لا يختلف واقع أطفال الجزائر العاملين عمّا يعانيه أقرانهم في بلدان أخرى، في سوق الشغل التي اضطروا إلى دخولها مبكراً. لكنّ الأمر ليس مهمَلاً هنا، إذ ثمّة هيئات تنشط لوضع حدّ لعمالة الصغار.
بالآلاف يتوجّهون إلى سوق العمل على الرغم من سنّهم الصغيرة، التي لا تتجاوز 15 عاماً. من هؤلاء من هو مرغم نتيجة ظروف اجتماعية قاهرة، فيما يفرض الواقع توجّه آخرين من المتسرّبين من المدارس نحو سوق الشغل المفتوحة لهم على مصراعَيها، خصوصاً في القطاع الخاص.
تشير الأرقام غير الرسمية إلى أكثر من مليون و600 ألف طفل يشتغلون في قطاعات عدّة، لا سيّما في الأسواق وفي ورش البناء والمشروعات الخاصة. وهذا واقع يهدد الطفولة الجزائرية ويتعدى على براءة الأطفال، فتلك السواعد الصغيرة والأجساد النحيلة خرجت للعمل بطرق غير شرعية في "العمالة الرخيصة".
وهذا الواقع المخيف يفتح الباب أمام قلق مجتمعي يعبّر عنه بعض المعنيين، لا سيما الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل (ندى) التي تهتم بقضايا الطفولة في الجزائر. فقد طالبت شبكة "ندى" بإعداد برنامج تربوي وتوعوي لفائدة الأطفال في سوق العمل الموازية، يُطلَق قريباً على مستوى ولايات جزائرية نموذجية، وهي العاصمة الجزائرية وتيزي وزو والبليدة وبومرداس والبويرة.
والبرنامج يهدف بحسب رئيس الشبكة عبد الرحمن عرعار إلى "وقاية الأطفال من استغلالهم في السوق الموازية، ومتابعة بعض حالات المراهقين المسجّلة في سوق العمل، خصوصاً في مجالات الفلاحة والنشاط التجاري والبناء وغيرها من القطاعات، التي تستغل الأجساد الصغيرة في أشغال كبرى". يضيف عرعار لـ "العربي الجديد" أنّه "لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر. فالشبكة تلقّت 160 ألف ملف طلب مساعدة من قبل الأسر لإنقاذ أبنائها الذين يُستغلّون في مناحٍ متعددة وقد تعرّضوا فيها إلى اعتداءات تمثّل خطراً معنوياً عليهم". ويلفت إلى أنّ البرنامج يشمل كذلك "تنظيم دورات تكوينية (تدريبية) لفائدة الأولياء يديرها مدرّبون تابعون لشبكة ندى، بمساهمة من جمعيات تعمل في مجال التكفل بالطفولة".
وكانت الشبكة قد أعدّت مجموعة من القوانين والسياسات الوطنية، التي تتضمن "آليات حماية الطفولة ومنع الممارسات التي تضر بهذه الشريحة من المجتمع". لكنّ المشكلة، بحسب عرعار، هي في "تنفيذ هذه القوانين على الأرض وتطبيقها في الميدان وتفعيل العمل بها على مستوى مختلف ولايات الوطن"، ويقرّ بأنّ "العمل بها يظلّ ضئيلاً أو ضعيفاً بالمقارنة مع مختلف الآليات المتعلقة بحماية المراهقين من المخدرات، وغيرها من الآفات التي باتت تهدّد هذه الشريحة".
ودعت الشبكة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين المعنيين جميعاً إلى التدخل واتخاذ إجراءات عاجلة بهدف حلّ عشرات المشاكل، التي تتضمنها ملفات تعمل عليها الشبكة على مستوى مناطق مختلفة من الوطن، خصوصاً ما يدخل في إطار "استغلال الأطفال في السوق الموازية". ودعت إلى "استحداث آلية متخصصة في رقابة عمالة الأطفال في السوق الموازية، بالإضافة إلى إعداد مسح وطني حول الأطفال في هذه السوق عبر توفير معطيات حول أوضاعهم تمكّن من تحديد مخططات عمل موجّهة لمكافحة ذلك".
في السياق نفسه، كان منسق برنامج "ندى" الخاص بمكافحة ظاهرة عمالة الأطفال في الجزائر، الدكتور مزغيش الياس، قد كشف عن أنّ البرنامج في خطوته الأولى يستهدف نحو ألف و500 طفل موزّعين في مختلف الولايات، مع التشديد على ضرورة مرافقة أولياء الأمور لحثّهم على "حماية الأطفال" من التوجّه المبكر إلى سوق العمل.
من جهته، يقول المتخصص التربوي، الهاشمي سياري، لـ "العربي الجديد"، إنّ "التسرّب المدرسي المبكر يدفع بكثيرين نحو سوق الشغل المحفوفة بكل أنواع المخاطر، لا سيّما وأنّ هذه السوق تتضمّن مجالات بعيدة عن العمل القانوني". ويلفت إلى أنّ "التسرّب المدرسي أوجد واقعاً مريراً، خصوصاً بالنسبة إلى العائلات الفقيرة التي تفرض على أبنائها التوجّه للعمل من أجل حفنة دنانير".
إلى ذلك، يشدد سياري على "ضرورة توجيه التلاميذ الراسبين نحو مراكز التكوين المهني في مختلف ولايات الوطن. فهي تضمن للمتسرّبين من المدارس أن يحظوا بتكوين في مجالات مختلفة. وهي تدريبات تؤمّن لهم تكويناً في مهن متعددة تضمن لهم مستقبلهم وتبعدهم عن فضاءات الجريمة".
أمّا المحامية، سعيدة لعروسي، فتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الأطفال في سوق العمل، خصوصاً الشريحة التي تتراوح أعمار الصغار فيها ما بين 10 و15 عاماً، الذين يشتغلون لدى الخواص لا يستفيدون من التأمين والضمان الاجتماعي، نظراً إلى أنّهم لا يستوفون شرط السنّ القانونية لدخول العمل. وهو ما يعني أنّ ربّ العمل لا يصرّح عنهم، فيبقون بعيدين عن أعين الرقابة وخارج إطار القوانين".