الخبز الشمسي، أو كما يسميه المصريون "العيش"، من أقدم أنواع المخبوزات المنزلية التي تشتهر بها محافظات صعيد مصر، ذلك الرغيف الضخم الذي كانت تخبزه ربة المنزل لتكفي احتياجاتها، وذلك قبل ظهور الرغيف البلدي الحكومي في أغلب القرى.
ولكن بعد انتشار الأفران، بدأت المرأة الصعيدية التوجه إلى منافذ البيع، لأنه يريحها من عملية العجن والوقوف أمام الفرن المنزلي كل يوم، ولكن مع الأزمات الاقتصادية المتنوعة التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة، أصبح الرغيف الحكومي ضئيلاً وامتدت طوابيره ساعات، فعاد الرغيف الشمسي للظهور.
ويعتبر العيش الشمسي وقود الحياة لدى الصعايدة، فهو ذو طعم طازج مميز وشكل مستدير مرتفع، والقيمة الغذائية العالية التي ساعدت أهالي الصعيد على مقاومة حرارة الشمس القاسية وصعوبة المعيشة. وهو الغذاء الرئيسي اليومي على المائدة الصعيدية فلا تخلو واحدة منه، عكس محافظات الدلتا التي تعتمد على الأرز وجبة رئيسية، وهو لا يكلف الأسرة كثيراً ومكوناته من "دقيق قمح، ماء دافئ للعجن، ملعقة كبيرة خميرة، ملح، ردة أو نخالة القمح".
ويعد العيش الشمسي الاختبار الأساس للفتاة الصعيدية، إذ لا بد أن تتعلم طريقة صنعه قبل الزفاف، وإلا فلن يكتمل زفافها، لأنه من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها أو تعويضها ببديل آخر في البيوت الصعيدية فلا يقبل أي زوج أي فتاة أن تكون زوجته، وهي لا تجيد عمل العيش الشمسي.
صناعة تراثية
تمر صناعة العيش الشمسي بستّ مراحل، تبدأ بعمل عجينة الخميرة في الليلة السابقة ليوم الخبيز، إذ يتم وضع الخميرة في إناء صغير، ويضاف كيلوجرام من الدقيق وكمية من الماء الدافئ، وتعجن المكونات حتى تصبح العجينة سائلة، ثم يُغطى الإناء بغطاء محكم ويُترك حتى صباح اليوم التالي.
في الصباح تقوم السيدة بالعجن الذي يستغرق ساعة تقريباً، وبعدها يقطع العجين إلى أقراص دائرية صغيرة وتوضع على سطح مستدير، مرشوش بالردة، ثم يوضع العيش تحت أشعة الشمس حتى يختمر. وتقوم إحدى الفتيات المشاركات في العجين بعملية التجريح بواسطة شوكة نخيل أو إبرة خياطة نظيفة، والتجريح هو عمل خط دائري حول قرص العجين يطلق عليه "شق الرغيف"، ثم يوضع الخبز في الفرن البلدي ذي الحرارة العالية ليخرج بعدها العيش طازجًا، له رائحة شهية ومذاق جميل.
وتعد عملية التجريح بواسطة سلاعة "شوكة نخيل" عادة تراثية، والتجريح عبارة عن عمل خط دائري حول قرص العجين، وفي المنتصف يتم عمل الرقم 11، والخط الدائري هو معتقد فرعوني يرمز إلى الإله "رع" رمز قرص الشمس.
فوائد صحية
تعتمد فكرة إنضاج العيش في الشمس على أن حرارتها تقتل أنواعًا كثيرة من البكتيريا التي تنشأ أثناء تخمر الخبز، وفوائد العيش الشمسي لا تقل عن فوائد العنصر الأساسي فيه وهو القمح، فهو يجدد الدماء في الجسم، ويعطيه ما يحتاجه من سعرات حرارية وفيتامينات ومعادن، ويمنع فقر الدم وينقيه، وله دور فعال في تهدئة السعال والزكام، ويساعد على تنظيف المجاري البولية.
وكانت دراسة أميركية كشفت عن وجود عنصر طبيعي نشط في حبوب القمح الكاملة، يملك القدرة على قتل خلايا السرطان من خلال خصائصه المضادة للأكسدة والقاتلة للأورام السرطانية، وهو ما لا يتوافر عادة في المنتجات المعالجة أو المصفاة كالخبز الأبيض.
تصدير العيش الشمسي إلى القاهرة
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في مصر، بدأت غالبية الأسر في الصعيد بصناعة العيش الشمسي والمتاجرة به وبيعه في الأسواق، بل وبات يصدر بشكل يومي إلى أسواق القاهرة، في المنيب وفيصل والهرم والمرج، حيث يقبل عليه أبناء الصعيد المقيمون في القاهرة، وفق ما يقوله محمد توفيق، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن العيش الشمسي بات مصدر رزق للأسر الصعيدية التي تعاني الفقر والبطالة.