تسلّط المنظمة الضوء على دور إدارة البحوث التقنية Technical Research Department، وهي وحدة سريّة مقرّها غالباً داخل "المخابرات العامة المصرية". وتشير المنظمة إلى أنّ "إدارة البحوث التقنية دخلت في دائرة اهتمامنا بسبب طموحها الكبير لشراء معدات التنصت. نكشف في هذا التقرير عدداً من شركات التنصت الأوروبية التي ما برحت تتعامل مع إدارة البحوث التقنية، وهي إدارة ظلّ دورها قابعاً في الظلام عبر تاريخ البلاد من الحكم الاستبدادي وثورتها أخيراً".
يُصوّر التقرير إدارة البحوث التقنية باعتبارها لاعباً سرياً أساسياً في عالم الاستخبارات المصري، ويوثّق المعلومات التي حصلت عليها الإدارة من شركات غربية، من ضمنها مجموعة نوكيا/ سيمنز (NOKIA Group/Siemens) وهاكينغ تيم (HACKING Team)، اللتين باعتا الإدارة تقنيات تنصّت متطورة، حتى عندما كانت مصر لا تزال في مخاض مواجهات عنيفة.
أجهزة الاستخبارات المصرية
كان لا بد للمنظمة من التعريف عن أجهزة الاستخبارات المصرية، قبل الخوض في غمار تأسيس الإدارة. وأشارت إلى أنّ وكالات الاستخبارات المصرية تتشكّل من المخابرات العامة، وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وجهاز مباحث الأمن الوطني، وهيئة الرقابة الإدارية. ووفقاً للتقرير، فقد أثّر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كثيراً في البنية التحتية الحالية للاستخبارات، "فخطط عبد الناصر لتقوم مصر بدور قائد في حركة عدم الانحياز الصاعدة بين الدول الأفريقية والآسيوية. ولهذا الهدف، قرّر تأسيس خدمة تسهّل هذه الأجندة من خلال العمليات السرية، وتصبح بمثابة أعين مصر وآذانها. وكانت المخابرات العسكرية في ذلك الوقت تركز على إسرائيل باعتبارها الخطر العسكري الرئيسي، وكان ذلك هو الوقت الذي أُسست فيه المخابرات العامة كي تنفذ تلك المهمة الجديدة، وهي القيام بعمليات سرية ذات طابع غير عسكري"، بحسب تقرير المنظمة.
تاريخ من القمع السياسي
تقول المنظمة في تقريرها إنّه "على الرغم من أنّ تاريخ إنشاء الإدارة غير واضح، ومن خلال مقابلات مع أحد دارسي الاستخبارات، فإن إدارة البحوث التقنية أُنشِئت أثناء حكم مبارك باعتبارها وحدة داخل المخابرات العامة تخضع لمساءلته مباشرة. وترأس مبارك نظام حكم بالغ الفساد في الفترة بين 1981 و2011. وطبقاً لما هو متاح، أنشأ مبارك هذه الوحدة ليضمن أن حكومته قادرة على السيطرة على المعارضة السياسية. ويبدو أنها أُنشئت كوحدة تتمتع بالاستقلال الكامل داخل المخابرات العامة، وحدة يستطيع الرئيس الاستعانة بها، فرضاً، عندما ترفض المخابرات القيام بأنشطة معينة". وتستدرك المنظمة، في تقريرها، أنه "من غير الواضح بالضبط التاريخ الذي أنشئت فيه إدارة البحوث التقنية. وتشير التواريخ في بعض الوثائق التي اطلعنا عليها إلى أن إدارة البحوث التقنية كانت منشأة بالفعل أثناء رئاسة أنور السادات، سلف مبارك".
يذكر التقرير أنّه في فبراير/ شباط 2011، خضعت حكومة الرئيس حسني مبارك "لضغوط التظاهرات التي اجتاحت المنطقة بأسرها"، في إشارة إلى الثورات العربية، إلا أن إدارة البحوث التقنية لم تتأثر بذلك. ففي العام ذاته، اشترت إدارة البحوث التقنية مركزاً للمراقبة ونظاماً لإدارة اعتراض الاتصالات، وهي بنى تحتية مهمة لاعتراض الاتصالات في الشبكات، وفقاً للتقرير. وترصد المنظمة عدداً كبيراً من وقائع القمع، والقتل، والتعذيب، منذ حكم المجلس العسكري حتى الآن، لتؤكد أن "تأسيس، ووجود وحدة استخبارات سرية كإدارة البحوث التقنية، يأتي متّسقاً مع نمط أوسع من القمع السياسي من طرف جهات أمنية لا تخضع للمحاسبة، كما أنه يتعارض مع بلد يفترض أنه يمرّ بتحوّل ديمقراطي".
