30 سبتمبر 2024
"الجهادي جون" وما بعده.. الصورة والواقع
يشغل "الجهادي جون"، اهتمام الصحافة البريطانية التي تتبارى وسائلها في نشر تفاصيل حياة الطالب الخجول، ذي الشخصية المضطربة الذي تحول من الانزواء إلى العنف. كيف وصل محمد أموازي، ابن العائلة الكويتية الميسورة الحال، إلى بريطانيا، وما كان شكل علاقاته مع رفاق المدرسة، حيث يبدو أموازي في تحقيقات الصحافة البريطانية، طالباً خجولاً غير قادر على اجتذاب الفتيات لخجله وسوء مظهره. تظهر التحقيقات شخصية مضطربة، بعيدة عن الالتزام الديني، فالطالب يتعاطى المخدرات، ويشارك في عصابات الفتيان التي تمنحه الأمان والاعتراف، ولا يتوانى عن شرب الكحول، حتى إن أحد رفاق المدرسة يعلق على "تدينه" بأنه مزحة. ويمتد الاهتمام بمن وصفته الصحافة بأنه "الإرهابي الأكثر شهرة" في العالم، إلى عائلته التي طلبت اللجوء السياسي في بريطانيا، وتقيم مجاناً في منزل بتمويل من دافعي الضرائب، ويبدو أنها تكتمت على هوية ابنها، على الرغم من أنها تعرفت على صوته من التسجيل الأول لعمليات ذبح الرهائن، ولم تبلغ الأمن البريطاني. وعلى الرغم من أن والد أموازي وصف ابنه بـ "الإرهابي الكلب"، كما نقلت بعض وسائل الإعلام، إلا أنه عاد وأنكر أن يكون صوت "الجهادي جون" صوت ابنه الذي، وبحسب تقارير الصحافة، اعتذر من والدته لـ"العار" الذي ألحقه بالعائلة، وليس لذبح الرهائن.
سيرة محمد أموازي طالب علوم الكومبيوتر في جامعة ويستمنستر في لندن هي، بالتأكيد، السلاح الأمضى في يد منتقدي سياسات الهجرة التي توصف بأنها متسامحة، وأكثر مرونة في بريطانيا عما هي عليه في دول أوروبية أخرى، وذلك على أبواب الانتخابات العامة في مايو/أيار المقبل، حيث النقاش حول الاغتراب أحد أبرز عناوين الحملات الانتخابية. لم يولد الشاب في بريطانيا، فقد استفادت عائلته من نظام اللجوء السياسي، ومن الدعم المالي المنبثق منه، من دون أن يستتبع ذلك اندماج الفتى في بيئته الجديدة، بل تحوله التدريجي إلى الراديكالية والتطرف. ولا يبدو أموازي حالة غريبة، بحسب خبراء التطرف، فهو يمثل حال مجموعة شبان من عائلات متوسطة إلى ميسورة الحال، من أصول عربية أو شمال إفريقية، من أحياء غرب لندن الوافرة الحال. يقبلون على "الجهاد"، على نقيض الصورة النمطية لأبناء الطبقات المعوزة في الأحياء الشعبية والضواحي المتردية الحال، في دولة أوروبية أخرى، حيث تعتبر حال هؤلاء الاجتماعية المتردية الدافع الأساسي لاندفاعهم للعنف أو التطرف. الانتقادات التي وجهت إلى أجهزة الأمن البريطانية حول دفع أموازي وأمثاله إلى التطرف، بفعل الضغوط، لتحويلهم إلى مخبرين لصالح الأمن البريطاني، لم تلق وزناً يذكر، بل أثارت حملة انتقاد ضد مدير الجمعية الحقوقية التي يبدو أن أموازي لجأ إليها طلباً للمساعدة، بعد أن وصف الأخير أموازي بأنه "الشخص الأكثر لطافة وتواضعا" الذي التقى به.
