تفتقر المكتبة العربي إلى أنطولوجيا للشعر الروسي، لكن ذاكرة القارئ العربي لا بد أن تذكر في هذا السياق الكتاب الذي وضعه الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر بترجمة مؤثرة لعدد من قصائد الشعراء الروس الكبار، من بوشكين إلى سيرغي يسنين وصولاً إلى ماياكوفسكي وآنا أخماتوفا، مع مقال وافٍ عن سيرة حياة كل شاعر فيها. وكذلك كتاب مواطنته حياة شرارة التي قدّمت مختارات بعنون "من ديوان الشعر الروسي" (1983).
الأمر فيه شيء من المفارقة، فرغم ارتباط تاريخ اليسار العربي الثقافي بالأدب الروسي إلى حد كبير، لكن حظ الشعراء الفرنسيين بشكل خاص والغرب أوروبيين أخذ حصة الأسد من الترجمات العربية والاهتمام، فيما التفت مترجمون قلائل إلى تقديم الشعر الروسي بشكل خاص، لا سيما الحديث والمعاصر منه إلى الثقافة العربية، بينما شهدت ترجمات الرواية الروسية وكتب الفكر السياسي والاجتماعي إقبالاً عليها.
ومع الوقت أصبحت الأسباب الأيدولوجية التي دفعت إلى ترجمة العديد من الأعمال الروائية الكبرى، هي نفسها الأسباب التي تسببت في الانصراف عن الأدب الروسي بكل أشكاله إلا فيما ندر. من هنا اقتصرت معرفتنا بهذا الأدب على الروائع القديمة والشهيرة، مثل أعمال تشيخوف وبوشكين وغوغول وليرمنتوف وغوركي ودوستويفسكي وتولستوي، بينما عزف المترجم وبالتالي القارئ عن الاستمرار في نقل هذا الأدب وتحديث معرفته به.
ومع صدور "مختارات من الشعر الروسي" للمترجم السوري إبراهيم استبنولي (1957) عن دار "ترجمان" في الكويت، مؤخراً تعود الذاكرة إلى الأسماء نفسها التي قدّمها حسب الشيخ جعفر وحياة شرارة سابقاً وأسماء جديدة لم تتطرق إليها تلك الأنطولوجيا، إلى جانب ترجمات جديدة لمختارات من بوشكين وليرمنتوف وجوكفسكي.
اهتم المترجم أيضاً بتقديم شعراء النصف الأول من القرن العشرين مثل بلوك وتسيفيتاييفا وباسترناك ويسنين ومندلشتام، كذلك التفت استنبولي إلى تجارب شعرية ظهرت في الستينيات والسبعينيات في روسيا ومن بينها أحمدولينا وأكودجافا ويفتوشينكو.
يعود المترجم أيضاً إلى سير هؤلاء الشعراء، الذي كانت نهايات معظمهم تراجيدية، إما انتحاراً أو إثر التعذيب أو نتيجة الإهمال في المعتقل أو رمياً بالرصاص.