اقرأ أيضاً: مصر... برلمان المؤسسات الأمنية الحاكمة
مكتب داخل المخابرات العامة
"يقع مقر إدارة البحوث التقنية في ضاحية كوبري القبة في القاهرة، وذلك طبقاً لوثائق من شركة التنصت، التقنيات الألمانية الحديثة Advanced German Technology، وشركة هاكينغ تيم. كوبري القبة هو أيضاً الحي الذي يقع فيه مقر المخابرات العام. ويأتي هذا متسقاً مع المعلومات التي قدّمها أحد دارسي الاستخبارات الذي تحدثنا معه، والذي أكد أن إدارة البحوث التقنية هي وحدة داخل المخابرات العامة"، بحسب ما ورد في التقرير.
الجوع لمزيد من التقنيات
بحسب المنظمة، تملك إدارة البحوث التقنية إمكانات تنصت واسعة النطاق. يشمل ذلك مركزاً لمراقبة الاتصالات، ونظاماً لإدارة اعتراض الاتصالات، وبرمجيات تجسس شديدة الاقتحام. ويظل غير واضح ما إذا كانت موازنة إدارة البحوث التقنية منفصلة عن موازنة المخابرات العامة، وإذا ما كانت التقنيات التي تشتريها إدارة البحوث التقنية تستخدمها أيضاً المخابرات العامة. ويبدو أن إدارة البحوث التقنية تتمتع بموازنة كبيرة. فقد توقعت شركة هاكينغ تيم أن تحصل على مليون يورو من بيع تقنيات تنصت اقتحامية لها، وذلك طبقاً لدراسة عملاء هاكينغ تيم المسرّبة، وهي وثيقة إدارية تسرد المبالغ التي يدفعها كل عميل من عملاء الشركة سنوياً. وطبقاً لمصدر مطلع في صناعة تقنيات التنصت، تتطلع إدارة البحوث التقنية دائماً إلى تقنيات جديدة.
موازنة رئاسية
تتمتع إدارة البحوث التقنية، مثل المخابرات العامة، بموازنة مستقلة عن وزارتَي الدفاع والداخلية، والتي تدير كل منهما وحدة استخبارات خاصة بها. ومن خلال رسائل البريد الإلكتروني التي تحدّثت عن صفقات محتملة مع إدارة البحوث التقنية، يوضح 17 موظفاً من شركة هاكينغ تيم أن إدارة البحوث التقنية لا يحاسبها إلا رئيس الجمهورية، وهو أيضاً من يخصص لها موازنة مباشرة غير معلنة. فإنها، طبقاً لأحد المصادر، "أكبر موازنات وكالات الاستخبارات في ما يتعلق بحلول الأنظمة الأمنية"، بحسب تقرير المنظمة.
استخبارات سرية جداً
وتلفت المنظمة إلى أنّ "الرأي العام المصري يعلم بوجود المخابرات العامة وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، كما يعرفون رؤساءها، لكن لا تظهر إدارة البحوث التقنية في الوثائق الرسمية إلّا تلميحاً، وقد يكون سبب هذا هو سرية مهمتها، والتي تبدو، طبقاً لمصدر استخباراتي على علم بإدارة البحوث التقنية، أنها وكالة استخبارات شخصية لرئيس الجمهورية. ويظهر أن غرض الإدارة جزئياً هو أن تتجسس على باقي موظفي الحكومة وعلى الخصوم المحتملين. ولا يظهر أي نص قانوني أو حتى قرار لوجود إدارة البحوث التقنية، وعلى الرغم من ذلك، فإنها كيان حقيقي".
من يدير الإدارة؟
يلفت تقرير المنظمة إلى أنّه يظهر من سير موظفين سابقين في إدارة البحوث التقنية أنّها تعيّن أفراداً حاصلين على شهادة الدكتوراه في الإلكترونيات والهندسة أو في الحوْسبة. وأشار أحد موظفي هاكينغ تيم إلى مديرة إدارة البحوث التقنية، التي ادّعى أنه قابلها، تدعى "اللواء ليلى"، وهو أمر لافت للنظر باعتبار أن أغلبية جيش مصر من الذكور. يشار إلى أنّ المديرة في وثائق أخرى تُعرف بـ"الدكتورة ليلى"، ما يلمّح إلى أنها تحوز أيضاً على إجازة الدكتوراه.