وبموازاة سيرة "الإرهابي الأكثر شهرة"، تتوسع دائرة النقاش حول معنى التنوع الثقافي للمجتمع البريطاني، وعلاقة الجالية المسلمة بالنظام والدولة، بعد فضيحة شبكات الاستغلال الجنسي لمراهقات بريطانيات على يد عصاباتٍ، الغالبية العظمى من أفرادها من أصول باكستانية مسلمة، على مدى أعوام. يقول تقرير جديد عن نشاط هذه العصابات في منطقة أوكسفورد، إنه لا علاقة مباشرة لفشل الشرطة والأجهزة الاجتماعية بالخجل من مقاربة
الأصول الأتنية للمرتكبين، أو الخشية من تهمة العنصرية، وهو المبرر الرئيسي لفشل أجهزة الدولة في وقف عمليات الاستغلال الجنسي للمراهقات، في مناطق أخرى على يد عصابات مماثلة. في حالة فتيات أوكسفورد، ضحايا شبكات الاستغلال الجنسي، اكتفت الأجهزة الرسمية بلوم المراهقات أنفسهن، بوصفهن "صعبات الطبع"، وبقي الجاني طليقاً. على الرغم من ذلك، اتسعت، أخيراً، رقعة نقاش القضية من جانبها الإثني والديني، حيث أشارت أكثر من وسيلة إعلامية إلى أن الغالبية العظمى من مرتكبي هذه الجرائم، من "ثقافة مسلمة"، لتفتح الباب أمام نقاش العلاقة بين الثقافتين "البريطانية" و"المسلمة".
لا تحتاج "الصورة" المتجهمة أساساً للجالية المسلمة في بريطانيا، إلى مزيد من التجهم، مع إسراف وسائل الإعلام في سرد أخبار آخر جرائم داعش، ومنها الصور المقزعة لتحطيم التراث الإنساني في أكثر من منطقة في العالم العربي، على يد التنظيم المتطرف. تروي الكاتبة الصحافية، ياسمين براون، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" أن امرأة بصقت في وجهها في باص في منطقة في غرب لندن، على الرغم من أن المنطقة معروفة بالاختلاط بين جنسيات متنوعة، واستقطابها للندنيين الميسوري الحال. وترد الأمر إلى ارتفاع حدة التوتر الإثني بين المجموعات في المجتمع البريطاني، على الرغم من أن التنوع الثقافي أحد أبرز مميزات هويته. في المقابل، أظهر استطلاع للرأي، أجري لحساب هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية "بي بي سي" أن 95% من مسلمي بريطانيا يدينون بالولاء لبريطانيا، و93% منهم يعتبرون أن عليهم إطاعة القوانين البريطانية.
الصورة متجهمة لا شك، إلا أن الأكثر تجهما هو واقع بات يفترض تناوله بصراحة وشفافية، وبالعمق ومن دون التخفي وراء شعارات طنانة. كيف يمكن التوفيق بين الحديث عن إدماج المجموعات الإثنية والدينية بما يسمى "قيم الثقافة البريطانية"، وتلك مسألة باتت تحظى بأهمية متزايدة في النقاش العام، ومقولة احترام الاختلاف الثقافي، والتي قد تكون مرادفة لقيام غيتوات اجتماعية، تزداد انغلاقا وغربة عن بيئتها الأم، مع تعزز الأفكار المقولبة حول هذه المجموعات، وتجانس هذه المجموعات مع صورتها، في خضم تمسكها باختلافها "الثقافي".
