عند مدخل "النادي الفلسطيني" في عاصمة تشيلي، سانتياغو، تقابلك جدارية للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، معتمرا كوفيته التي عُرف بها. فوق المدخل يرفرف علم فلسطين بجانب علم تشيلي. ولأنك قبل الولوج إلى هذا النادي سمعت من أصدقاء وقرأت عن جالية فلسطينية وناديها لكرة القدم، فستجد نفسك أمام شيء مختلف تماما عن الرواية الشفوية.
الدخول إلى النادي لم يكن بموعد، والحراسة، موظفون تشيليون، سئلت عما أريد، إذ لا أحد من الداخلين أصلا يتوقف، فهم يمررون بطاقاتهم الشبيهة ببوابات الصعود إلى الطائرات، ويختفون كل حسب ما يهدف إليه، وبعد أن ذكرت بعض الأسماء من الإدارة، حيث جرى اتفاق سابق مع عديد الأصدقاء قبل القدوم من ليما لزيارة النادي، وجدت نفسي أقف تماما عند مجسم الطائرة.
انعطفت يمينا بدل الولوج إلى المكاتب لأجد مقهى أمام ملاعب كرة تنس في صباح باكر. ملاعب بالمعنى الحرفي وعلى نسق دولي تقام عليه بطولات تشيلية ودولية.. فيما الآن يمارسها تشيليون عرب، بمعنى أن معظم من هم من أصول عربية يرتادون هذا النادي، وخصوصا من دول المشرق العربي المتصاهرة أو ذات الأصل الواحد في "بلاد الشام"، باعتبار الهجرات الأولى كانت في أغلبها بجوازات عثمانية، وصارت قصة تسمية هؤلاء بالأتراك معروفة قبل أن يثبت الفلسطينيون فلسطينيتهم في تشيلي وغيرها.
ناد مترامي الأطراف
في النادي وعلى طاولات يجتمع حولها أصدقاء من مهاجرين أبناء وأحفاد أحفاد القدامى وجدت نفسي على طاولة بضعة رجال من أعمار مختلفة، أغلبهم لا يتحدث العربية سوى بضع كلمات فلسطينية نسميها "شوارعية" مع بعض قهقهة العارفين بتلك المفردات، فيما جورج الحذوة، رئيس "جمعية أولاد بيت جالا" يقول "أنت على طاولة بيت جالا الآن"، وجورج يتحدث العربية أفضل من هنري، مصمم قمصان "الفلسطيني"، والفلسطيني هنا كناية عن فريق كرة القدم الذي أسسه الفلسطينيون في هذا البلد قبل نحو 100 عام.
لم يكن سرا أن "تنافسا" يجري بين أبناء بيت جالا وبيت لحم، لكن بكثير من الدعابة. وسرعان ما تغيب مشاعر الغربة عن بلد ومكان قرأت عنه وأنت فيه الآن. يتسع النادي لأربعة ملاعب تدريب كرة قدم وعدد من ملاعب التنس ومسبح أولمبي وقاعة تستجيب للشروط لكرتي السلة واليد بمدرجات تتسع لجمهور كبير وقاعات تدريب لياقة وعدد من المطاعم المتخصصة بالمأكولات الفلسطينية القديمة المحافظة على نفسها منذ بداية هجرتهم، هذا عدا عن مسبح الأطفال الذي يحمل خارطة فلسطين مكونة من قطع صغيرة تتوسط بركة كبيرة.
اقــرأ أيضاً
أصل القصة
نستمع لصالح جابر ازرين، 84 سنة، مولود في شمال تشيلي من أسرة يعود أصلها لبيت جالا، وقد تعلم العربية في المدرسة الأميرية ببيت جالا كما أراد له أبوه قبل أن يعود إلى أسرته. صالح هو الرئيس الفخري مدى الحياة لهذا النادي، لكثرة ما قدمه من جهود في توسيعه وترسيخ نادي كرة القدم الذي ترأسه بين 1998 و2014 مع هيئة إدراية من 20 عضوا، فهنا يتبع نادي كرة القدم للنادي الفلسطيني.