ويشير أفراد على دراية بهيكل الاستخبارات المصرية للمنظمة إلى أنّ ترؤس امرأة إدارة البحوث التقنية ليس بالضرورة أمراً مثيراً للدهشة. فالإدارة يبدو أنها تعيّن أكاديميين بالأساس، ما لا يجعل وجود امرأة خبيرة بالهندسة، على سبيل المثال، أمراً غريباً. وطبقاً لما توضح هذه المصادر المطلعة على المؤسسات المصرية، فإنّه "إذا كان جزء من مهام مدير إدارة البحوث التقنية أن يرأس ضباطاً عسكريين، فمن المعقول أن تُمنح رتبة اللواء الفخرية"، وهو إجراء معتاد للمدنيين الذين يجدون أنفسهم يقودون أفراداً عسكريين.
اقرأ أيضاً توصيات استخبارية للسيسي لإطاحة الزند: يفاقم أزمة شعبية الرئيس
دور نوكيا
توضح وثائق غير منشورة حصلت عليها المنظمة، عن أعمال شبكات نوكيا/ سيمنز في مصر، أنه في العام 2011 باعت شبكات نوكيا/ سيمنز شبكة أكس 25 إلى إدارة البحوث التقنية، وهي تقنية قديمة تسمح بالوصول إلى الإنترنت عن طريق الاتصال الهاتفي. كما تسمح هذه التقنية بالوصول إلى إحدى شبكات الإنترنت حتى وإنْ أُغلقت البنية التحتية الرئيسية للإنترنت في البلاد، كما حدث في مصر أثناء الثورة.
كما باعت شبكات نوكيا سيمنز إلى إدارة البحوث التقنية، إما في 2011 أو قبلها، بحسب ما ذكرت المنظمة في تقريرها، نظام إدارة اعتراض الاتصالات، ومركز مراقبة شبكات الهواتف الثابتة والمحمولة. وتتيح هاتان التقنيتان إمكانات للتنصت الواسع، ما يمكّن الحكومة المصرية من اعتراض الاتصالات الهاتفية لأي خط يمرّ عبر نظام إدارة اعتراض الاتصالات. وتُظهر الوثائق أيضاً أنّ شركة الأنظمة الكونية المتقدمة، وهي شركة تقدم نفسها باعتبارها "مزوّد حلول رائد للأنظمة المشروعة، قد توسطت في بيع هذه المنتجات. وتزعم الشركة أنها "الوكيل الحصري لأكثر من عشر شركات دولية" (أميركية وأوروبية).
وبحسب تقرير المنظمة، كانت شركة أخرى طرفاً في تعاملات شبكة "أكس" هي "المصرية الألمانية لصناعات الاتصالات" (Egyptian German Telecommunication Industries)، المملوكة جزئياً لشركة سيمنز والمعروفة بأنها "شراكة بين الحكومة المصرية وسيمنز آي. جيه ألمانيا. لصناعة الاتصالات". وهي أيضاً الشركة المسؤولة في مصر عن تركيب مقاسم (سنترالات) آي. دبليو. أس. دي، وهي أنظمة سنترالات للهواتف الأرضية والجوّالة.
اعتراض الاتصالات لغرض مشروع
تقنيات اعتراض الاتصالات هي أدوات تتطلب تركيبها داخل الشبكة للتنصّت على الاتصالات، وهي على النقيض من تقنيات تكتيكية كأدوات التنصت المحمولة والتي لا يلزم تركيبها داخل الشبكة، كي تعمل. وتتلقى هذه التقنيات التكتيكية البيانات لاسلكياً أو مباشرة من الأجهزة التي تراقبها. عادة ما يجمع تركيب تقنيات اعتراض الاتصالات ثلاثة أنواع من الشركاء التجاريين، يقدم كل منهم منتجاً أو خدمة. وتوفر هذه الشركات "حلولاً" مصمّمة لتمكين الإدارات الحكومية من اعتراض بيانات الاتصالات وتحليلها وتوزيعها. تبيع شركات تقنيات التنصت حلولها إمّا مباشرة إلى الحكومات أو إلى مزوّدي خدمات الاتصالات.
