يعود الفنان اللبناني ريان تابت في أعماله إلى التاريخ من خلال أشياء تتأرجح بين أهميتها وتكرارها، فيحاول تقديم تصوّر جديد ومعاصر للتاريخ عبر حكايات منسية مثلما فعل حين استعاد تجربة خط "التابلاين" النفطي الذي كان يمتد من السعودية عبر الأردن وسورية وصولاً إلى جنوب لبنان، وكان من المفترض لدى تأسيسه عام 1947 أن يمر من حيفا لكن نكبة 1948 غيرت مسار الخط.
يأخذ تابت حكاية هذا الخط ويصنع منها تاريخاً موازياً، ليتناول في وقت واحد تاريخاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً للمنطقة في حكاية واحدة، فهو كما قال مرة مهتم بالتاريخ الذي يمكن أن ترويه الأشياء والمواد.
كما قام بعمل تجهيز يضم ما يقرب من ألف بطاقة بريدية سياحية مرتبة في هيكل يشبه شكل الأفاريز عبر جدران صالة العرض وذلك لوصف رحلة من بعلبك في لبنان إلى إيطاليا في النصف الأول من القرن العشرين.
هذه الأعمال لتابت التي يسميها "تاريخ قصير للبنان"، دفعت الأكاديمية كلير لانشبيري إلى تكوين تصور عام عن كيف يجري تناول تاريخ لبنان في الأعمال الفنية، الموضوع الذي تناقشه في محاضرة بعنوان "أين يختبئ تاريخ لبنان" تقام عند السابعة من مساء الثلاثاء، العاشر من الشهر الجاري، في مؤسسة "باراسول يونيت" في لندن.
تتناول لانشبيري دور الأعمال والنصوص في عرض التاريخ الوطني اللبناني الموثق بشكل غير متسق، فمنذ نهاية الحرب الأهلية في أوائل التسعينيات، لم تحدث أي عملية عدالة انتقالية. يعني العفو الصادر في عام 1991 أن كل أعمال العنف باستثناء اغتيال العنف السياسي لن تخضع لإجراءات قانونية، مما قد يؤدي، بحسب المحاضرة، إلى إسكات بعض الخطابات المتعلقة بالماضي القريب والمؤلم اجتماعياً وسياسياً.
تتطرّق المحاضرة إلى الوسائل البديلة التي تنازع فيها الفنانون والناشطون مع "فقدان الذاكرة الجماعي" الذي يُشار إليه على نطاق واسع باعتباره حالة لبنانية، حيث لا تتجاوز كتب التاريخ المدرسي استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي في عام 1943، ويبدو أن احتمال وجود سرد رسمي مستحيل في مكان يتم فيه إتلاف المحفوظات أو يتعذر الوصول إليها.
محاولة لانشبيري، الأكاديمية المتخصصة في ثقافات الذاكرة بعد انتهاء الصراع في لبنان، هي وسيلة لتحديد الخطوط العريضة للذاكرة والتاريخ والإنتاج الثقافي التي تعمل في الخطابات والفكر اللبناني المعاصر، والتأمل في كيفية تحقيق ذلك في المشهد الثقافي في بيروت.