ويمكن اعتبار تشكيلة الحكومة المؤقتة توضيحاً للاستراتيجية المحتملة لـ"العدالة والتنمية" في الانتخابات المقبلة. فباستثناء وزيري حزب "الشعوب الديمقراطي" (الغالبية الكردية)، تميّزت التشكيلة الحكومية بكونها تجمع مختلف تيارات اليمين التركي، سواء الإسلامي أو القومي، والتي يبدو أنّ "العدالة والتنمية" سيركّز للحصول على أصواتها، إضافة إلى محاولة استعادة أصوات اليمين الكردية التي تبدو صعبة، حتى الآن، في ضوء استطلاعات الرأي الأخيرة.
وضمّت الحكومة المؤقتة، توغرول توركيش، نائباً لرئيس مجلس الوزراء ومسؤولاً عن شؤون مجلس الأمن القومي والقضية القبرصية. ويعتبر توركيش شخصية مهمة كونه ابن مؤسس حزب "الحركة القومية" (يميني متطرف)، ألب أرسلان توركيش. وعلى الرغم من التسريبات التي تحدثت عن احتمال انضمام توركيش إلى "العدالة والتنمية"، نفى الأخير وداود أوغلو ذلك. كما تسلّم يالتشين طوبجو حقيبة الثقافة والسياحة، الذي كان في وقت سابق رئيس حزب "الاتحاد الكبير" (قومي إسلامي) الذي تأسس عام 1993 بعد الانشقاق عن "الحركة القومية". وكانت عائشة غورجان، وزيرة العائلة والشؤون الاجتماعية، أول وزيرة محجبة في تاريخ الجمهورية، في حين تسلم حقائب المستقلين نواب سابقون عن "العدالة والتنمية" وهما كل من قطب الدين أرزو، وزيراً للزراعة، وعلي رضا ألابويون، وزيراً للطاقة.
ويأتي هذا، في ظلّ تواتر المعلومات عن احتمال دخول "العدالة والتنمية" الانتخابات بالتحالف مع حزب "السعادة"، الذي يعتبر الوريث الشرعي لحركة "ميلي غوروش" أو "الرؤية القومية" التي أسّسها رئيس الوزراء التركي الراحل، نجم الدين أربكان، وانشقت عنها قيادات "العدالة والتنمية" عام 2001. وعلى الرغم من تأكيد رئيس "حزب السعادة"، مصطفى كمالاك، عدم وجود أية اتصالات مباشرة حتى الآن في هذا الشأن، إلا أنه يجري الحديث عن احتمال ترشيح خمسة أعضاء عن حزب "السعادة" على قائمة "العدالة والتنمية" في بعض المدن، كأنقرة وقونيا وإسطنبول. كما لوّح كمالاك، أخيراً، إلى أن حزبه يناقش دخول الانتخابات على أساس قائمة مستقلين عوضاً عن القائمة الحزبية التي أبقته خارج البرلمان في الانتخابات السابقة بسبب العتبة الانتخابية.
اقرأ أيضاً: ولادة الحكومة المؤقتة في تركيا
وعلى الرغم من أنّه يُستبعد أن يقوم "العدالة والتنمية" بالتحالف بشكل رسمي مع حزب "السعادة"، إلّا أنّه قد يلجأ إلى خطط بديلة للحصول على أصوات أنصار التحالف الكبير، الذي تشكّل في الانتخابات الأخيرة بين كل من "السعادة" وحزب "الاتحاد الكبير"، وحصل على 1.5 في المائة من الأصوات، عبر ترشيح شخصيات كبيرة من حركة "الرؤية القومية" على قائمته، كما فعل بتسليم القائد السابق لحزب "الاتحاد الكبير" وزارة الثقافة والسياحة، إذ إن الخلافات، على الأقل في الشأن الخارجي، تبدو أكبر من أن يتم ردمها، خصوصاً وأن "السعادة" يتّخذ موقفاً داعماً للنظام السوري وإيران.
وتركزت خسارة "العدالة والتنمية" في الانتخابات السابقة لكل من أصوات اليمين الكردي بنسبة 4 في المائة لصالح حزب "الشعوب الديمقراطي"، و3 في المائة لصالح حزب "الحركة القومية". واعتماداً على نتائج الانتخابات البرلمانية السابقة، يمكن تقدير أصوات اليمين التركي بما يقارب الستين في المائة من عموم أصوات الأتراك، حصل منها "العدالة والتنمية" على ما يقارب الـ41 في المائة، ما يبقي له مجالاً واسعاً للحصول على نسبة متزايدة من أصوات كل من حزب "الحركة القومية" وحزب "السعادة" وحزب "الاتحاد الكبير".
وفي ما يخصّ أصوات اليمين الكردي، وعلى الرغم من كون الوزارات التي حصل عليها "الشعوب الديمقراطي"، غير ذات أهمية أو حتى مجمّدة، كوزارة التنمية ووزارة الاتحاد الأوروبي، كان داود أوغلو واضحاً في اعتبار هذه الوزارات "فخاً" لامتحان مدى صدق حزب "الشعوب الديمقراطي" في الدعوة إلى السلام.
واعتبر داود أوغلو في حديث تلفزيوني بعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة، أنّ تسلُّم النائب عن "الشعوب الديمقراطي"، علي حيدر، وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي يحمل رسالة مزدوجة، الأولى هي للاتحاد الأوروبي، كدليل على مدى صدقية الديمقراطية التركية عبر تسلّم حزب يعتبر الأكثر إثارة للجدل في البلاد لوزارة، كما سيكون امتحاناً لـ"الشعوب الديمقراطي"، قائلاً: "أتمنى من علي حيدر ألا يضعف تمثيلنا الخارجي عندما يذهب إلى بروكسل، عبر القول إن الحكم في تركيا يجب ألا يكون بهذا الشكل، وعليه أن يكون بشكل آخر، ولن أتساهل أبداً إن حصل أمر كهذا".
وفي ما يخص وزارة التنمية التي تسلمها مسلم دوغان، قال داود أوغلو في الحديث ذاته، "بعدما تسلموا وزارة التنمية، سنرى كيف سيتصرف حزب الشعوب الديمقراطي إزاء من يقومون بمهاجمة الذين يعملون في إنشاء السدود والذين يحرقون الشاحنات"، متسائلاً: "هل سيدعمون الكردستاني أم سيقولون له اسحب قواتك؟ سنرى إن كانوا يريدون الديمقراطية حقاً".
اقرأ أيضاً أردوغان: الانتخابات المقبلة ستكون اختياراً بين الاستقرار والفوضى