وتوجد شروط قانونية في عدد من البلدان تلزم مزوّدي خدمات الاتصالات بجعل شبكاتها متوافقة مع متطلبات اعتراض الاتصالات. لذا يفضّل بعض مزوّدي خدمات الاتصالات التعامل مع شركات التنصت على حسابها، وتضمين حلول التنصت الإلكتروني في شبكاتها، بحسب ما تفسّر المنظمة.
وتطلب الحكومات حول العالم أن يجعل مقدّمو خدمات الاتصالات شبكاتهم متطابقة مع معايير
"الاعتراض المشروع للاتصالات" (Lawful Interception)، وهو معيار قانوني يضمن أن كل شبكات الاتصالات ومصنّعي معداتها ومقدّمي خدمات الاتصالات يصمّمون البنية التحتية للاتصالات بشكل يسمح للدول الوصول إليها. وتنص المادة 64 من قانون تنظيم الاتصالات لسنة 2003 في مصر على أنه، "ومع مراعاة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين التي يحميها القانون، يلتزم كل مشغّل أو مقدّم خدمة أن يوفر على نفقته داخل شبكة الاتصالات، والتي تتيح للقوات المسلحة وأجهزة الأمن القومي، ممارسة اختصاصها في حدود القانون". ولا يحدد القانون على سبيل الحصر "أجهزة الأمن القومي" التي يحق لها اعتراض الاتصالات. لذا فإن اعتراض إدارة البحوث التقنية للاتصالات في الأغلب قانوني باعتبار ذلك التعريف القانوني الغامض.
وتلفت المنظمة في تقريرها إلى أنّ شراء إدارة البحوث التقنية لتقنيات التنصت الواسع، كمراكز المراقبة وأنظمة إدارة اعتراض الاتصالات، هو أمر مقلق للغاية. وتتحدّث المنظمة عن مبيعات شركة "تروڤيكور" من تلك التقنيات إلى البحرين وإيران التي تسببت بموجات غضب عالمية، إذ استخدمت سلطات الحكومة البحرينية هذه التقنيات للقبض على معارضين لها، وقرأت عليهم محتوى رسائلهم النصية. وفي إيران، زُعِمَ استخدام مراكز المراقبة للتقنيات التي باعتها إياها شبكات نوكيا سيمنز خلال إضرابات وتظاهرات على 27 محادثة هاتفية، بغرض قمع النشطاء.
اقرأ أيضاً محادثات السيسي وبرينان: تعزيز التعاون الاستخباراتي
وتضيف المنظمة أنّه باعتبار أن سجل مصر حافل في منظمة حقوق الإنسان، فمن المثير للقلق أن تحوز وحدة سرية كإدارة البحوث التقنية، والتي لا يظهر وجود أي نوع من الرقابة عليها أو المهام المحددة قانونياً لها، على إمكانات تنصت تمكّنها من مراقبة الاتصالات الهاتفية والإنترنت لكل من هو موجود في مصر. وتذكر أنّ لدى مصر بالفعل تاريخ في استخدام التنصت كوسيلة لنشر الخوف. فبعد تظاهرات 2011، بثّ برنامج تلفزيوني محتوى 29 محادثة هاتفية بين نشطاء معروفين ليقلل من مكانتهم في أعين الجمهور. ويلفت التقرير إلى أنّه تمّ تمرير محادثات ودردشات ناشطة مصرية عبر بريدها الإلكتروني مع شريكها أسفل باب بيتها، وذلك قبل استدعائها من قبل جهاز مباحث الأمن الوطني (أمن الدولة) للاستجواب بفترة قصيرة.
عميل هاكينغ تيم الغامض
توضح المنظمة أنّه في العام 2015، اخترقت شركة هاكينغ تيم أكثر من مليون رسالة بريد إلكتروني وأصبحت الوثائق الإدارية المخزّنة على خوادمها متاحة للعامة. وكشفت، بعد ذلك، تورط الشركة في بيع أنظمة تجسس شديدة الاقتحام إلى حكومات قمعية. ومن إحدى هذه الأنظمة، برنامج خبيث يدعى "ريموت كونترول سيستم" (Remote Control System)، يسمح للمهاجم بالتحكّم الكامل في كمبيوتر المستهدَف. ويستطيع المهاجم عندها، مثلاً، أن يصل إلى أي محتوى مخزّن على الحاسوب، وأن يراقب استخدامه، ما يسمح له بمعرفة كلمة المرور السرية وكل خصوصيات المستهدف، فضلاً عن نسخ الصور الموجودة أو حتى يمكنه تشغيل كاميرا الكمبيوتر.
