في الوقت نفسه، فإن العديد من الصحافيين ساهموا في تأريخ العديد من الوقائع والمحطات في مؤلّفاتهم من خلال الاعتماد على الأرشيفات الصحافية التي تحتوي وثائق مهمة، كما شارك مؤرخون كثر في تأسيس الجرائد منذ نشأتها وكان لهم دورهم في تطوير الكتابة الإخبارية ومعاييرها.
اختار أستاذ التاريح الاقتصادي والمؤرخ المغربي الطيب بياض "الصحافة والتاريخ، إضاءات تفاعلية مع قضايا الزمن الراهن" عنواناً لكتابه الصادر حديثاً عن منشورات "كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق" و"دار أبي رقراق" في الدار البيضاء، والذي قدّم له الكاتب والصحافي إدريس كسيكس.
"في نقد الصراع المصطنع بين الصحافة والتاريخ" عنوان مقدمة الكتاب التي يقول المؤلف فيها "أردت من خلال عنوانها ومحتواها أن أعلن للقارئ أن الكتاب لن يكون سجالياً مع المشتغلين في وسائل الإعلام، بل سيكون حاملاً لتحليل وطرح ينتصر للتكامل والتفاعل معهم، في أفق تقديم منتوج تاريخي ينزع نحو العلمية ويحترم انتظارات القراء، ويستجيب للدور الذي على المؤرخ أن يقوم به في علاقته مع قضايا عصره".
يتوزع الكتاب على قسمين؛ الأول نظري عنونه بـ"التاريخ والصحافة، تبادل خدمات تقاطع غايات اختلاف آليات"، يطرح فيه سؤال "ما جدوى التاريخ؟"، وهو سؤال إشكالي كان جسر عبور نحو تحليل ما أسماه بصنعة المؤرخ ومهنة الصحافي، وتفكيك آليات اشتغال كلّ من هما، مستعرضاً نماذج معبرة في انفتاح كليهما على الحقل المعرفي للآخر.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يوضّح الطيب بياض سياق وأسباب هذا الاختيار في المنهج والموضوع "هذا القسم هو في الواقع استثمار في التأليف لتجربتين: الأولى أكاديمية والثانية صحافية. فقد شرعت منذ سنة 2011 في تدريس مادة الاقتصاد والعولمة ضمن مساق متخصّص تاريخ الزمن الراهن، وهي تجربة استمرت ثلاث سنوات، بدأ معها سؤال ابستمولوجية المعرفة التاريخية، خاصة المرتبطة منها بالتاريخ الاقتصادي والتاريخ الراهن منه على وجه التحديد، يشغلني. أعقبتها ثلاث سنوات أخرى من الاشتغال في الصحافة الثقافية من خلال مجلة "زمان" المتخصّصة في تاريخ المغرب، التي التحقت بهيئة تحريرها مستشاراً علمياً وكاتب عمود رأي بها تحت عنوان "للتاريخ إضاءة"، وبعدها بدأ الاختمار والبحث والإعداد لهذا الكتاب، في رحلة دامت سنتين".
احتوى القسم الثاني على نماذج تطبيقية، والتي يشير إليها بقوله "انطلقت المسيرة في مجلة زمان، وانطلق معها التمرين الهادف إلى جعل البنية شارحة للظرفية عبر عمود للتاريخ إضاءة. وكان الطموح منذ البداية واضحاً؛ السعي إلى تطوير التمرين وصقل التجربة، بعد أن تتحول الإضاءة من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع مع تعاقب الشهور وتوالي الأعداد. وتترسخ معها فكرة أن للتاريخ عِبره بكل تأكيد، لكن له أيضاً أدواته وآلياته لتقديم عناصر إجابة وفهم لما يعتصر العصر من تعقيدات، ذلك أن فكّ كومة تعقيدها لا تستقيم خارج السياق التاريخي المفسر للمستبطن والخفي فيها، الكاشف لبيئة الاستنبات ومنحى التبلور ومسار التطور".
يُذكر أن الطيب بياض صدر له العديد من الأبحاث والمقالات، ومن مؤلّفاته "المخزن والضريبة والاستعمار، ضريبة الترتيب 1880-1915"، و"رحالة مغاربة في أوروبا: بين القرنين السابع عشر والعشرين – تمثلات ومواقف".