كان هدف "أوربيس" أو مستشفى العيون الطائر منذ تأسيسه إنقاذ الناس من أمراض العيون، خصوصاً فقدان البصر وضعفه في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، التي تعاني من الفقر من جهة، ونقص الكفاءات من جهة أخرى. وقد فعل الكثير
دفعت حالات فقدان البصر، التي يمكن تفاديها بنسبة 75 في المائة، إضافة إلى ضعاف البصر في العالم الذين يقارب عددهم 253 مليون شخص، متخصصين في الطب وآخرين في قطاع الطيران، إلى الاجتماع في سبعينيات القرن الماضي وتأسيس "أوربيس".
و"أوربيس" أو مستشفى العيون الطائر، يجوب مختلف أنحاء العالم لتدريب وتعليم الأطباء والممرضين كيفية التعامل مع أمراض العيون، نتيجة هذا التحالف الفريد والمميز بين هاتين الصناعتين. ويعتبر "أوربيس المملكة المتحدة"، جزءاً من المؤسسات الخيرية التابعة لمنظمة "أوربيس" الدولية.
أدرك مطلقو "أوربيس" أنّ ارتفاع تكاليف رسوم الدراسة والسفر والإقامة تمنع الأطباء والممرّضين والممرضات في البلدان منخفضة الدخل من المشاركة في برامج تدريب في الخارج. وحتّى إن كانوا قادرين على الدراسة في الخارج، فإنّ فرصهم للتجارب السريرية المباشرة محدودة، لأنّ قوانين الترخيص الصارمة غالباً ما تمنعهم من إجراء جراحة. وكان الحل في مستشفى تعليمي متنقّل مجهّز تجهيزاً كاملاً على متن طائرة، ويمكن للأطباء المدرّبين على أحدث تقنيات طب العيون نقل معارفهم ومهاراتهم في الجراحة إلى الأطباء في البلدان منخفضة الدخل من خلال التدريب العملي والمحاضرات.
يدرّب "أوربيس" الفرق الطبية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهو مستشفى العيون الوحيد في العالم الذي يعمل على متن طائرة، لتزويد السكان المحليين بالأدوات التي يحتاجونها للحد من فقدان البصر.
يختلف مستشفى العيون الطائر عن أي طائرة أخرى، فهو يضم مرافق تعليمية كاملة من غرف عمليات وفصول دراسية وغرفة إنعاش، وهو بمثابة منارة أمل للمعرّضين للإصابة بالعمى. هناك ما يزيد على 400 طبيب عيون وممرضات وأطباء تخدير من أكثر من 30 بلدا، ممّن يكرّسون وقتهم ومهاراتهم لتدريب الفرق المحلية والمساعدة في تحسين مستوى العناية بالعيون للأجيال المقبلة.
اقــرأ أيضاً
تخطيط مسبق
تقول رئيسة شراكات الشرق الأوسط في "أوربيس"، فلورنس برانشو، لـ "العربي الجديد"، إن المستشفى يحتاج على الأقل إلى التخطيط لمدة عام قبل بدء تنفيذ أي برنامج عمل، بعد التعاون مع وزارات الصحة والمستشفيات المحلية والاتفاق مع الأطباء الذين سيتلقون التدريب في البلد الذي ستطبّق فيه أعمالها الخيرية. تؤكّد أنّ عتامة العين هي الحالة الأكثر شيوعاً بين الناس، ولا تقتصر على كبار السن فقط، بل قد يعاني منها الأطفال نتيجة تعرّضهم لصدمة على الرأس أو لأمراض وراثية كما في الهند وبنغلادش والصين. وتدرب المدرسين في مدارس الهند عن طريق برنامج قطري، كي يتمكّنوا من تحديد التلاميذ الذين يعانون من مشاكل في البصر. في هذا الإطار، تروي قصّة فتاة هندية في السابعة من العمر، لأبوين مصابين بأمراض عقلية، كانت تعاني من عتامة العين، إلا أن جميع من حولها اعتقدوا أنّها عاجزة عن التعلّم، كونها كوالديها تعاني من مشاكل عقلية. لذلك، أودعت للعيش مع جدّها للاعتناء بها، بيد أنّ الرجل المسن لاحظ أنّها تعاني مشكلة في عينيها، ليتبيّن لاحقاً أنّ الفتاة سليمة العقل، لكنّ مشكلتها تكمن في عجزها عن الرؤية بوضوح.
