وفي سياق رسالته الأخيرة، أكد بن لادن، الذي حمل رسالة إلى الشعب الأميركي، انتصار "المجاهدين"، مشيراً إلى "مغالطات الرئيس الأميركي (باراك أوباما)" الذي تحدّث عن هزيمة تنظيم "القاعدة". وتوعّد بشنّ الهجمات ضد الولايات المتحدة ومصالحها في الخارج، من أجل "الثأر لمقتل والده على يد الأميركيين" في 2 مايو/أيار 2011.
حمزة بن لادن هو أحد أبناء أسامة بن لادن العشرين، ولد في عام 1991، وكان ظهوره الإعلامي الأبرز و"المبكر" بجوار والده في تسجيلات زواج أخيه محمد، في مدينة قندهار الأفغانية، عام 2001، عندما كان يبلغ من العمر 10 سنوات.
كان دور حمزة "مرسوماً" منذ أن كان والده حياً، إذ كان زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن يطمح، بحسب مراسلاته مع أحد رجاله، عطية الله الليبي، لأن "يقوم ابنه حمزة بأداء دور بارز في الجهاد العالمي، يتمثل في دراسة الشريعة الإسلامية، ومحاولة تصحيح الجهاد على ضوئها"، حسبما ذكرت "وثائق آبوت أباد" (مراسلات بن لادن التي أفرجت عنها الاستخبارات الأميركية).
شارك حمزة، في طفولته، بحمل السلاح مع حركة "طالبان"، وبُثت تقارير إخبارية آنذاك، تظهره حاملاً السلاح، مع ثلاثة من أشقائه (محمد، وخالد، ولادن)، بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان (2001). كما ظهر لاحقاً، في عام 2005، وهو يشارك في اعتداء على القوات الباكستانية، في منطقة وزيرستان، على الحدود الباكستانية ــ الأفغانية.
لا أحد يعرف على سبيل الدقة، المنطقة التي يتواجد فيها حمزة بن لادن الآن، وإذا ما كان قد غادر إلى إيران مع والدته، خيرية صابر، بعد انهيار حكم الحركة في أفغانستان، عام 2001. حتى أن والده، قبيل اغتياله، كان غير متأكد ما إذا كان ابنه في وزيرستان، أو غادرها، وكان ينصحه بمغادرتها، وعدم الذهاب إليها، والتوجه إلى بيشاور، بحسب "وثائق آبوت أباد".
وكان الأميركيون يعتقدون أن حمزة بن لادن يسكن مع والده، في المجمع السكني، في آبوت أباد، والذي تم استهدافه بعملية كوماندوس في 2011، أدت لاغتياله. ووضعوا سيناريوهات، تحاول تفسير عدم وجوده في المجمع السكني، لحظة استهدافه، من ضمنها احتمالية هربه أو وجود أنفاق سرية للهرب من المجمّع، الافتراضات التي تبيّن خطؤها لاحقاً، إذ يُرجّح أن حمزة لم يسكن في مجمع آبوت أباد نهائياً.
وتعتقد الاستخبارات الأميركية، بحسب تسريبات صحافية، أن حمزة بن لادن لا يؤدي حالياً دوراً قيادياً كبيراً في تنظيم "القاعدة"، لكنه يملك ما يجعله كذلك في المستقبل. فانتماؤه لعائلة بن لادن، وصغر سنه، ونشأته في أجواء معارك بين أفغانستان وباكستان، تؤهله لقيادة التنظيم مستقبلاً.