وكانت إدارة البحوث التقنية، إحدى عملاء هاكينغ الكبار، على استعداد أن تدفع مليون يورو ثمناً لترخيص استخدام البرنامج الخبيث. وظهر في التسريبات التي حصلت عليها المنظمة عقدان لإدارة البحوث التقنية؛ الأول مع وسيط يُعرف باسم آي. سكس للاستشارات، وبعدها مع سولڤ آي. تي. أما العقد الثاني، فكان مع مجموعة جي. أن. أس. آي، وهي شركة تابعة لمجموعة منصور للأعمال، التي تمتلكها ثاني أغنى العائلات في مصر. وتقدم نفسها باعتبارها شركة توفر خدمات "تأمين المعلومات والتطبيقات والشبكات". ويبدو أنّ العقد مع آي. سكس، بحسب المنظمة، لم يكن قد انقضى بحلول يونيو/ حزيران 2015. ففي وثيقة استعراض عملاء 2015، لا يزال اسم هذه الشركة يظهر تحت أسماء العملاء المحتملين، وكان من المتوقع أن تدفع 750.000 يورو ذلك العام.
وتكشف رسالة بريد إلكتروني بتاريخ مارس/ آذار 2015، عن نوع القدرات التي تحاول إدارة البحوث التقنية الحصول عليها، وتذكرها المنظمة بالتفصيل، وجاء فيها: "إدارة البحوث التقنية ستقود المفاوضات مع هاكينغ تيم. تطلب الإدارة عرضاً لثلاثة أنظمة مختلفة. كل منها مجهّز بـ200 رخصة. تودّ إدارة البحوث التقنية أن تحصل على عرض لشراء ثلاثة أنظمة في وقت واحد، وأن يكون لكل نظام، الإعدادات نفسها، كما نوقشت سابقاً. ويشمل ذلك، البرمجيات و200 رخصة، العتاد، الخدمات، التدريب على الموقع وفي مقر هاكينغ تيم، فضلاً عن ضمان لسنتين لتحديث البرمجيات بسعر نهائي 800 ألف يورو لكل نظام. يمكن إتمام الصفقة إما بعقد واحد أو بالعقود الثلاثة في آن معاً. إذا قبلت هاكينغ تيم بالشروط أعلاه، يمكن إتمام الصفقة في غضون شهر واحد". وكان عقد مجموعة جي. إن. أس. آي قد انتهى عندما سُرّبت هذه المراسلات. وأظهرت وثيقة استعراض العملاء أن المجموعة مدينة لشركة هاكينغ تيم بمبلغ 412.000 يورو عام 2105، ودُفع منها 15.000 يورو فقط.
وكانت لإدارة البحوث التقنية طلبات خاصة من هاكينغ تيم. فقد كشفت المراسلات مع جي. أن. أس. آي، أنّ إدارة البحوث التقنية أرادت استهداف هواتف آيفون، وحواسيب ماك من إنتاج شركة آبل، وكانت تخطط لاستهداف مستخدمي ويندووز. وكان 90 في المائة من هؤلاء المستخدمين المستهدفين، يعملون عبر نسخ برامج غير قانونية من مايكروسوفت وويندووز. لذا رغبت الإدارة أن تصمم شركة هاكينغ تيم لها البرنامج الخبيث "ريموت كونترول سيستم" الذي لا يستهدف فقط منتجات آبل. وبهذه الطريقة، كما يظهر في قائمة العملاء المسرّبة التي ذكرتها المنظمة، تستطيع إدارة البحوث التقنية استهداف 25 نظاماً إلكترونياً، وهو عدد متوسط مقارنة ببلاد أخرى مثل تايلاند، والمكسيك وأوزبكستان.