بدوره، يقول مدير الفريق الطبي للطائرة، جوناثان لورد، لـ "العربي الجديد"، إنّه بدأ العمل في عام 2006 لدى "أوربيس" كمتطوّع لنحو أربع سنوات، ثم أصبح عضواً دائماً. ويوجد 14 عضوا دائما و400 متطوع متخصّصين في مجالات مختلفة لعلاج أمراض العين وقيادة الطائرة وصيانتها. ولولا هؤلاء، لما تمكّن "أوربيس" من تقديم الخدمات والتدريب على مستوى جيد. ويلفت إلى أن أول برنامج عمل له كان في مدينتي حلب ودير الزور في سورية، واستمروا في تدريب الأطباء والممرضين لغاية عام 2011، حين ساءت الظروف في المنطقة. "لماذا تقوم بهذا العمل؟ لأنّ التأثير الذي نراه في المناطق التي نعمل فيها كبير ورائع". يضيف أنه يستمتع بعمله كونه يساهم في تطوير المجتمعات. هناك حاجة ماسة في العديد من المجتمعات لعلاج ضعف البصر والعمى، الذي يحدث غالباً نتيجة عتامة العين. لذلك، ندرب الأطباء على كيفية القيام بعمليات جراحية".
يتابع لورد: "البيانات المتعلّقة بأعداد الأشخاص المكفوفين في العالم تتبدّل كل عام، ويقدّر عدد هؤلاء حالياً بـ 36 مليون شخص، إضافة إلى 217 مليون آخرين من ضعاف البصر. هؤلاء يعانون في الدراسة والعمل، في ظل عدم وصف النظارات الملائمة لهم. ويعدّ مرض السكري سبباً للعمى، ويؤدي إلى مشاكل كبيرة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، كما يؤثّر على العين. ولكنّ في حال الكشف عنه باكراً وعلاجه، قد ينقذ الناس من فقدان بصرهم. ويرجّح ارتفاع نسبة المصابين بالسكري بشكل كبير.
جراحة ونظافة
يؤكّد لورد أنّ الأطفال الذين يعانون ضعفاً في البصر أكثر عرضة للموت، إذ إنهم أكثر عرضة للحوادث، وتصعب عليهم الدراسة، علماً أن جلّ ما يحتاجون إليه هو نظارات مناسبة. هذا الخلل في توفّر المتخصصين يؤثّر في المجتمع بأكمله، إذ ما من تعليم أو وظيفة أو أي عمل لهؤلاء الذين يعجزون عن الرؤية بوضوح.
ويشير لورد إلى أنّ تدريباتهم لا تقتصر على إجراء عمليات جراحية، بل التأكّد من سلامة المعدّات المستخدمة والحفاظ على النظافة، إذ يمكن أن يصاب ثلث المرضى في المستشفيات بالتهابات. لذلك، يركزون على تثقيف الممرّضين حول مسائل النظافة، ويتمثّل أبسطها في غسل اليدين قبل فحص المريض. "لدينا تحديات وليس مشاكل"، يقول لورد. لذلك، يبحثون دوماً عن حلول لتأمين نظام رعاية صحي حول العالم. بعض الدول ترى أنّ لديها مشاكل صحية أكبر من مشكلة البصر، مثل الملاريا، وبالتالي توليها أولوية في التمويل. يجب أن تدرك الحكومات أهميّة الرعاية الصحية للعيون حتى تتمكّن من بدء برامج للعمل فيها".
وتعمل "أوربيس" مع عدد من الشركاء لتقييم احتياجات كل منطقة، ووضع خطة لاستعادة البصر، واستراتيجية طويلة الأمد لصحة العيون. في هذا الإطار، وُقّعت مذكرة تفاهم بين مؤسسة "قطر الخيرية" وشركة "أوربيس" في مارس/ آذار 2015، أدّت إلى توقيع اتفاقية أخرى لاحقاً لتوفير خدمات صحة العيون لسكان المناطق النائية في بنغلادش. وتتولى "قطر الخيريّة" إطلاق حملة تثقيفية داخل البلاد، بهدف حشد الموارد اللازمة لدعم المبادرة والحصول على تمويل 550 ألف دولار على مدار ثلاث سنوات.
