كان من المفترض أن يكون الحب مختلفاً. كان من المفترض أن يكون أكثر بساطة. أقل تعقيداً. أن تقتصر شؤون القلب على راحة وهناء، أو ضحك بصوت مرتفع. أن تكون على سجيتك طوال الوقت في حضرة الحبيب. أن تقف أمام المرآة وترسم في انعكاسها وجوهاً طريفة مع أنك لست وحيداً في الغرفة. أن تخبره كل شيء وأي شيء، مهما كان، من دون أن تظهر على وجهه ملامح دهشة أو هلع ما. أن تبقى تضحك لدقائق طويلة بعدما توقّف بدوره عن الضحك، وهذا من دون أن ينشغل للحظة عن الابتسام. كان من المفترض أن يكون هذا هو الحب، كل الحب.
كان من المفترض أن يكون الحب مجرّداً، تحكمه "اللحظة" على عدد لحظات اليوم، والشهر والسنة. أن نظل سويّة لمجرد أن الوقت لا يزال يمرّ سريعاً عندما نكون سويّة. أن ينفصل بعضنا عن البعض بهدوء ورويّة، لمجرد أن اللحظات باتت ثقيلة. وليس لأيّ سبب آخر. ثم أن نخبر بعضنا البعض، قبل أن ننفصل كلياً، كيف سيحتفل كلّ منّا بعودة قلبه إلى حرية خفيفة يتنقّل بها، بين اللحظة والأخرى، من حبّ إلى آخر.
ربما الحب بسيط فعلاً. لكننا معقّدون.
كان من المفترض، مثلاً، ألّا يبوح بسرّ لا يتعدّى مساحة صغيرة من العاصمة بيروت، كانا قد اتفقا على أن يبقى حصراً بينهما. أو ألّا تتغيّر نبرة صوته كليّاً عند سؤاله عمّا إذا كان سيفرح يوماً لسماعه أن أخته تعيش قصة شبيهة بقصتهما. كان من المفترض أن يكون أكثر ثقة بإخلاصها له، حتى لا تخترع لاحقاً سيناريوهات بشعة لحادثة صغيرة لا تعني الكثير. لو أننا بسطاء ببساطة الحب، كانا أبقيا على السرّ الصغير ولقّنا أخته الصغيرة درساً جميلاً في شؤون القلب وفنونه، وكانت الحوادث الصغيرة لتبقى صغيرة في رأسها الصغير.
كان من المفترض أن ينقطع بعضنا عن البعض لفترة زمنية لا بأس بها. ثم نعود لنسمع ما تبقى من أخبار لم يتسنّ لنا معرفة نهاياتها. كان من المفترض أن تصلنا أخبار طيبة نتوقف إثرها لدقائق قصيرة نتمنى فيها لو أمكننا أن نكون جزءاً من هذه الانتصارات الصغيرة. لكن يحدث أيضاً، أن تتسلّل إلى مسامعنا أخبار من نوع آخر.
ربما الحب هو ألا ننتبه لكل ما ورد أعلاه فيما نحن سويّة. أولاً، لأن الوقت ضيّق يمر سريعاً. وثانياً، لأن أصوات الضحكات تحجب عنّا سماع أجوبة لا تروق لنا. وثالثاً، لأن وجه الآخر في المرآة يبدو لنا أكثر لمعاناً من المرآة نفسها.
ربما الحب هو ألا ننتبه لكل هذا إلا بعد انتهاء الحب، وبعد اختتامه على طاولة حول فنجان قهوة وكوب عصير. يقول موباسّان إن "القبلة تضرب كالصاعقة، والحب يمر كالعاصفة. ثم الحياة، مجدداً، تهدأ كما السماء، وتبدأ مرة أخرى كسابق عهدها. هل يتذكر أحدنا غيمة؟".