يذكر صالح والتسعيني زكي عواد خميس ورئيس النادي الفلسطيني موريس خميس ماصو وأليخاندرو قرمش قسيس، المدير العام التنفيذي، أن قصة النادي المسمى "الفلسطيني" تعود إلى أكثر من 100 سنة خلت من خلال اهتمام المهاجرين الأوائل بالرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، شأنهم شأن بقية التشيليين وأميركا اللاتينية عموما "ففي بداية القرن العشرين "كان الفلسطينيون يلعبون فرادى في فرق محلية قبل أن يقرروا أن الوقت حان لأن يؤسسوا ناديهم تحت مسمى (الفلسطيني) وهو المستمر حتى اليوم، وقد لعب في الدرجة الأولى الممتازة وفاز ببطولة تشيلي لكرة القدم مرات عديدة"، بحسب ما يذهب صالح في شرحه لبدايات هذا النادي الذي عرفه كطفل صغير قبل أن يصل إلى رئاسته. ومن المثير أنه حتى الأطفال الصغار من أصول فلسطينية يدركون أسماء لاعبي الفريق و"كثيرا ما يبكي هؤلاء إن خسر أو تعثر الفلسطيني، فتعلق فلسطينيي تشيلي بفريقهم يعبر فعلا عن مقولة أنه ليس فريقا فقط بل قصة شعب"، في رواية التسعيني عواد من ذاكرته مع تقاطر الناس لدعم نادي كرة القدم.
وشكل "الفلسطيني" كنادي كرة قدم ملتقى اجتماعيا بالنسبة لأوائل مهاجري تشيلي من فلسطينيي القرن التاسع عشر وبداية العشرين، "ومن هنا جاءت فكرة هذا النادي الذي تأسس على أرض ابتاعها الفلسطينيون من جيوبهم، فقد كانت الأسر الفلسطينية تلتقي اجتماعيا في بعض البيوت قبل أن يبادروا إلى شراء قطعة أرض ضخمة في هذه الضاحية الشمالية للعاصمة سانتياغو"، على ما يذكر رئيس النادي حاليا (المنتخب مع الهيئة الإدارية للفترة بين 2017 و2020) موريس خميس. ويردف خميس أن "مساحة النادي حاليا هي 100 ألف متر مربع، وكل هذه الأبنية المحيطة من عمارات وأسواق لم تكن بعد قد نشأت حين كانت الأرض في سبعينيات القرن الماضي ملكا للفلسطينيين، فحتى الشارع الرئيسي الذي يمر محاذاة النادي هو ملك له. وقد ساهم توافق أسرتي جارور (بيت لحم) وأبو مهر (بيت جالا)، من خلال رجل الأعمال كارلوس أبو مهر توما على شراء الأرض في تعمير وإنشاء النادي الفلسطيني بدل النادي القديم والصغير في سانتو ديمنغو، حيث كان أيضا ملتقى لمنظمات وجمعيات عربية مختلفة تحت مسمى فاراب، إلى أن انتقلنا تحت ذات المسمى النادي الفلسطيني الذي أخذ ذات الاسم منذ 1928".
ويذكر المدير التنفيذي للنادي أليخاندرو قرمش أثناء جولة على أقسام النادي أن "الارتباط وثيق بين نادي الفلسطيني لكرة القدم والنادي بشكل عام، وكل تدريباتهم تجري في الملاعب التي يحتويها النادي، ولأجل ردف الفريق بأجيال جديدة تجد الصغار يقدمون على التدرب هنا، وبإشراف احترافي ليصبحوا لاحقا جزءا من الفريق". ويضيف قرمش "كل ما تراه من بنية تحتية وملاعب قام الفلسطينيون بأنفسهم بتعميرها، لم يكن في هذه الأرض شيئ، فحتى الشجر نحن من زرعناه، بما فيه الزيتون الذي نزرع منذ إعلان الاستقلال الفلسطيني في 1988 شجرة كل عام بالمناسبة".
ينظر صالح جابر ازرين إلى النادي كـ "دولة مصغرة نديرها بأنفسنا إلى أن وصلت خلال العقدين الماضيين إلى ما هي عليه اليوم، وبكل أسف لم يسمح للفلسطينيين ببناء دولتهم المستقلة بعد فيما في الغربة نحن نبني ونعمر دولا، كما ساهمنا في رفعة وازدهار الاقتصاد في تشيلي منذ أكثر من قرن حتى صار يقترن اسم الفلسطيني في هذا البلد بالكفاح والعمل، ويشار إلى التجربة كمثل يمكن أن تحتذيه جاليات أخرى وبل تشيليون آخرون في مسألة الانطلاق من الصفر".
وتبقى قصة الانطلاق وما وصلت إليه الجالية الفلسطينية، أو فلسطينيو تشيلي، قصة أخرى تستحق أن تروى على ألسنة أصحابها، ومن ساهم فيها من كبار السن في شهادات خاصة بـ"العربي الجديد"، إضافة إلى تصور الجيل الشاب لنفسه وهويته الممتزجة بين التشيلية والالتصاق بكل ما له علاقة بفلسطين.