دعم المبادرات
يقول محمد الغامدي، المدير التنفيذي للتنمية الدولية في "قطر الخيرية"، لـ "العربي الجديد"، إنّ فكرة المشروع هي البحث عن شركاء أقوياء من أجل دعم هذه المبادرات وتعزيزها، على أن يكون أثرها مستمراً وليس مؤقتاً من خلال تدريب أطباء المنطقة عوضاً عن جلب الأطباء من أماكن بعيدة.
كما يلفت الغامدي إلى أنّ الهدف ليس منافسة الجمعيات الخيرية، بل الشراكة والتوعية. ويفقد أشخاص كثيرون بصرهم بسبب عجزهم عن دفع مبلغ مالي زهيد. يضيف أنّه شهد في اليمن فقدان أطفال بصرهم، لأنّ الأب لم يملك كلفة نقلهم إلى المستشفى حيث تجرى العملية مجاناً. من هنا، يرى أنّه من المهم تغيير وعي وثقافة الناس حول خطورة هذه الأمور. ويتابع أنّهم يناقشون إمكانية توسيع نطاق عملهم ليشمل الروهينغا وربّما السودان ودولاً عربية في المستقبل.
ويهدف المشروع إلى زيادة كفاءة العاملين في مجال الطب الخاص بالعيون، وتخفيض نسبة حالات فقدان البصر عبر تحسين وتوفير الخدمات الطبية الخاصة بالعيون في ثلاثة مستشفيات فرعية في مناطق نائية في بنغلادش، من خلال تطوير القدرات الفنية والإدارية لتلك المستشفيات.
أما النتائج المتوقعة من هذا المشروع، فتشمل تدريب ما بين 15 و45 طبيباً يومياً أو شهرياً، وتدريب 481 عاملا في مجال صحة العيون من غير الأطباء، وإجراء فحوصات أولية لنحو 996 ألف شخص بالغ و200 طفل، وتوفير العلاج اللازم لـ 716.733 بالغا و 146.802 طفل، وتأهيل وتطوير فريق من أطباء العيون لإجراء عمليات لعتامة العين، وتوفير أجهزة طبية ذات جودة عالية للتمكن من إجراء أعداد كبيرة من العمليات الجراحية.
في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أعلن صندوق التنمية أنّ مبادرة صحة العين "قطر خلق الرؤية" قدّمت نحو 2.4 مليون اختبار عيون للأطفال في الهند وبنغلادش منذ بدء العمل في يوليو/ تموز 2016. وجاء هذا الإعلان بحضور صوفي كونتيسة ويسكس، بعد زيارتها بنغلادش للمباشرة في العمل على الحفاظ على البصر.
اقــرأ أيضاً
في الوقت الحالي، يعمل "أوربيس" في أكثر من 90 دولة. لكنّ المناطق الأكثر حاجة إليه هي الهند والصين وبنغلادش، ما يدفع القائمين عليه إلى توسيع نطاق أعماله فيها، بحسب برانشو. وتوضح أن إثيوبيا تعاني كثيراً من مرض التراخوما، بسبب كثرة الذباب الذي قد يحط على العين ويسبب أمراضاً. لذلك، يحاولون توعية الناس حول أهمية النظافة الشخصية بعد تأمين وصول المياه النظيفة إليهم.
وفي ما يتعلّق بالعمل في دول عربيّة، تقول برانشو إنّهم جالوا دولاً كثيرة في البداية، في محاولة لتدريب أطباء في مختلف أنحاء العالم، مثل سورية والعراق والأردن ومصر وليبيا، لكنّهم أدركوا بعد تلك التجربة أن التركيز على مناطق بعينها يأتي بنتائج أفضل، ويريدون التأكّد من أنّهم يؤدون عملاً جيداً قبل الانتقال أو التوسّع إلى دول أخرى.
