عاشت بريطانيا في السنوات الثلاث الأخيرة على وقع تبعات "البركست"، الخطوة التي انتقلت من السياسة إلى الحياة اليومية للمجتمع في شكل ممارسات تعبّر عن الرفض؛ رفض المهاجرين، ورفض اللاجئين، كنتيحة لقرار رفض البقاء في الاتحاد الأوروبي.
أدى ظهور هذه النزعات العنصرية إلى بروز دور الثقافة أكثر فأكثر، وطرح سؤال حول التعددية التي كرستها بريطانيا لعقود كنظام اجتماعي وثقافي وسياسي لها، ولماذا تبدو اليوم بهذه الهشاشة؟
في هذا السياق، تُقام عدد من المعارض الفنية والبرامج الثقافية والمسرحيات والمحاضرات وتُقدّم بعض الأغاني الجديدة، والتي تدعو إلى التسامح والتعايش واحترام الاختلاف وتقديره. من ذلك معرض بعنوان "أنت وأنا والذين أتوا قبلنا"، الذي يتناول قصص مهاجرين قدماء وجدد إلى بريطانيا، من سياسيين ومثقفين وفاعلين في المجتمع البريطاني.
المعرض الذي ينظّمه "كاونتر بوينتس آرتس" يُقام حالياً في متحف "تيت" بلندن، ثم ينتقل في 16 حزيران/ يونيو إلى فضاء متحف "فكتوريا وألبرت"، ويضم صور بورتريه فوتوغرافية، مع سير ذاتية مختصرة لأصحابها البريطانيين من أصول مختلفة وأجيال متنوعة.
اللافت في المعرض تعدُّد الأصول التي يبرزها، كأنه يتضمن رسالة مفادها: "كلّنا بشكل أو بآخر يمكن أن نكون لاجئين أو نهاجر إلى بلد ما في لحظة ما"... ثمة شخصيات هربت من أفريقيا، وهناك من اضطُهد في بلد أوروبي آخر، شخصيات من أصول عربية وأخرى من أصول شرق آسيوية، فهل هناك من هو معصوم من التهجير أو الهجرة؟ ما يحيلينا إلى مقولة الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا عن الهجرة والمنفى كشرط إنساني متأصل فينا، وعن حاجة المجتمعات إلى المهاجر، لكون يفتحها على تجارب إنسانية أخرى.
هناك صورة للكاتبة دينا نايري التي وصلت عائلتها إلى لندن تاركة طهران في الثمانينيات. أصدرت دينا مؤخراً كتاباً بعنوان "اللاجئ الجاحد"، وفيه تنظر إلى تجربة اللجوء من وجهة نظر شخصية.
ضمن المجموعة، صورة لعازفة القانون السورية مايا يوسف التي ولدت في دمشق ولجأت إلى بريطانيا بسبب الحرب، وهناك أصدرت ألبومها الأول "أحلام سورية".
هناك أيضاً بورتريه لشابة على كتفها الكوفية الفلسطينية تعود للشيف جودي كالا، فلسطينية الأصل، والمتخصّصة في الأكلات التراثية العربية، وقد وأصدرت عدة كتب عن المائدة الفلسطينية ووصفاتها، مدوّنة وموثّقة وصفات والدتها وجدتها وعماتها.
نجد مثلاً صورة لممتاز مهري، وهي شاعرة هاجر والداها هاربين من الفقر والمجاعة في الصومال إلى لندن في الثمانينيات، وإلى جانبها بورتريه لـ زو واناميكر التي فرّ والداها من أميركا المكارثية، حين وصل والدها سام وانميكر أنقذ "مسرح الوردة" وأسس ما يعرف اليوم بـ مسرح "شكسبير غلوب"، أما زو نفسها فهي واحدة من أشهر الممثلات في بريطانيا.
ثمة صورة أيضاً لـ إيستر فرويد ابنة الفنان لوسيان فرويد الذي فرّ من برلين إلى بريطانيا هارباً من النازية عام 1933، وهي أيضاً روائية من الكتّاب الأكثر مبيعاً في بريطانيا، وبعض أعمالها تحولت إلى أعمال سينمائية شهيرة.
يضع القائمون على المعرض أيضاً صورة لـ جوديث كير، كاتبة الأطفال التي غادرت عالمنا مؤخراً، وهي من أصول ألمانية، وشغلت هجرتها وأهلها هاربين من ألمانيا كتاباتها ووضعت قصة للأطفال حولها بعنوان "حين سرق هتلر الأرنب الوردي".