اقــرأ أيضاً
ستقف مندهشا عند الطريق المؤدي إلى مكاتبه ومقاهيه وقاعاته وملاعبه، على يمينك ينتصب مجسم طائرة، على مقدمته خطت ريشة فنان علم فلسطين، وعلى جوانبها وأجنحتها أسماء مدن فلسطينية عديدة.. و"احترام" و"حب" باللغتين.. لتجد أن أطفالا صغارا، مع أجدادهم أو آبائهم، يلعبون تحتها وداخلها، فالمشهد ما يزال في بدايته، عن جالية لن نختلف كثيرا حول عددها المقدر بين 300 و400 ألف، بل سنتفق على ما يتفق عليه عرب اللاتينية: الجالية الفلسطينية، أو تشيليو فلسطين، كما يُسمون، "يقدمون نموذجا لما يجب أن تكون عليه مهاجر أبناء العرب".. فمن هنا انطلق في 2017 مهرجان "تقاليد" لربط الأجيال بثقافتها الأصلية.
الدخول إلى النادي لم يكن بموعد، والحراسة، موظفون تشيليون، سئلت عما أريد، إذ لا أحد من الداخلين أصلا يتوقف، فهم يمررون بطاقاتهم الشبيهة ببوابات الصعود إلى الطائرات، ويختفون كل حسب ما يهدف إليه، وبعد أن ذكرت بعض الأسماء من الإدارة، حيث جرى اتفاق سابق مع عديد الأصدقاء قبل القدوم من ليما لزيارة النادي، وجدت نفسي أقف تماما عند مجسم الطائرة.
انعطفت يمينا بدل الولوج إلى المكاتب لأجد مقهى أمام ملاعب كرة تنس في صباح باكر. ملاعب بالمعنى الحرفي وعلى نسق دولي تقام عليه بطولات تشيلية ودولية.. فيما الآن يمارسها تشيليون عرب، بمعنى أن معظم من هم من أصول عربية يرتادون هذا النادي، وخصوصا من دول المشرق العربي المتصاهرة أو ذات الأصل الواحد في "بلاد الشام"، باعتبار الهجرات الأولى كانت في أغلبها بجوازات عثمانية، وصارت قصة تسمية هؤلاء بالأتراك معروفة قبل أن يثبت الفلسطينيون فلسطينيتهم في تشيلي وغيرها.
ناد مترامي الأطراف
في النادي وعلى طاولات يجتمع حولها أصدقاء من مهاجرين أبناء وأحفاد أحفاد القدامى وجدت نفسي على طاولة بضعة رجال من أعمار مختلفة، أغلبهم لا يتحدث العربية سوى بضع كلمات فلسطينية نسميها "شوارعية" مع بعض قهقهة العارفين بتلك المفردات، فيما جورج الحذوة، رئيس "جمعية أولاد بيت جالا" يقول "أنت على طاولة بيت جالا الآن"، وجورج يتحدث العربية أفضل من هنري، مصمم قمصان "الفلسطيني"، والفلسطيني هنا كناية عن فريق كرة القدم الذي أسسه الفلسطينيون في هذا البلد قبل نحو 100 عام.
لم يكن سرا أن "تنافسا" يجري بين أبناء بيت جالا وبيت لحم، لكن بكثير من الدعابة. وسرعان ما تغيب مشاعر الغربة عن بلد ومكان قرأت عنه وأنت فيه الآن. يتسع النادي لأربعة ملاعب تدريب كرة قدم وعدد من ملاعب التنس ومسبح أولمبي وقاعة تستجيب للشروط لكرتي السلة واليد بمدرجات تتسع لجمهور كبير وقاعات تدريب لياقة وعدد من المطاعم المتخصصة بالمأكولات الفلسطينية القديمة المحافظة على نفسها منذ بداية هجرتهم، هذا عدا عن مسبح الأطفال الذي يحمل خارطة فلسطين مكونة من قطع صغيرة تتوسط بركة كبيرة.
نستمع لصالح جابر ازرين، 84 سنة، مولود في شمال تشيلي من أسرة يعود أصلها لبيت جالا، وقد تعلم العربية في المدرسة الأميرية ببيت جالا كما أراد له أبوه قبل أن يعود إلى أسرته. صالح هو الرئيس الفخري مدى الحياة لهذا النادي، لكثرة ما قدمه من جهود في توسيعه وترسيخ نادي كرة القدم الذي ترأسه بين 1998 و2014 مع هيئة إدراية من 20 عضوا، فهنا يتبع نادي كرة القدم للنادي الفلسطيني.