ويحصل "أوربيس" على تبرّعات ودعم من مختلف أنحاء العالم. وعلى الرغم من ذلك، ما زال يحتاج إلى مزيد من الدعم حتى يتمكّن من إنقاذ أبصار المزيد من الناس. وتشير برانشو إلى أنّهم لا يذهبون إلى مناطق الصراع، لأنّ الأطباء المتطوعين لديهم تختلف مهمتهم عن ذلك، لكنّهم سيتوجّهون لمساعدة الناس في مخيمات الروهينغا.
و"أوربيس" أو مستشفى العيون الطائر، يجوب مختلف أنحاء العالم لتدريب وتعليم الأطباء والممرضين كيفية التعامل مع أمراض العيون، نتيجة هذا التحالف الفريد والمميز بين هاتين الصناعتين. ويعتبر "أوربيس المملكة المتحدة"، جزءاً من المؤسسات الخيرية التابعة لمنظمة "أوربيس" الدولية.
أدرك مطلقو "أوربيس" أنّ ارتفاع تكاليف رسوم الدراسة والسفر والإقامة تمنع الأطباء والممرّضين والممرضات في البلدان منخفضة الدخل من المشاركة في برامج تدريب في الخارج. وحتّى إن كانوا قادرين على الدراسة في الخارج، فإنّ فرصهم للتجارب السريرية المباشرة محدودة، لأنّ قوانين الترخيص الصارمة غالباً ما تمنعهم من إجراء جراحة. وكان الحل في مستشفى تعليمي متنقّل مجهّز تجهيزاً كاملاً على متن طائرة، ويمكن للأطباء المدرّبين على أحدث تقنيات طب العيون نقل معارفهم ومهاراتهم في الجراحة إلى الأطباء في البلدان منخفضة الدخل من خلال التدريب العملي والمحاضرات.
يدرّب "أوربيس" الفرق الطبية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهو مستشفى العيون الوحيد في العالم الذي يعمل على متن طائرة، لتزويد السكان المحليين بالأدوات التي يحتاجونها للحد من فقدان البصر.
يختلف مستشفى العيون الطائر عن أي طائرة أخرى، فهو يضم مرافق تعليمية كاملة من غرف عمليات وفصول دراسية وغرفة إنعاش، وهو بمثابة منارة أمل للمعرّضين للإصابة بالعمى. هناك ما يزيد على 400 طبيب عيون وممرضات وأطباء تخدير من أكثر من 30 بلدا، ممّن يكرّسون وقتهم ومهاراتهم لتدريب الفرق المحلية والمساعدة في تحسين مستوى العناية بالعيون للأجيال المقبلة.
تخطيط مسبق
تقول رئيسة شراكات الشرق الأوسط في "أوربيس"، فلورنس برانشو، لـ "العربي الجديد"، إن المستشفى يحتاج على الأقل إلى التخطيط لمدة عام قبل بدء تنفيذ أي برنامج عمل، بعد التعاون مع وزارات الصحة والمستشفيات المحلية والاتفاق مع الأطباء الذين سيتلقون التدريب في البلد الذي ستطبّق فيه أعمالها الخيرية. تؤكّد أنّ عتامة العين هي الحالة الأكثر شيوعاً بين الناس، ولا تقتصر على كبار السن فقط، بل قد يعاني منها الأطفال نتيجة تعرّضهم لصدمة على الرأس أو لأمراض وراثية كما في الهند وبنغلادش والصين. وتدرب المدرسين في مدارس الهند عن طريق برنامج قطري، كي يتمكّنوا من تحديد التلاميذ الذين يعانون من مشاكل في البصر. في هذا الإطار، تروي قصّة فتاة هندية في السابعة من العمر، لأبوين مصابين بأمراض عقلية، كانت تعاني من عتامة العين، إلا أن جميع من حولها اعتقدوا أنّها عاجزة عن التعلّم، كونها كوالديها تعاني من مشاكل عقلية. لذلك، أودعت للعيش مع جدّها للاعتناء بها، بيد أنّ الرجل المسن لاحظ أنّها تعاني مشكلة في عينيها، ليتبيّن لاحقاً أنّ الفتاة سليمة العقل، لكنّ مشكلتها تكمن في عجزها عن الرؤية بوضوح.
