"أي وعد بالأمل؟": دعوة لتحرير السؤال الديني

26 مارس 2016
إل سيد / تونس
+ الخط -

كان لذلك التنافر الذي يجري إسقاطه وتعميمه بين الدين والفلسفة دوره في إقصاء أسئلة كثيرة من التناول الفكري، خصوصاً في البلاد العربية. غير أن الواقع - الذي يمثّل الدين أحد عوامل إنتاجه - يفرض على الفلسفة أن تنهمك، من جديد، في هذا السؤال، رغم العوائق المحتملة.

ضمن هذا الإطار، جاءت المحاضرة التي ألقتها أمس الباحثة التونسية في الفلسفة أم الزين بنشيخة المسكيني، وحملت عنوان "الدين والفن: أي وعد بالأمل؟"، ضمن ندوة "الإيمان والعقل: الإشكاليات الفلسفية اللاهوتية الراهنة حول الدين" التي نظّمتها مؤسّسة "مؤمنون بلا حدود" أمس في تونس.

أكّدت بنشيخة على ضرورة "ضخّ العقل العربي بإشكاليات جديدة في وقت باتت فيه أخبار الموت تواجهنا يومياً"، رغم إشارتها إلى أن نقد الدين فلسفياً دفع الثمن باهظاً في العالم العربي، مستشهدةً بمثال اغتيال المفكّر اللبناني حسين مروة.

في كلمتها، انطلقت صاحبة كتاب "تحرير المحسوس" من "السؤال الثالث لكانط: ماذا يمكنني أن آمل؟" مشيرة إلى تردّده "أين يودع الأمل؛ في منطقة السؤال الديني، أم أن الفن يمكن أن يكون أفق الأمل؟".

انطلاق بنشيخة من كانط، يعود إلى اشتغالها على الفيلسوف الألماني في سنوات دراستها كما تؤكّد، إضافة إلى كونه خصّص لسؤال الدين كتابَ "الدين في مجرّد العقل"، وهو "عمل غيّر طبيعة التفكير في الدين، حيث أسّسه على ثلاثة مفاهيم هي: الحرية والعقل والأمل، معتبراً أن الدين موجود في الذات الإنسانية، وأن لا شيء يخرج من العقل البشري، وكلما جرى المس بهذا العقل، تحوّلت الإنسانية إلى ضروب من الاستعباد والاستبلاه".

تعتبر بنشيخة أن كانط تجاوز سبينوزا الذي رأى أن الأمل والخوف عاملا إنتاج للخرافة، وهي تفتح قوساً حول اختيارها كلمة "الأمل" وليس "الرجاء"، لاعتبارات قرآنية؛ إذ ترى أن الأمل استُعمل في سياقات دنيوية في القرآن، بينما استُعمل "الرجاء" في سياقات أخروية، وهي بذلك تلتقي مع التصوّر الكانطي للأمل.

تعتبر مؤلّفة كتاب "هنا تُباع الشعوب خلسةً" أن "الأمل مفهوم جرى غلقُه في المرحلة المعاصرة، وأنه جرى تفقير الحضارة الحديثة من منابع الأمل وتحويل الناس إلى رهائن لأجندات الحضارة المعاصرة"، مضيفةً أن "الأمل بات نوعاً من المقاومة الفلسفية".

تربط ذلك بدعوتها إلى "ضرورة أن يأخذ الفلاسفة بجدّية سؤال الدين، فلا يبقى فقط للدعويّين أو أصحاب الأجندات المافيوزية". تضيف "نحتاج أيضاً إلى تجديد أسئلتنا حول المسألة الدينية ولا نبقى فقط في مستوى زيارة المتحف"، أي أقوال الفلاسفة العرب القدامى.

تعتبر بنشيخة أننا في "عصر ما بعد ديني وما بعد علماني، ولا بد أن ننتبه إلى تحوّلات العقل العالمي". وترى أن "التفكير والتعامل مع الدين يبقى محكوماً بانفعالاتنا الجديدة وبأوجاعنا، متسائلةً "كيف يمكننا التفكير في الأمل بينما نحن محاصرون بالفظاعة والرعب؟". 


اقرأ أيضاً: ريجيس دوبريه: اليتم الرمزي وخطاب التسامح الفوقي