في بداياتها مع "قصّة لعبة" (1995) لجون لاسيتير، اختارت "بيكسار" ـ إحدى أبرز شركات الإنتاج السينمائي المتخصّصة بأفلام التحريك ـ أن يكون المحرّك الأساسي لمشاريعها مرتكزًا على أفكارٍ وعوالم مدهشة تُدخل فيها المشاهدين، إن تكن الأفلام خيالية كلّيًا، كـ"مجتمع الوحوش المرعبين" (2001، Monsters Inc) لبيت دوكتر، أو منضوية في إطار مستقبل خالٍ إلّا من إنسان آلي لطيف، كما في Wall-e (2008) لأندرو ستانتون، أو منشغلة بتكوّن المشاعر في الإنسان، كـInside Out (2015) لدوكتر أيضًا. والشركة نفسها مهتمّة بنوعية أخرى أيضًا يتمّ فيها إحياء ما نراه وتقريبه لمعطيات إنسانية، كما حدث من بثّ الروح في الألعاب كما في "قصّة لعبة" (Toy Story)، أو في السمك كما في "العثور على نيمو" (2003، Finding Nemo) لستانتون ولي أونكريخ، أو في الفئران مع Ratatouille (2007) لبراد بيرد.
لكن، مع نجاحات الشركة وضخامة إنتاجاتها، ثم شراء "ديزني" لها وإدارتها الفعلية منذ نهاية العقد الماضي، بدأت الحسابات التجارية تظهر آخذة مساحة أكبر في الإنتاجات، مقابل قلّة الأفكار الأصلية، والاكتراث بالأجزاء الثانية وأحيانًا الثالثة المرتكزة على عوالم الأفلام القديمة، إلى درجة أن الشركة أنتجت 4 أفلام أصلية فقط منذ عام 2009، و6 أفلام كأجزاء في سلسلة، آخرها الجزء الثاني من "الخارقون" (2018، Incredibles) لبراد بيرد، المعروض حاليًا في الصالات السينمائية، بعد 14 عامًا من الجزء الأول (2004) لبيرد نفسه.
فهل كان العمل المُكمِّل للحكاية خيارًا جيّدًا؟ قصّة "الخارقون" تدور حول عائلة السيد إنكريدبل، التي يتميّز أفرادها جميعهم بصفات خارقة. فالسيد قوّته استثنائية، وزوجته الفتاة المطاطية قادرة على مدّ جسدها لأمتار عديدة، وابنته المراهقة متمكّنة من الاختفاء، وابنه الصبي سريع جدًا، وطفلهم الوليد جاك جاك يملك صفات استثنائية هو أيضًا، لكنها غير مُحدَّدة بعد. في الجزء الأول (633 مليونًا و19 ألفًا و734 دولارا أميركيا إيرادات دولية، مقابل ميزانية إنتاجية تساوي 92 مليون دولار أميركي)، تمّ التعرّف على أفراد العائلة، وخيضت مغامرة معهم، انتهت بتقنين وضع الأبطال الخارقين في عالم الفيلم. بناء على ذلك، ولأن العلاقات بين الشخصيات التي تُشكِّل عائلة وتحاول التكيُّف مع المجتمع ومع بعضها البعض، فإن فكرة إنتاج جزء ثانٍ لن تكون دخيلة عليه، حتى لو أن الأمر، على المستوى الإنتاجي، استغلالٌ للنجاح. ثم أنّ الأعوام الـ10 الأخيرة شهدت، مع أفلام "مارفيل" و"دي سي"، ظهورًا كثيفًا لأبطال خارقين من كلّ نوع.
الجزء الثاني ـ الذي بلغت إيراداته الدولية 858 مليونًا و475 ألفًا و861 دولارا أميركيا مقابل ميزانية إنتاجية تساوي 200 مليون دولار أميركي، بين 15 يونيو/ حزيران و15 يوليو/ تموز 2018 ـ يبدأ من نهاية الأول: مغامرة افتتاحية مع أفراد العائلة المعروفين جيدًا تنتهي بخسائر كثيرة تؤدّي بالحكومة إلى العودة عن قرار عدم شرعية الأبطال الخارقين، فتقع العائلة في ورطة مالية وسكنية. وهذا كلّه قبل ظهور رجل الأعمال وينستون ديفور، المنبهر بالعائلة والأبطال، الذي يعرض عليهم مساعدتهم في السكن والحياة وتحسين صورتهم أمام الناس والحكومة، على أن يختار "الفتاة المطاطية" وحدها في البداية لأداء المهام البطولية، فيسير الفيلم على خطين: الأول غيرة السيد إنكريدبل من اختيار زوجته ومحاولته أن يكون "أبًا" صالحًا؛ والثاني المغامرات نفسها التي تصطدم بشرير خارق ومختلف يدعى سيد الشاشات، يستخدم التنويم المغناطيسي لتحقيق مخطّطاته المدمِّرة والانتقامية.
يترنّح الفيلم قليلاً في نصفه الأول، الذي تظهر فيه العيوب المعتادة نفسها في أفلام الأجزاء، وأبرزها استغلال عناصر النجاح الجماهيري. هناك تتابعان متتاليان لقدرات جاك جاك (بسبب النجاح الكبير للفيلم القصير الذي أنتج عنه قبل 10 أعوام)؛ وشكل مغامرات الحركة شبيهٌ بالجزء الأصلي، فيبدو الفيلم كأنه لا يُقدِّم جديدًا باستثناء الإسراف في الفكرة النسوية كاتجاهٍ مسيطر في هوليوود حاليًا، والخاصّة بتبادل الأدوار بين الزوجين، وبعدم قدرة السيّد إنكريدبل على تلبية حاجات المنزل وسدّ الفراغ الذي تُخلِّفه الزوجة.
لكن قوّة الفيلم كامنةٌ في نصفه الثاني، الذي يصنع فيه المخرج والكاتب براد بيرد إحدى أجمل المغامرات في أفلام "بيكسار" على الإطلاق، إذْ يسيطر شرير الفيلم، أو شريرته تبعًا للـ"تويست" غير المهم في الأحداث، على الأبطال الخارقين جميعهم، بمن فيهم السيد إنكريدبل والفتاة المطاطية، فيتصدّر الأبناء الصورة، ويحاولون إنقاذ الجميع من خدعة النظّارات المنوِّمة مغناطيسيًا. في نصف الساعة التالية، تحدث مغامرة طويلة لا تتوقف، تنبع ميزتها الأساسية من الاستغلال شديد الذكاء لإمكانيات كلّ واحد من الخارقين، إنْ كانوا "مع" أو "ضد"، فلا يكون الأمر صراع قوة فقط بل قدرات مختلفة تحتاج إلى الذكاء والقدرة على الترويض، وصولاً إلى الفكرة الأساسية التي يحتفي بها الفيلم عن "العائلة" وتفاهمها وعدم قدرة أي شخص على النجاة بمفرده.
إذًا، من بين مشاريع متوسطة النجاح (أو أقلّ من متوسطة) للأجزاء الثانية في "بيكسار" خلال الأعوام القليلة الفائتة، كـ"العثور على دوري" (2016، Finding Dory) لأندرو ستانتون وآنغوس ماكلاين، و"جامعة الوحوش" (2013، Monsters University) أو أجزاء "سيارات" (Cars) التي أخرج جون لاسيتير أول جزءين منها عامي 2006 و2011، بينما أخرج بريان في (Brian Fee) الجزء الـ3 عام 2017، يُغرِّد Incredibles 2 خارج السرب، محقّقًا النجاح المطلوب، وإنْ يبقى مستواه عمومًا أقلّ من جزئه الأصلي.