بدوره، يقول مدير الفريق الطبي للطائرة، جوناثان لورد، لـ "العربي الجديد"، إنّه بدأ العمل في عام 2006 لدى "أوربيس" كمتطوّع لنحو أربع سنوات، ثم أصبح عضواً دائماً. ويوجد 14 عضوا دائما و400 متطوع متخصّصين في مجالات مختلفة لعلاج أمراض العين وقيادة الطائرة وصيانتها. ولولا هؤلاء، لما تمكّن "أوربيس" من تقديم الخدمات والتدريب على مستوى جيد. ويلفت إلى أن أول برنامج عمل له كان في مدينتي حلب ودير الزور في سورية، واستمروا في تدريب الأطباء والممرضين لغاية عام 2011، حين ساءت الظروف في المنطقة. "لماذا تقوم بهذا العمل؟ لأنّ التأثير الذي نراه في المناطق التي نعمل فيها كبير ورائع". يضيف أنه يستمتع بعمله كونه يساهم في تطوير المجتمعات. هناك حاجة ماسة في العديد من المجتمعات لعلاج ضعف البصر والعمى، الذي يحدث غالباً نتيجة عتامة العين. لذلك، ندرب الأطباء على كيفية القيام بعمليات جراحية".
يتابع لورد: "البيانات المتعلّقة بأعداد الأشخاص المكفوفين في العالم تتبدّل كل عام، ويقدّر عدد هؤلاء حالياً بـ 36 مليون شخص، إضافة إلى 217 مليون آخرين من ضعاف البصر. هؤلاء يعانون في الدراسة والعمل، في ظل عدم وصف النظارات الملائمة لهم. ويعدّ مرض السكري سبباً للعمى، ويؤدي إلى مشاكل كبيرة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، كما يؤثّر على العين. ولكنّ في حال الكشف عنه باكراً وعلاجه، قد ينقذ الناس من فقدان بصرهم. ويرجّح ارتفاع نسبة المصابين بالسكري بشكل كبير.
جراحة ونظافة
يؤكّد لورد أنّ الأطفال الذين يعانون ضعفاً في البصر أكثر عرضة للموت، إذ إنهم أكثر عرضة للحوادث، وتصعب عليهم الدراسة، علماً أن جلّ ما يحتاجون إليه هو نظارات مناسبة. هذا الخلل في توفّر المتخصصين يؤثّر في المجتمع بأكمله، إذ ما من تعليم أو وظيفة أو أي عمل لهؤلاء الذين يعجزون عن الرؤية بوضوح.
ويشير لورد إلى أنّ تدريباتهم لا تقتصر على إجراء عمليات جراحية، بل التأكّد من سلامة المعدّات المستخدمة والحفاظ على النظافة، إذ يمكن أن يصاب ثلث المرضى في المستشفيات بالتهابات. لذلك، يركزون على تثقيف الممرّضين حول مسائل النظافة، ويتمثّل أبسطها في غسل اليدين قبل فحص المريض. "لدينا تحديات وليس مشاكل"، يقول لورد. لذلك، يبحثون دوماً عن حلول لتأمين نظام رعاية صحي حول العالم. بعض الدول ترى أنّ لديها مشاكل صحية أكبر من مشكلة البصر، مثل الملاريا، وبالتالي توليها أولوية في التمويل. يجب أن تدرك الحكومات أهميّة الرعاية الصحية للعيون حتى تتمكّن من بدء برامج للعمل فيها".
وتعمل "أوربيس" مع عدد من الشركاء لتقييم احتياجات كل منطقة، ووضع خطة لاستعادة البصر، واستراتيجية طويلة الأمد لصحة العيون. في هذا الإطار، وُقّعت مذكرة تفاهم بين مؤسسة "قطر الخيرية" وشركة "أوربيس" في مارس/ آذار 2015، أدّت إلى توقيع اتفاقية أخرى لاحقاً لتوفير خدمات صحة العيون لسكان المناطق النائية في بنغلادش. وتتولى "قطر الخيريّة" إطلاق حملة تثقيفية داخل البلاد، بهدف حشد الموارد اللازمة لدعم المبادرة والحصول على تمويل 550 ألف دولار على مدار ثلاث سنوات.
