أعلنت "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) اليوم الأربعاء، أنها عوّضت انخفاض صادرات نفط إيران المستهدفة بعقوبات أميركية، وخفضت توقعاتها للطلب على نفطها في 2019، وهو ما يظهر التحدي الذي تواجهه المنظمة لمنع حدوث تخمة في المعروض، حتى ما بعد القرار الذي اتخذته الأسبوع الماضي بخفض الإنتاج.
وفي تقريرها الشهري، قالت "أوبك" إن الطلب على نفطها في 2019 سيتراجع إلى 31.44 مليون برميل يوميا، بما يقل عن 100 ألف برميل عن توقعاتها في الشهر الماضي، وأقلّ أيضا من مستوى إنتاجها الحالي بنحو 1.53 مليون برميل يوميا.
وفي ظل القلق من انخفاض أسعار النفط وزيادة الإمدادات، اتفقت "أوبك" وحلفاؤها، بمن فيهم روسيا، الأسبوع الماضي على العودة إلى تخفيضات الإنتاج في 2019، وتعهدوا بخفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا. ويبلغ نصيب المنظمة من الخفض 800 ألف برميل يوميا.
وتتوقع "أوبك" تباطؤ الطلب العالمي على النفط العام القادم، ولا تتوقع دعما يذكر من المناخ الاقتصادي. وقالت في التقرير: "تصاعد التوترات التجارية وتشديد السياسة النقدية والتحديات الجيوسياسية، من بين المشكلات التي تعزز المخاطر الاقتصادية في الاتجاه النزولي خلال 2019"، مضيفة أن فرص الصعود "تبدو محدودة".
ويمثل خفض الإمدادات تحولا في سياسة الإنتاج، بعدما اتفقت "أوبك" وحلفاؤها في يونيو/حزيران على زيادة الإمدادات وسط ضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لخفض الأسعار وتغطية نقص متوقع في الصادرات الإيرانية.
وغيرت "أوبك" مسارها بعدما هبطت الأسعار بشكل حادّ من أعلى مستوياتها في 4 سنوات فوق 86 دولارا للبرميل، الذي سجلته في أكتوبر/ تشرين الأول، بفعل مخاوف من ضعف الطلب وسط وفرة في المعروض. وصعد النفط اليوم الأربعاء، ليتم تداوله فوق 61 دولارا للبرميل.
وفي علامة جديدة على وجود فائض في المعروض، قال تقرير "أوبك" اليوم الأربعاء، إن مخزونات النفط في الاقتصادات المتقدمة ارتفعت مجددا في أكتوبر/ تشرين الأول فوق متوسطها في 5 سنوات.
وساهمت تخفيضات الإمدادات التي بدأتها "أوبك" وحلفاؤها في 2017، في تبديد تخمة سابقة في المخزون ضغطت على الأسعار.
سدّ النقص الإيراني
قالت "أوبك" في التقرير، إن إنتاجها النفطي تراجع 11 ألف برميل يوميا فقط، على أساس شهري إلى 32.97 مليون برميل يوميا في نوفمبر/ تشرين الثاني، رغم إعادة فرض عقوبات على إيران.
وسجّل إنتاج إيران أكبر هبوط له بنحو 380 ألف برميل يوميا. وتم تعويض هذا النقص بزيادات بلغت 377 ألف برميل يوميا من السعودية، أكبر بلد مصدر للخام في العالم، بجانب 71 ألف برميل يوميا إضافية من دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتشير الأرقام إلى أن السوق ستظل تعاني من فائض المعروض العام القادم، إذا التزمت "أوبك" بكامل تخفيضاتها البالغة 800 ألف برميل يوميا وبقيت العوامل الأخرى بدون تغيير، لكن هذا الفائض ربما يبدده مزيد من الخفض في الإنتاج الإيراني أو تعطل مفاجئ لإمدادات دول أخرى.
وتعتزم قطر الانسحاب من "أوبك" في 2019، لكنها حتى الآن لا تزال ضمن توقعات المنظمة.
ليعود السعر إلى 70 دولارا...
في السياق، قالت "ريستاد إنرجي" المتخصصة في استشارات النفط والغاز، إن "أوبك" وشركاءها سيكونون بحاجة إلى إبقاء الإنتاج دون المستوى المستهدف المتفق عليه خلال 2019، لكي يعود خام القياس العالمي مزيج برنت إلى مستوى 70 دولارا للبرميل.
