارة، ولديه أكثر من منزل في المدينة، ومنازل في مسقط رأسه مدينة سركوده. غير أن الصراع مع شقيقه الأصغر أجبره على مغادرة المنزل، والعيش في دار لرعاية المسنين قبل أربع سنوات.
يقول الرجل المسن لـ"العربي الجديد": "كنت ميسور الحال، ولدي منزل كبير وفخم في لاهور، وسيارة فاخرة، وكنت أغيرها إلى الأحدث دوماً، الأمر الوحيد الذي كان ينقصنا في الحياة هو الأولاد، لذا كنت أعتمد كلياً على أخي الأصغر وأبنائه، والذين كنت أنا وزوجتي نعتبرهم أبناء لنا". 
توفيت زوجة الرجل قبل خمس سنوات، وأصيب في أعقاب ذلك بجلطة دماغية أدت إلى شلل نصفي، عندها بدأت الحياة تتغير، فانتقل إلى بيت شقيقه كي يخدمه هو وأبناؤه، إذ إنه لم يعد يستطيع القيام بالكثير من الأمور الحياتية، وبقي كل ما كان يملكه في أيدي أخيه.
مع مرور الأيام تغير سلوك الأخ وأهله، وبعد أخذ كل شيء، السيارة والمنزل والمال، بذرائع مختلفة، أبلغه في أحد الأيام بنقله إلى بيت أحد أقاربه في مدينة سركوده، لكنه جاء به إلى دار المسنين في لاهور، وتركه هناك مع خمسة آلاف روبية (22 دولارا). 
يعاني ميرزا من الشلل النصفي، ومن مرض السكري وارتفاع ضغط الدم، لكنه لا يرغب في  الذهاب إلى بيت شقيقه لأن زوجته وأولاده يسخرون منه، لكنه يتطلع إلى أن يزوره شقيقه، وأن يعطيه بعض المال. "إنه ابن أمي، وأريد أن أراه، وأجلس معه لأشاركه معاناتي، لكنه لا يفعل مع الأسف". 
يضيف ميرزا أنه خسر كل شيء، الصحة والمال، ولا يستطيع فعل شيء في مواجهة ظلم شقيقه، يقول: "أدعو عليه أن ينتقم الله منه لأنه تركني بلا منزل ولا مال بعد أن أخذ مني كل ما أملك، وبعد أن كنت أعتمد عليه على أمل أن يساعدني عندما أتقدم في العمر".
الحال نفسه تقريباً، تعيشه المسنة الباكستانية شبانه يوسف (64 سنة) في دار للمسنين بمدينة راولبندي، فهي تعاني من الأمراض، وباتت تنسى كل شيء، وتقول قريناتها إنها جاءت إلى الدار قبل ست سنوات. لم تتزوج، وكرست حياتها من أجل خدمة والديها، بينما تزوج كل إخوانها وأخواتها، وبقيت هي من دون زواج.

بعض عائلات باكستان تتخلى عن المسنين (فاروق نعيم/ فرانس برس)
بعض عائلات باكستان تتخلى عن المسنين (فاروق نعيم/ فرانس برس)

تقول السيدة لـ"العربي الجديد": "إخواني وأخواتي لم يكونوا يعاملونني بشكل جيد، كنت عبء ثقيل عليهم، فقررت القدوم إلى هذه الدار، على الأقل لا يكون طعامي وملابسي ودوائي مسؤولية أحد. أنا مرتاحة هنا".

يقول عالم الدين، المولوي تاج ولي، لـ"العربي الجديد"، من العاصمة إسلام أباد: "لم نكن نعرف دور المسنين في الماضي، كان الأقارب يرعون كبار السن، ويقومون على خدمتهم، لكن الآن بات المسنون عبئاً، ولهذا يتزايد عدد دور المسنين، ما يعني أن الأحوال الاجتماعية في باكستان متدهورة". 
وتقول مسؤولة قسم النساء في دار المسنين بمدينة راولبندي، شبنم إعجاز، لـ"العربي الجديد": "لكل واحدة من النساء اللواتي يعشن هنا قصة محزنة، وبعضهن عشن ظروفاً صعبة، وندرك غالبية أن الأسر لا لوم عليها، لكن هناك نساء مظلومات، وفي بعض الأحيان، يتوفى المسن المقيم عندنا، ولا يأتي أحد من الأسرة لأخذ الجثمان، فنقوم بدفنه".

وتضيف: "على سبيل المثال، لدي امرأة عمرها فوق السبعين، اسمها رضوانة، جاء بها ابنها في عام 2012، وقال لنا إنه سيسافر إلى خارج البلاد من أجل التعليم، وليس عنده أحده لرعايتها، وسيرسل الأموال لها، وعندما ينهي الدراسة سيعود ليأخذها، لكنه منذ ذلك الحين لم يزر أمه، وقد جاء إلى باكستان عدة مرات، وفي كل مرة نتواصل معه، لكنه تزوج هنا في راولبندي، ويعيش مع زوجته، ولا يزور أمه".
تتابع الطبيبة النفسية فاطمة عترت، نزلاء دور المسنين في كل من راولبندي وإسلام أباد، وتقول لـ"العربي الجديد"، إن  بعضهم تعرضوا إلى أوضاع صعبة، وعندما أقاموا في دور المسنين تحسنت أحوالهم لأنها توفر لهم الطعام والشراب والدواء بشكل منتظم، كما تراعيهم نفسياً، لكن بعضهم تدهورت حالتهم لأنهم يشعرون بالخذلان من قبل أولادهم وأسرهم، ويسعى القائمون على الدور قدر الإمكان لتوفير ما يحتاجونه في إطار الإمكانات المتاحة. 

المساهمون