بعد أكثر من نصف عام على تأسيسه بدعم إماراتي، فقد ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، جزءاً كبيراً من الزخم الذي أحيط به، مع الجمود في أنشطته أو على الأقل عدم تحويل قراراته إلى "سطلة فعلية". ومع ذلك، يواصل المجلس استكمال بناه التنظيمية التي يقدمها على أنها "سلطة جنوبية". لكن موقف التحالف لا يزال ضبابياً، بين اعتباره داعماً للمجلس الانفصالي (أبوظبي على الأقل)، وبين حاجته لبقاء "الشرعية اليمنية"، وعلاقته بوضع "سقف" لعمل "الانتقالي". وشهدت مدينة عدن اليمنية، أمس السبت، أول اجتماع لما يُسمى بـ"الجمعية الوطنية" التابعة إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والتي تُوصف بأنها "البرلمان الجنوبي" للسلطة الانفصالية المفترضة أو الموازية جنوب اليمن، وذلك في أحد فنادق المدينة. وأكدت مصادر محلية في عدن، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماع "الجمعية"، المؤلفة من 303 أعضاء، جاء بعد عراقيل وقفت أمام انعقاده، لأكثر من شهر، إذ كان من المقرر أن يُعقد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأظهرت الكلمة التي ألقاها محافظ عدن السابق، ورئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزبيدي، خلال تدشين أول اجتماع لـ"الجمعية الوطنية" ما يمكن اعتباره مؤشراً على أن المجلس، الذي تدعمه الإمارات، لم يعد يحصل على الثقة الكافية من التحالف، إذ تضمنت كلمة الزبيدي عبارات على غرار "نلفت نظر الأشقاء في دول التحالف بقيادة السعودية والإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، إلى أهمية النظر بعين العدالة إلى قضيتنا الوطنية باعتبارنا جزءاً لا يتجزأ من دول الجزيرة العربية (يقصد جنوب اليمن)". وأبدى تحفظه على "تحالفات" التحالف، قائلاً "في الوقت الذي نقدر فيه ظروف ومتطلبات الصراع العربي مع المشروع الإيراني والأهداف الاستراتيجية لعاصفة الحزم، التي نؤكد أننا جزء منها، ومع تفهمنا لما يمكن أن ينتج عن ذلك من تحالفات سياسية لدول التحالف تقتضيها الضرورة، إلا أننا نأمل ألا تكون تلك التحالفات على حساب قضيتنا الوطنية التي هي قضية وجود ومصير" وفق تعبيره.
وفيما بدا إشارة إلى العمليات العسكرية للتحالف، والتي تشارك فيها قوات جنوبية، كسرت الحدود المفترضة للجنوب اليمني قبل الوحدة، وتعدت ذلك إلى محافظة الحديدة، المصنفة على الشمال، قال الزبيدي مخاطباً الجنوبيين "نقدر وبشكل مسؤول حالة القلق التي تسود أوساطكم إزاء المتغيرات والأحداث السياسية والعسكرية التي استجدت خلال الأيام الماضية". وخلال اجتماع "الجمعية الوطنية" في عدن، أعلن الزبيدي عن قرار بتنصيب محافظ حضرموت السابق، اللواء أحمد سعيد بن بريك، رئيساً لـ"الجمعية الوطنية في المجلس الانتقالي الجنوبي"، وتعيين أنيس يوسف علي لقمان، نائباً لرئيس الجمعية، والقاضي حسين زين السقاف مقرراً للجمعية. وجاء التعيين خلافاً لما كان متوقعاً، بأن يختار الأعضاء رئيس الجمعية. كما كان لافتاً تسمية أحمد بن بريك، المتحدر من محافظة حضرموت، رئيساً للجمعية، مع أنه ليس عضواً فيها، بقدر أنه عضو في "المجلس الانتقالي الجنوبي" نفسه.
وكان المجلس وخلال تدشين ما يُطلق عليه بـ"البرلمان الجنوبي"، شدد بمختلف أدبياته، على الانفصال عن الشمال أو ما يُسمى بـ"استقلال الجنوب". ومن أبرز التصريحات اللافتة، خلال الاجتماع ما نُقل عن القيادي السلفي المقرب من الإمارات، والذي يشغل منصب نائب رئيس "الانتقالي الجنوبي"، هاني بن بريك، من أنهم يتجهون لتشكيل "وزارة دفاع جنوبية"، بدلاً من تشكيل "مجلس عسكري". وقال بن بريك إن تدشين ما وصفه بـ"البرلمان الجنوبي يعد حدثاً تاريخياً، وهو البرلمان الجنوبي الأول منذ عام 1990، بالتزكية والاختيار، وستكون الجمعية في المرحلة المقبلة منتخبة من الشعب". وتأسس ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، بدعم وثيق من الإمارات، في مايو/أيار الماضي، عقب صدور قرارات من الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أطاحت بمحافظ عدن السابق، الحليف للإمارات، عيدروس الزبيدي، لتدعم أبوظبي الأخير، بتشكيل "الانتقالي"، الذي قدم نفسه كسلطة انفصالية في جنوب اليمن، إلا أن المجلس دخل مرحلة جمود بعد تأسيسه.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن "الانتقالي" تشكيل ما سُمي بـ"الجمعية الوطنية"، في طريق استكمال البناء التنظيمي للمجلس، بالتزامن مع تدشين عمله في المحافظات وتعيين قيادات محلية له في المحافظات. ويصر المجلس، الذي تحول بنظر يمنيين إلى مكون سياسي بين المكونات الجنوبية الأخرى المطالبة بالانفصال، على تقديم نفسه كممثل لـ"الجنوب"، وعلى أنه ليس مكوناً سياسياً أو حزباً وإنما "قيادة للجنوب"، ومع ذلك، لم يترجم خطابه فعلياً، بتنصيب سلطة بديلة للمسؤولين المعينين من قبل الحكومة الشرعية. وفي السياق، تتباين التفسيرات لوضع المجلس، بين من يرى أن التحالف وضع قيوداً على نشاطه، بعد أن كانت ولادة المجلس الانفصالي بدعم قوي من الإمارات، بمثابة انكشاف أظهر دعمه للتقسيم في اليمن. وفي المقابل، ينظر سياسيون إلى أن تجميد "التصعيد" من قبل التحالف، مرتبط بحاجته لـ"الحكومة الشرعية"، كغطاء لتدخله في اليمن، في حين أن دعم مجلس انفصالي يقوض الحكومة الشرعية، وبالتالي فإن المجلس، الذي يواصل بناء مؤسساته، قد يتحول لسلطة انفصالية فعلية، في مراحل لاحقة، بعد انتهاء الظروف المؤقتة التي تحتم على التحالف الحفاظ على الحكومة الشرعية.