وقال بيورنار تونهاوغن في مذكرة، إن "أوبك" بحاجة إلى إبقاء الإنتاج دون المستوى المستهدف، البالغ 31.8 مليون برميل يوميا في 2019، بمقدار 700 ألف برميل يوميا، لكي تتعافى أسعار خام القياس العالمي مزيج برنت لتصل إلى 70 دولارا للبرميل.
تونهاوغن قال، إن "تخفيضات الإنتاج المتفق عليها لن تكون كافية لضمان تعاف فوري ومستدام في أسعار النفط".
دعوة الخليج إلى "التأقلم"
في سياق متصل، دعا خبراء في مجال الاقتصاد في مؤتمر في دبي، اليوم الأربعاء، دول الخليج الثرية إلى التأقلم مع أسعار النفط المنخفضة، متوقعين أن يتواصل هذا التراجع في أسعار الخام لفترة طويلة.
ورأى الخبراء الذين تحدّثوا في ندوات خلال أعمال "المنتدى الاستراتيجي العربي" في دبي، أن المؤشرات على "حرب اقتصادية" وشيكة بين الولايات المتحدة والصين، واحتمالات حدوث تباطؤ في الاقتصاد العالمي بداية العام المقبل، ستضعف الطلب على النفط.
وقال وزير الاقتصاد اللبناني السابق ناصر السعيدي، إن "أسعار النفط ستبقى منخفضة لفترة طويلة"، مضيفاً أن تباطؤ الاقتصاد العالمي وازدياد الطلب على مصادر الطاقة البديلة سيدفعان الأسعار نحو التراجع، "الأمر الذي سيؤثر سلبا على النموّ في كل المنطقة (العربية)"، مضيفا "ستواجه المنطقة أزمة مالية واقتصادية".
وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي الست على النفط والغاز لتمويل الإنفاق، إذ تشكل إيراداتهما نحو 80% من مصادر دخل هذه الدول.
وخسرت السعودية والبحرين والإمارات والكويت وسلطنة عُمان وقطر، مئات مليارات الدولارات منذ تراجع أسعار النفط في 2014.
وعادت وارتفعت الأسعار خلال العام ونصف العام الماضي، مع اتفاق الدول المنتجة على خفض الإنتاج. لكنها تراجعت مجددا في الأسابيع الماضية مع انتهاء مدة الاتفاق وعودة الدول للإنتاج بكامل طاقتها.
وعند تسوية المعاملات اليوم الأربعاء، انخفض سعر البرميل في العقود الآجلة لخام برنت 5 سنتات أو 0.08% إلى 60.15 دولارا، كما انخفض برميل الخام الأميركي 50 سنتا أو 0.97% إلى 51.15 دولارا.
وحذّر نائب رئيس البنك الدولي محمود محيي الدين، من أن النمو في اقتصادات دول الخليج لا يزال رهينة تقلّبات الأسعار. وقال: "نحن نمر حاليا في مرحلة من الشكوك"، مضيفا: "النمو في دول الخليج يتوقع أن يبلغ 3% العام المقبل، لكن هذا الأمر قد يتبدّل" بسبب التراجع الأخير في أسعار النفط.
تراجع المخزونات الأميركية
إدارة معلومات الطاقة الأميركية، قالت اليوم الأربعاء، إن مخزونات الخام في الولايات المتحدة هبطت الأسبوع الماضي، بينما ازدادت مخزونات البنزين وانخفضت مخزونات نواتج التقطير.
وهبطت مخزونات الخام بمقدار 1.2 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 7 ديسمبر/ كانون الأول، مقارنة مع توقعات بانخفاض قدره 3 ملايين برميل.
وقالت الإدارة، إن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينغ في أوكلاهوما ارتفعت بمقدار 1.1 مليون برميل. وأظهرت بيانات الإدارة أن معدل استهلاك المصافي هبط بمقدار 51 ألف برميل يوميا. وانخفض معدل تشغيل المصافي بمقدار 0.4 نقطة مئوية.
وارتفعت مخزونات البنزين بمقدار 2.1 مليون برميل، مقارنة مع توقعات محللين في استطلاع للرأي أجرته "رويترز"، بزيادة قدرها 2.5 مليون برميل.
وأظهرت بيانات الإدارة أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، هبطت بمقدار 1.5 مليون برميل، مقارنة مع توقعات بزيادة قدرها 1.8 مليون برميل. وارتفع صافي واردات الولايات المتحدة من الخام الأسبوع الماضي بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا.
(رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)