التقاط الأهداف بطعم "سري وخاص"
أشار تقرير المنظمة إلى أنّ أبحاثاً أجراها مركز "ستيزن لاب" (Citizen Lab)، في جامعة تورونتو الكندية ونشرها في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أكّدت استخدام إدارة البحوث التقنية "فن فيشر"، وهي مجموعة برامج خبيثة اقتحامية أخرى مماثلة لمنتجات هاكينغ تيم. وتمكّن مركز الأبحاث من التعرّف على عشرين اسم نطاق ذوي صلة بإدارة البحوث التقنية. كما وجد الباحثون عيّنة "فن فلاي" (Fin Fly) على إحدى صفحات الويب، وهي صفحة أنشئت لإصابة الأهداف بعدوى برمجيات "فن فيشر" الخبيثة.
اقرأ أيضاً: مسلسل استكمال الانقلاب على الثورة المصرية... والتضييق على مرسي
ووفقاً لمركز الأبحاث، استخدمت مجموعة "مولراتس" (MOLERATS)، وهي مجموعة رقمية إجرامية استهدفت مجموعات "الإسلام السياسي" وإسرائيل، برمجيات خبيثة، يبدو أنها مرتبطة بإدارة البحوث التقنية، ما يطرح فرضية العلاقة بين جهاز المخابرات العامة وهذه المجموعة. ويشير المركز إلى أنّ مولراتس استخدمت لالتقاط أهدافها طعماً عبارة عن ملف يحتوي صور طيار حربي أردني حُرق حياً. وفي ملاحظة أخرى للمركز، بحسب ما ذكرت المنظمة، خُبّئت برمجية فن فيشر داخل وثيقة عنوانها "تقرير سري للغاية".
إثبات وجود الإدارة
تختم المنظمة تقريرها، أنّ هذا الأخير "سعى إلى إظهار وجود إدارة البحوث التقنية، وهي وحدة بالغة السرية يرجّح أن تكون جزءا من المخابرات العامة. لا تخضع إدارة البحوث التقنية إلا لمساءلة رئيس الجمهورية، ويبدو أن مهمتها تتضمن جمع الاستخبارات عن أفراد آخرين داخل فروع الحكومة المختلفة وسلطاتها. أظهرنا بعض تقنيات التنصت التي اشترتها الوحدة. فمن ناحية، اشترت معدات للتنصت الواسع على الاتصالات، ومن ناحية أخرى اشترت برمجيات خبيثة للتجسس بالاستهداف. وبينما لا نزعم أن إدارة البحوث التقنية تقوم بنفسها بالتنصت الواسع، إلا أنها تمتلك حالياً على الأقل جزءاً من المعدات اللازمة للتنصت الواسع، من دون أن تخضع لأي آلية للرقابة أو نقاش برلماني".
لا إجابات
وتطرح المنظمة عدداً واسعاً من الأسئلة تلفت إلى أنّ لا إجابات لها، ومنها: "متى أنشئت هذه الإدارة على وجه الدقة؟ لماذا أنشئت؟ ما مهمتها؟ إلى أي مدى تتعاون مع أجهزة الاستخبارات الرئيسية في البلاد؟ هل استخدمت المخابرات العامة التقنيات التي اشترتها إدارة البحوث التقنية؟ من يرأس إدارة البحوث التقنية فعلاً؟ من يراقب أداءها؟ الشفافية في الاستخبارات أمر ضروري في المجتمعات الديمقراطية. إن وجود وحدة سرية، مجهولة للرأي العام، يبدو أنها تعمل من دون أي رقابة ديمقراطية. وهي قادرة على إنفاق ملايين اليوروات لغرض قد يكون التنصت على اتصالات كل مواطن مصري. وهي مشكلة حقوقية خطيرة. نأمل أن يشكل هذا التقرير حافزاً لمزيد من البحث والاستقصاء"، بحسب المنظمة.
توصيات للحكومة المصرية
وفي نهاية التقرير، تطلب منظمة الخصوصية الدولية من الحكومة المصرية أن تعلن بوضوح وجود إدارة البحوث التقنية وأن تعلن دورها. "ينبغي أن يُشرَح للجمهور ماهية عملياتها وأن تخضع للرقابة. ينبغي أن يوضع إجراء للإذن القضائي لطلبات التنصت التي تقوم بها إدارة البحوث التقنية، وينبغي أن تتوافق الوحدة مع القانون الدولي. مصر من الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكلاهما يحمي بوضوح الحق في الخصوصية". وتحث المنظمة مصر على أن تكون أكثر شفافية في ما يتعلق ببنيتها التحتية التي تتيح التنصت.
اقرأ أيضاً الصحافة الفرنسية بذكرى 25 يناير:بذرة للثورة تتجدّد والنظام خائف