يذكر صالح والتسعيني زكي عواد خميس ورئيس النادي الفلسطيني موريس خميس ماصو وأليخاندرو قرمش قسيس، المدير العام التنفيذي، أن قصة النادي المسمى "الفلسطيني" تعود إلى أكثر من 100 سنة خلت من خلال اهتمام المهاجرين الأوائل بالرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، شأنهم شأن بقية التشيليين وأميركا اللاتينية عموما "ففي بداية القرن العشرين "كان الفلسطينيون يلعبون فرادى في فرق محلية قبل أن يقرروا أن الوقت حان لأن يؤسسوا ناديهم تحت مسمى (الفلسطيني) وهو المستمر حتى اليوم، وقد لعب في الدرجة الأولى الممتازة وفاز ببطولة تشيلي لكرة القدم مرات عديدة"، بحسب ما يذهب صالح في شرحه لبدايات هذا النادي الذي عرفه كطفل صغير قبل أن يصل إلى رئاسته. ومن المثير أنه حتى الأطفال الصغار من أصول فلسطينية يدركون أسماء لاعبي الفريق و"كثيرا ما يبكي هؤلاء إن خسر أو تعثر الفلسطيني، فتعلق فلسطينيي تشيلي بفريقهم يعبر فعلا عن مقولة أنه ليس فريقا فقط بل قصة شعب"، في رواية التسعيني عواد من ذاكرته مع تقاطر الناس لدعم نادي كرة القدم.
وشكل "الفلسطيني" كنادي كرة قدم ملتقى اجتماعيا بالنسبة لأوائل مهاجري تشيلي من فلسطينيي القرن التاسع عشر وبداية العشرين، "ومن هنا جاءت فكرة هذا النادي الذي تأسس على أرض ابتاعها الفلسطينيون من جيوبهم، فقد كانت الأسر الفلسطينية تلتقي اجتماعيا في بعض البيوت قبل أن يبادروا إلى شراء قطعة أرض ضخمة في هذه الضاحية الشمالية للعاصمة سانتياغو"، على ما يذكر رئيس النادي حاليا (المنتخب مع الهيئة الإدارية للفترة بين 2017 و2020) موريس خميس. ويردف خميس أن "مساحة النادي حاليا هي 100 ألف متر مربع، وكل هذه الأبنية المحيطة من عمارات وأسواق لم تكن بعد قد نشأت حين كانت الأرض في سبعينيات القرن الماضي ملكا للفلسطينيين، فحتى الشارع الرئيسي الذي يمر محاذاة النادي هو ملك له. وقد ساهم توافق أسرتي جارور (بيت لحم) وأبو مهر (بيت جالا)، من خلال رجل الأعمال كارلوس أبو مهر توما على شراء الأرض في تعمير وإنشاء النادي الفلسطيني بدل النادي القديم والصغير في سانتو ديمنغو، حيث كان أيضا ملتقى لمنظمات وجمعيات عربية مختلفة تحت مسمى فاراب، إلى أن انتقلنا تحت ذات المسمى النادي الفلسطيني الذي أخذ ذات الاسم منذ 1928".
ويذكر المدير التنفيذي للنادي أليخاندرو قرمش أثناء جولة على أقسام النادي أن "الارتباط وثيق بين نادي الفلسطيني لكرة القدم والنادي بشكل عام، وكل تدريباتهم تجري في الملاعب التي يحتويها النادي، ولأجل ردف الفريق بأجيال جديدة تجد الصغار يقدمون على التدرب هنا، وبإشراف احترافي ليصبحوا لاحقا جزءا من الفريق". ويضيف قرمش "كل ما تراه من بنية تحتية وملاعب قام الفلسطينيون بأنفسهم بتعميرها، لم يكن في هذه الأرض شيئ، فحتى الشجر نحن من زرعناه، بما فيه الزيتون الذي نزرع منذ إعلان الاستقلال الفلسطيني في 1988 شجرة كل عام بالمناسبة".
ينظر صالح جابر ازرين إلى النادي كـ "دولة مصغرة نديرها بأنفسنا إلى أن وصلت خلال العقدين الماضيين إلى ما هي عليه اليوم، وبكل أسف لم يسمح للفلسطينيين ببناء دولتهم المستقلة بعد فيما في الغربة نحن نبني ونعمر دولا، كما ساهمنا في رفعة وازدهار الاقتصاد في تشيلي منذ أكثر من قرن حتى صار يقترن اسم الفلسطيني في هذا البلد بالكفاح والعمل، ويشار إلى التجربة كمثل يمكن أن تحتذيه جاليات أخرى وبل تشيليون آخرون في مسألة الانطلاق من الصفر".
وتبقى قصة الانطلاق وما وصلت إليه الجالية الفلسطينية، أو فلسطينيو تشيلي، قصة أخرى تستحق أن تروى على ألسنة أصحابها، ومن ساهم فيها من كبار السن في شهادات خاصة بـ"العربي الجديد"، إضافة إلى تصور الجيل الشاب لنفسه وهويته الممتزجة بين التشيلية والالتصاق بكل ما له علاقة بفلسطين.