سيرة محمد أموازي طالب علوم الكومبيوتر في جامعة ويستمنستر في لندن هي، بالتأكيد، السلاح الأمضى في يد منتقدي سياسات الهجرة التي توصف بأنها متسامحة، وأكثر مرونة في بريطانيا عما هي عليه في دول أوروبية أخرى، وذلك على أبواب الانتخابات العامة في مايو/أيار المقبل، حيث النقاش حول الاغتراب أحد أبرز عناوين الحملات الانتخابية. لم يولد الشاب في بريطانيا، فقد استفادت عائلته من نظام اللجوء السياسي، ومن الدعم المالي المنبثق منه، من دون أن يستتبع ذلك اندماج الفتى في بيئته الجديدة، بل تحوله التدريجي إلى الراديكالية والتطرف. ولا يبدو أموازي حالة غريبة، بحسب خبراء التطرف، فهو يمثل حال مجموعة شبان من عائلات متوسطة إلى ميسورة الحال، من أصول عربية أو شمال إفريقية، من أحياء غرب لندن الوافرة الحال. يقبلون على "الجهاد"، على نقيض الصورة النمطية لأبناء الطبقات المعوزة في الأحياء الشعبية والضواحي المتردية الحال، في دولة أوروبية أخرى، حيث تعتبر حال هؤلاء الاجتماعية المتردية الدافع الأساسي لاندفاعهم للعنف أو التطرف. الانتقادات التي وجهت إلى أجهزة الأمن البريطانية حول دفع أموازي وأمثاله إلى التطرف، بفعل الضغوط، لتحويلهم إلى مخبرين لصالح الأمن البريطاني، لم تلق وزناً يذكر، بل أثارت حملة انتقاد ضد مدير الجمعية الحقوقية التي يبدو أن أموازي لجأ إليها طلباً للمساعدة، بعد أن وصف الأخير أموازي بأنه "الشخص الأكثر لطافة وتواضعا" الذي التقى به.
وبموازاة سيرة "الإرهابي الأكثر شهرة"، تتوسع دائرة النقاش حول معنى التنوع الثقافي للمجتمع البريطاني، وعلاقة الجالية المسلمة بالنظام والدولة، بعد فضيحة شبكات الاستغلال الجنسي لمراهقات بريطانيات على يد عصاباتٍ، الغالبية العظمى من أفرادها من أصول باكستانية مسلمة، على مدى أعوام. يقول تقرير جديد عن نشاط هذه العصابات في منطقة أوكسفورد، إنه لا علاقة مباشرة لفشل الشرطة والأجهزة الاجتماعية بالخجل من مقاربة
لا تحتاج "الصورة" المتجهمة أساساً للجالية المسلمة في بريطانيا، إلى مزيد من التجهم، مع إسراف وسائل الإعلام في سرد أخبار آخر جرائم داعش، ومنها الصور المقزعة لتحطيم التراث الإنساني في أكثر من منطقة في العالم العربي، على يد التنظيم المتطرف. تروي الكاتبة الصحافية، ياسمين براون، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" أن امرأة بصقت في وجهها في باص في منطقة في غرب لندن، على الرغم من أن المنطقة معروفة بالاختلاط بين جنسيات متنوعة، واستقطابها للندنيين الميسوري الحال. وترد الأمر إلى ارتفاع حدة التوتر الإثني بين المجموعات في المجتمع البريطاني، على الرغم من أن التنوع الثقافي أحد أبرز مميزات هويته. في المقابل، أظهر استطلاع للرأي، أجري لحساب هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية "بي بي سي" أن 95% من مسلمي بريطانيا يدينون بالولاء لبريطانيا، و93% منهم يعتبرون أن عليهم إطاعة القوانين البريطانية.
الصورة متجهمة لا شك، إلا أن الأكثر تجهما هو واقع بات يفترض تناوله بصراحة وشفافية، وبالعمق ومن دون التخفي وراء شعارات طنانة. كيف يمكن التوفيق بين الحديث عن إدماج المجموعات الإثنية والدينية بما يسمى "قيم الثقافة البريطانية"، وتلك مسألة باتت تحظى بأهمية متزايدة في النقاش العام، ومقولة احترام الاختلاف الثقافي، والتي قد تكون مرادفة لقيام غيتوات اجتماعية، تزداد انغلاقا وغربة عن بيئتها الأم، مع تعزز الأفكار المقولبة حول هذه المجموعات، وتجانس هذه المجموعات مع صورتها، في خضم تمسكها باختلافها "الثقافي".