يبقى نصيب علماء الأركيولوجيا الفرنسيّين هو الأكبر في مجمل الاكتشافات الأثرية في مصر خلال ما يقارب مئتي عام، بل يمكن اعتبار دورهم محورياً منذ أن فكّ العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون رموز الهيروغليفية على حجر رشيد عام 1822، ما ساهم في فهم اللغة المصرية القديمة وترجمة علومها وقراءة أوابدها.
لم تأت تلك الإنجازات في إطار تبادل معرفي وبحثي بين البلدين، بل في سياق استعماري يظلّ الشاهد الأكبر عليه الاحتفاظ بآلاف القطع المسروقة من المواقع المصرية حتى اليوم في متاحف فرنسا، التي اقتنى بعضها - وفي مقدّمتها "اللوفر" - آثاراً منهوبة رغم علم إداراتها بذلك قبل أقل من عشرين عاماً.
يغيب هذا المشهد تماماً عن معرض "الحفائر الفرنسية في مصر: بحث، تعاون، ابتكار" الذي يفتتح غداً الأربعاء في "المتحف المصري" بالقاهرة، ويتواصل حتى الثامن عشر من شباط/ فبراير المقبل، بتنظيم من وزارة الآثار المصرية و"المعهد الفرنسي للآثار الشرقية (Ifao)".
يكتفي بيان المنظّمين بالإشارة إلى أن "المعرض يقدّم صورة بانورامية حالية للآثار التي اكتشفها الفرنسيون في مصر، والمؤسسات التي تدعمها والبعثات التي تقودها في مناطق مختلفة من البلاد، كما يوضّح التعاون الأثري القديم والمكثف بين فرنسا ومصر وتراكمها".
ويوضّح أن التظاهرة تقام بمناسبة مرور مئة وأربعين عاماً على تأسيس كلّ من "المركز الفرنسي المصري لدراسة معبد الكرنك" و"مركز الدراسات السكندرية"، و"المعهد الفرنسي للأثار الشرقية، بالإضافة إلى حوالي خمسين بعثة حفائر سنوياً تحت مظلة وزارة الآثار المصرية، وبالتعاون معها.
الحديث عن التعاون يغفل وجود خمسة آلاف قطعة أثرية في "متحف اللوفر" فقط، منها قناع نفيرتيتي الذهبي، وتماثيل أمنحتب الرابع وأخناتون ورمسيس الثاني، وغيرها من القطع التي استولت على جزء كبير منها الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بعد اندحارها عام 1801.
بالطبع، فإن تلك المقتنيات استقرّ بها المقام في باريس، والمعرض الحالي سيحتوي قطعاً اكتُشفت خلال العام الماضي ومنها مجموعة كبيرة من ورق البردي يعود تاريخها إلى نهاية عهد خوفو، وتم العثور عليها في وادي الجرف، وتعد أقدم برديات مصرية على الإطلاق.
يتيح المعرض أيضاً فرصة الاطلاع على منحوتات اكتُشفت في مقبرة العساسيف بالقرب من مدينة الأقصر، التي تغطي آثارها حوالي ألف سنة من الحضارة المصرية القديمة، إلى جانب لوحات تعود إلى منتصف القرن الثامن الميلادي وتبرز أيقونات قبطية.
ويسلّط المنظّمون الضوء على العديد من الموضوعات التي تثيرها هذه المكتشفات، والتقنيات المبتكرة في التعامل معها في مواقع البناء أو مختبارت الترميم، والتي تتضمّنها العديد من اللوحات التوضيحية، دون ذكر كلمة واحدة عن آثار مصرية محتجزة في فرنسا، بل إن مسلة كليوبترا تُعرض إلى اليوم في ميدان الكونكورد وسط باريس.