ليس خياراً عشوائياً، أن يقف معرض "البحر معلقاً"، في خياراته عند خمسين سنة امتدت من 1940 حتى 1990، إنها سنوات التحوّلات الكبرى في المنطقة العربية وإيران، حيث يُعقد المعرض ليجمع فنانين من الجانبين في "متحف الفن المعاصر" في طهران، ويكشف أثر تلك التحوّلات السياسية والثقافية والعمرانية على الفن وانعكاساتها عليه، تحت خيمة من الحروب والصراعات والعنف.
وكما هي السنوات التي وقع الاختيار عليها، يمكن الوقوف مطولاً عند عنوان المعرض "البحر معلقاً"؛ البحر قد يكون الخليج الذي يفصل مكانين فرّقتهما السياسة أيضاً، والفن هو أحد الوسائل التي تعلّق هذا الانفصال، وترجئه، وسيلة أكثر مصداقية من السياسة، ترى في تاريخ المنطقة الثقافي جسراً.
كان "متحف الفن المعاصر" في طهران قد وجّه دعوة إلى "مؤسسة بارجيل الإماراتية للفنون"، التي تمتلك مجموعة متعدّدة ومتنوّعة من نماذج الفن التشكيلي العربي الحديث، وقد أخذت على عاتقها مهمة اختيار أعمال الفنانين العرب المشاركين في المعرض، كي تُقدّم لفنانيها ولمتذوقي الفن أعمالاً تمثّل تلك الحقبة الزمنية، ولربما يمكن اعتبار التظاهرة، هي الأولى من نوعها التي تستقبل فيها طهران تظاهرة فنيّة عربية بهذا الحجم والتنوّع.
انتخبت مؤسسة "بارجيل"، التي تأسّست عام 2010، مجموعة من مقتنياتها التي تعود لفنّانين من فلسطين ولبنان والعراق ومصر وصولاً إلى بلدان شمال إفريقيا؛ تعكس الأعمال المعروضة مدارس فنيّة متعدّدة، وتركز في سلسلة منها على انتقال الحياة من الريف إلى المدينة، وتحاكي التغيّرات السياسية والاجتماعية، فضلاً عن لوحات تعكس الحياة في الريف والمدينة وتجسد بعض منها البيئة المحلية مثل أعمال عبد القادر الريّس من الإمارات، وأخرى تصوّر قصص الحرب مثل أعمال حامد عويس من مصر، بينما يذهب بعضها الآخر نحو التجريد الذي تُظهره لوحات كمال بُلاّطه من فلسطين، وفريد بلكاهية من المغرب، أو الاحتفاء بالحروفية العربية لدى رشيد قريشي من الجزائر. من الأسماء التي تحضر لوحاتها أيضاً: سمير رافع ومارغريت نخلة من مصر، وكاظم حيدر من العراق، وعبد الله المحرقي من البحرين، وشفيق عبود من لبنان، وحاتم المكّي من تونس.
في المقابل، قام "متحف الفن المعاصر" في طهران باختيار الأعمال الإيرانية المعروضة من ضمن مقتنياته النادرة التي تزيد عن ثلاثة آلاف عملٍ. من جهته، رأى مدير "متحف الفن المعاصر" مجيد ملا نوروزي، أن هذا المتحف الذي استقبل العديد من المعارض واللوحات القادمة من الغرب، بات يحتاج إلى عرض لوحات الفنانين العرب للمتلقي في إيران، لافتاً إلى أن الأعمال المعروضة لتنوّع مشاربها ومدارسها وأجيالها، من شأنها أن تفيد المتخصّصين الراغبين في إجراء دراسات نقدية وتوثيقية ومقارنة.
ملا نوروزي اعتبر في تصريحات له مؤخراً، أن الإيرانيين يعرفون الكثير عن الأدب العربي، غير أن الفنون التشكيلية العربية لا تزال شبة مجهولة لهم.
بدوره، لفت القائم على "مجموعة بارجيل" كريم سلطان، إلى أن هذا المعرض يشكّل فرصة للتبادل الثقافي، حيث إنه للمرة الأولى تُوضع أعمال فنية عربية إلى جانب نظيراتها الإيرانية، مشيراً إلى أن أبرز التحديات التي واجهت مؤسسته كانت في آلية اختيار اللوحات، إذ انتقى أربعين عملاً، لتُعرض إلى جانب أربعين لوحة لفنانين إيرانيين، كلٌّ منها تُعرّف بمنطقة ومدرسة فنّانها وتُقدّم صورة شاملة عن التقنيات التي استخدمت في الفن التشكيلي العربي الحديث لدى رسمها.
الافتتاح شهد حضوراً لعدد من التشكيليين الإيرانيين المشاركين؛ ومن بينهم حسين محجوبي وفرح أصولي وباقر ضيائي وجواد نوبهار وغيرهم، أما الحضور العربي فقد اقتصر على عدد محدود من السفراء العرب في طهران، وعدد أقل من المسؤولين عن معارض عربية فنية، بينما غاب عنه الفنانون.
وفي معرض إجابته عن سؤال "العربي الجديد" حول أسباب غياب الفنان العربي عن صالات العرض الإيرانية، أوضح سلطان أنّ الأمر قد يكون مرتبطاً بمشكلة في التنظيم ولا يتعلّق بامتناع الفنانين العرب عن المشاركة، أو عدم دعوتهم، وأشار إلى الجانب الإيجابي لمثل هذا المعرض الجماعي من الطرفين وما يفتحه من أبواب ويزيل من حواجز.
يبدو القائم على مؤسسة "بارجيل"، متفائلاً إذ يصف المعرض بـ "الصغير"، مقارنةً بما يمكن ويطمح إلى أن يُنظّم في المستقبل، مضيفاً أنه مجرد خطوة أولى ستفتح الباب أمام حضور أكبر للفنانين العرب في إيران، كما سيمثّل حافزاً للفنانين والنقّاد الإيرانيين لقراءة ودراسة الفن العربي المعاصر وبدء حوار ثقافي بين منطقتين وأمّتين تباعدتا رغم تجاورهما جغرافياً.
من جهتها، رأت مديرة معرض "آرت دبي" ميرنا عيّاد التي حضرت المعرض، أن الفن الإيراني الحديث وكذلك القديم معروف لدى المتلقي والفنان العربي، مشيرة إلى المنمنات وفن السجاد الإيراني وكثير من تجارب الفن التشكيلي المعاصر، مستدركة بأن العكس غير صحيح، وفقاً لتعبيرها.
عيّاد أكدّت لـ "العربي الجديد" أن مسألة التفتيش عن الأسباب والطرف المسؤول عن غياب الفن العربي في إيران، ومن هو الطرف المقصّر في معادلة الجهل بالآخر، ليست هي المهمة الآن، بل المهم العمل على تبديد هذا الغياب، منوّهة بأن "البحر معلقاً" يساهم في تقديم صورة إيجابية عن الفن العربي الحديث إلى المتلقّي والفنان الإيراني وهذه هي غاية المعرض.