مع ذلك، تبدو ملامح العلاقة بين حمزة بن لادن، وزعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، غير واضحة، لكنها لا تبدو كأنها علاقة تنافس أو صراع، بسبب عدم وجود سلطة حقيقية بيد الظواهري. ويحاول حمزة بن لادن، كما تُظهر التسجيلات الصوتية الأخيرة له، استغلال رمزية والده، لترسيخ حضوره إعلامياً. فقد أكد في تسجيله الأخير أن "القاعدة سيقوم بالثأر لمقتل أسامة بن لادن"، الذي وصفه بـ"إمام الجهاد المعاصر". وقبلها حاول حمزة أن يركز في خطابه على القضية الفلسطينية، كما فعل والده من قبل، بالإضافة إلى رسائله الداعية إلى الوحدة، بين الفصائل السورية، وتهديداته للشعب الأميركي، ومحاولة تأكيده انتصار الجهاديين منذ 2001. هنا يأتي التساؤل حول حجم "القاعدة" اليوم، ومستقبلها في المنطقة، في ظل خطف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الأضواء في السنوات الخمس الأخيرة.
في عام 2001، خسر "القاعدة" أفغانستان، التي لم تعد تُشكّل ملاذاً آمناً لقادته، وفقد بالتالي نقطة مركزية لإدارة شؤونه، انطلاقاً من "الإعلان عن الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والمسيحيين" في عام 1998، إثر اندماج "القاعدة"، بزعامة بن لادن، و"حركة الجهاد الإسلامي" المصرية بزعامة الظواهري. لكن سرعان ما طغى اسم "القاعدة" على الساحة، وتم تناسي الجبهة التي أعلنت عن هجمات عدة ضد الولايات المتحدة نهاية التسعينيات.
وقد تعرّض التنظيم لنكبات عدة، بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001، ثم إسقاط حكم حركة "طالبان" في أفغانستان، والتضييق على التنظيم في السعودية بين 2003 و2006، حتى صعود "داعش" في العراق وسورية، وهيمنته على الساحة "الجهادية" العالمية. ويمكن وصف "القاعدة" اليوم، بأنه في حالة هدوء وترقب، ومستقبله معلق إلى حد كبير بما سيحدث مع عدوه اللدود، ومنافسه الشرس، "داعش"، ومسار الأحداث في سورية واليمن.
الملاحظ في خطابات حمزة بن لادن، تجنبه الإشارة إلى "داعش"، وزعيمه أبو بكر البغدادي، ربما لحسابات خاصة، إذ يطمح "القاعدة" لاستيعاب "المهزومين" في "داعش"، وفقاً له، من القتال في العراق وسورية، مع العلم بأن "داعش"، وعلى عكس ما هو متوقع، لم يكن حليفاً لـ"القاعدة"، بل عدواً لدوداً، لا سيما في سورية.
وما زاد في حدة التنافس، هو تراجع قوة "القاعدة" خلال العقد الماضي، وأصبحت زعامة الظواهري، أقرب للرمزية، في ظلّ الملاحقة الأمنية لقادته، واستمرار التنظيم بالعمل في ثلاث مناطق جغرافية، متباعدة. فلم يتبقَّ من "القاعدة"، كتنظيم مسلح، إلا تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، بقيادة عبد الملك درودكال، وتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، بقيادة قاسم الريمي، بالإضافة إلى تواجد "القاعدة" الأساسي، على الحدود الأفغانية ــ الباكستانية، في ظلال حركة "طالبان". حتى "جبهة النصرة"، بقيادة أبو محمد الجولاني، في سورية، فقد أعلنت عن فك ارتباطها بالتنظيم الأم، من دون أن يكون ذلك كافياً بالنسبة إلى كثيرين لكي يعتبروا أن "جبهة فتح الشام"، أو "النصرة" مثلما كان اسمها حتى أيام خلت، صارت فعلاً تنظيماً مستقلاً عن "القاعدة". وعلى الرغم من شراسة أحداث 11 سبتمبر/أيلول في 2001، إلا أن السلطات الأمنية، في دول مختلفة، تمكنت سريعاً من تضييق الخناق على التنظيم لاحقاً.
