الصور ومقاطع الفيديو ليست اثباتا دامغا على مجازر وفظائع، ان لم يتم التحرّي عن صحة الصورة وصدق الحادثة واستبعاد شبهة استخدامها في حملة "البروبغندا".
وهذا ما اشار اليه تقرير صحيفة "تايمز" في عددها ليوم الثلاثاء الذي نشر شهادات من لبنان على لسان شهود عيان أرمن من سكان مدينة "كسب" المدينة الحدودية التي شهدت دخول قوات المعارضة في 23 مارس/آذار الماضي، نفوا فيها تعرضهم لحملات ابادة على يد المعارضة المسلحة.
وقال لاجئون وصلوا الى بيروت، لم يكن هناك قتل او مجازر، وانما مواجهات مسلحة بين الطرفين اضطروا معها الى الهروب من ديارهم، كما تعرضت بيوتهم لأعمال سرقة ونهب مثلما حصل في بقية المناطق، وأنهم لم يتعرضوا لعنف شخصي.
وقد ناقضت هذه الشهادات ما يروج له النظام السوري وداعموه على وسائل التواصل الاجتماعي التي انطلقت بعد معركة الساحل، تحت عنوان "#احموا كسب" مدججة بصور ومقاطع فيديو تسببت بمخاوف حكومة ارمينيا، وانتشرت ضمن حملات عديدة.
ويبدو واضحا ان حملة بروبغندا النظام استخدمت سلاح الصورة الكاذبة، فنشرت صور أجساد من دون رؤوس، اعدام سجناء وتدمير كنائس، وصورة قيل انها لفتاة مسيحية اغتصبت وقتلت ووضع في فمها صليب كبير، ونسبت كلها لمعارك كسب وان الضحايا من الأرمن السوريين..
عليه فقد انضمت نجمة برامج الواقع الاميركية الأرمنية الاصل، كيم كارديشيان، الى الحملة، فنشرت اكثر من تغريدة لأتباعها العشرين مليون على تويتر، تحذر فيها من مذبحة اخرى للأرمن في مدينة كسب. وأطلق الناشطون السوريون حملة مضادة تدحض الادعاءات، وردت الممثلة انجلينا جولي سفيرة النوايا الحسنة في الامم المتحدة واصفة كارديشيان بأنها "تهرف بما لا تعرف والافضل ان تستخدم منصة تويتر للترويج لحمرة الشفاه وليس للحديث في السياسة".
وتشير "تايمز" البريطانية عبر تقريرها الذي كتبه اثنان من مراسليها، الى أن المعارضين نجحوا في التعرف على المصادر الأصلية لسبعة من الصور التي كان النظام السوري بثها على تويتر، وهي تعود لمجازر جرت في سوريا خلال السنوات الثلاث الاخيرة، ولا علاقة لها بكسب. وتبين ان صورة الفتاة المغتصبة والمقتولة مأخوذة من فيلم رعب يُدعى " تفسخ داخلي inner Depravity " الذي عرض في صالات السينما عام 2005.
كما بث ناشطو المعارضة شريط فيديو على الانترنت ظهرت فيه عناصر من المقاتلين الملتحين حسني الهندام وهم في الكنائس، يزيلون الغبار عن الكتب الدينية التي لم تدمر ويساعدون كبار السن في اجتياز الحدود إلى تركيا.
منذ مارس/اذار 2011 عمل النظام على تخويف العالم من المظاهرات ومطالب الحرية التي رفعتها، مروّجا لفكرة أن اي تغيير مقبل في سوريا سيكون على حساب الاقليات. ومن الواضح ان حملات البروبغندا التي كانت اخرها حملة مدينة كسب، تلعب على مخاوف تذكر بمجازر جماعية بقيت في الذاكرة السياسية الحديثة للعالم، واستهدفت اقليات عرقية او وقومية، مثل كوسوفو والبوسنة في التسعينات، وقبلها مجزرة الأرمن عام 1915. لكن الأرمن قبل غيرهم يعرفون ان من استقبلهم وفتح لهم مدنهم وقراهم وبيوتهم واحتواهم بينهم، هم السوريون مسلمون ومسيحيين.
وأمام الوضع المتدهور في سوريا، نشرت صحيفة "تايمز" في العدد نفسه افتتاحية بعنوان "العصر المظلم للأسد" قالت فيه "ان تعنت الاسد عار علينا". ولفتت الى أنه يعدّ لتجديد انتخابه للرئاسة اواخر يونيو/ حزيران المقبل، وانه لو كانت هناك انتخابات حقيقية فانه كان سيواجه مساءلة شعبية تحاسبه عن كيفية استمراره في الحكم رغم مقتل 150 ألف سوري منذ 2011. وكيف تسبب في حرمان مليوني طفل نازح من المدارس، وكيف سمح بانهيار النظام الصحي مما تسبب في موت العديدين لا من القتل لمباشر، بل من غياب العلاج والدواء.
وانتهت الافتتاحية الى القول انه يجب دفع الرئيس السوري الى الاستسلام، وهذا لن يتمّ عبر صناديق الانتخابات. وان الغرب فقد سلطته في الضغط عليه بعد تراجعه عن معاقبته في اعقاب تجاوزه الخط الاحمر واستخدامه السلاح الكيماوي، و"كانت النتيحة ان الاسد يعدّ نفسه ليكون دكتاتور سوريا للأبد، في بلد عد يوما مهد الحضارة في بلاد العرب".