دعم المبادرات
يقول محمد الغامدي، المدير التنفيذي للتنمية الدولية في "قطر الخيرية"، لـ "العربي الجديد"، إنّ فكرة المشروع هي البحث عن شركاء أقوياء من أجل دعم هذه المبادرات وتعزيزها، على أن يكون أثرها مستمراً وليس مؤقتاً من خلال تدريب أطباء المنطقة عوضاً عن جلب الأطباء من أماكن بعيدة.
كما يلفت الغامدي إلى أنّ الهدف ليس منافسة الجمعيات الخيرية، بل الشراكة والتوعية. ويفقد أشخاص كثيرون بصرهم بسبب عجزهم عن دفع مبلغ مالي زهيد. يضيف أنّه شهد في اليمن فقدان أطفال بصرهم، لأنّ الأب لم يملك كلفة نقلهم إلى المستشفى حيث تجرى العملية مجاناً. من هنا، يرى أنّه من المهم تغيير وعي وثقافة الناس حول خطورة هذه الأمور. ويتابع أنّهم يناقشون إمكانية توسيع نطاق عملهم ليشمل الروهينغا وربّما السودان ودولاً عربية في المستقبل.
ويهدف المشروع إلى زيادة كفاءة العاملين في مجال الطب الخاص بالعيون، وتخفيض نسبة حالات فقدان البصر عبر تحسين وتوفير الخدمات الطبية الخاصة بالعيون في ثلاثة مستشفيات فرعية في مناطق نائية في بنغلادش، من خلال تطوير القدرات الفنية والإدارية لتلك المستشفيات.
أما النتائج المتوقعة من هذا المشروع، فتشمل تدريب ما بين 15 و45 طبيباً يومياً أو شهرياً، وتدريب 481 عاملا في مجال صحة العيون من غير الأطباء، وإجراء فحوصات أولية لنحو 996 ألف شخص بالغ و200 طفل، وتوفير العلاج اللازم لـ 716.733 بالغا و 146.802 طفل، وتأهيل وتطوير فريق من أطباء العيون لإجراء عمليات لعتامة العين، وتوفير أجهزة طبية ذات جودة عالية للتمكن من إجراء أعداد كبيرة من العمليات الجراحية.
في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أعلن صندوق التنمية أنّ مبادرة صحة العين "قطر خلق الرؤية" قدّمت نحو 2.4 مليون اختبار عيون للأطفال في الهند وبنغلادش منذ بدء العمل في يوليو/ تموز 2016. وجاء هذا الإعلان بحضور صوفي كونتيسة ويسكس، بعد زيارتها بنغلادش للمباشرة في العمل على الحفاظ على البصر.
في الوقت الحالي، يعمل "أوربيس" في أكثر من 90 دولة. لكنّ المناطق الأكثر حاجة إليه هي الهند والصين وبنغلادش، ما يدفع القائمين عليه إلى توسيع نطاق أعماله فيها، بحسب برانشو. وتوضح أن إثيوبيا تعاني كثيراً من مرض التراخوما، بسبب كثرة الذباب الذي قد يحط على العين ويسبب أمراضاً. لذلك، يحاولون توعية الناس حول أهمية النظافة الشخصية بعد تأمين وصول المياه النظيفة إليهم.
وفي ما يتعلّق بالعمل في دول عربيّة، تقول برانشو إنّهم جالوا دولاً كثيرة في البداية، في محاولة لتدريب أطباء في مختلف أنحاء العالم، مثل سورية والعراق والأردن ومصر وليبيا، لكنّهم أدركوا بعد تلك التجربة أن التركيز على مناطق بعينها يأتي بنتائج أفضل، ويريدون التأكّد من أنّهم يؤدون عملاً جيداً قبل الانتقال أو التوسّع إلى دول أخرى.
ويحصل "أوربيس" على تبرّعات ودعم من مختلف أنحاء العالم. وعلى الرغم من ذلك، ما زال يحتاج إلى مزيد من الدعم حتى يتمكّن من إنقاذ أبصار المزيد من الناس. وتشير برانشو إلى أنّهم لا يذهبون إلى مناطق الصراع، لأنّ الأطباء المتطوعين لديهم تختلف مهمتهم عن ذلك، لكنّهم سيتوجّهون لمساعدة الناس في مخيمات الروهينغا.