كانت المواجهة الأكبر لتنظيم "القاعدة"، في الأراضي السعودية، والتي أفضت إلى مقتل أبرز قادة التنظيم، أمثال يوسف العييري، المنظّر والقائد العسكري، بالإضافة إلى عبد العزيز المقرن، وكل من أعلن التنظيم لاحقاً عن توليهم الزعامة في السعودية، لينتهي الحال بمعظم أعضاء "القاعدة" في السعودية، إما قتلى، أو قابعين في السجون، أو ملتحقين بالقتال في العراق (بالفترة اللاحقة للعام 2003)، أو هاربين إلى اليمن. وهناك أُعلن عن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، نهاية العقد الماضي، ليضمّ فرعي السعودية واليمن، تحت قيادة واحدة، كان من أبرزها، ناصر الوحيشي، وقاسم الريمي (المكنى بأبي هريرة الصنعاني)، الذي تولّى قيادة التنظيم بعد مقتل الأول بغارة أميركية في عام 2015، مع العلم بأن ملامح عدة لتنظيم "القاعدة" في اليمن، برزت في الجنوب اليمني، في ظلّ السيطرة على مناطق واسعة من حضرموت، قبل أن تطرده قوات التحالف العربي، من مدينة المكلا، في أبريل/نيسان الماضي. فالتنظيم مُتهم على نطاق واسع بأنه ألعوبة بيد الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، الذي كان يستخدمه كأداة لابتزاز السعودية، والولايات المتحدة، قبل ثورة الشعب اليمني في 2011. كما أن ضربات الطائرات من دون طيار الأميركية (الدرونز) ساهمت في تصفية قيادات التنظيم، وعلى رأسهم الوحيشي، وقبله، أنور العولقي، مما أدى إلى إضعاف التنظيم بصورة كبيرة.
وجاءت عمليات التحالف العربي في اليمن، بقيادة السعودية، لتزيد الأوضاع تعقيداً على حال التنظيم في اليمن، فـ"القاعدة" ترى السعودية كعدو، وتعادي الحوثيين أيضاً في الوقت عينه، مما جعل موقفها متأرجحاً من النزاع، ويتراوح بين الانسحاب والترقب، أو المشاركة في قتال الحوثيين بشكل متقطع، بحسب مراقبين وقيادات التنظيم أنفسهم.
ومن أهم دلالات ضعف التنظيم في اليمن والسعودية عجزه عن تنفيذ أي من تهديداته، لا سيما تهديده بالانتقام من إعدام السعودية، للعشرات من أعضاء وقادة التنظيم، مطلع العام الحالي، وأبرزهم، فارس آل شويل الزهراني (أو أبو جندل الأزدي)، المنظّر الشرعي الأبرز لـ"القاعدة" في السعودية.
وقد يكون تأسيس أبو محمد الجولاني "جبهة النصرة لأهل الشام" في 2012، مفصلاً أساسياً في مسار "القاعدة"، مع تضارب الروايات بين اعتبار الجولاني مبعوثاً وتابعاً لأبو بكر البغدادي، وبين كونه قد أنشأ "جبهة النصرة" كفرع لتنظيم لـ"القاعدة" من الأساس. لكن الأكيد أن الجولاني رفض إعلان أبو بكر البغدادي، إلغاء "جبهة النصرة"، ودمجها مع "دولة العراق الإسلامية"، لتصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) في أبريل/نيسان 2013، وأعلن الجولاني مباشرة رفضه أن يكون تابعاً للبغدادي، مفضّلاً مبايعة أيمن الظواهري، للتأكيد مجدداً على تبعية "جبهة النصرة" لتنظيم "القاعدة". لكن هذا القرار كلف الجولاني والثورة السورية الكثير، عدا عن المناوشات المتقطعة التي حدثت بين عناصر "النصرة" و"داعش"، وهو ما أفضى إلى الانقسام الداخلي في "الجبهة"، التي انشقّ الآلاف من عناصرها عنها، للانضمام إلى "داعش"، بعد رفض الجولاني مبايعة البغدادي.
وقد مثلت "جبهة النصرة" تجربة مختلفة عن "القاعدة"، وباتت أكثر التصاقاً بمحيطها المحلي، حتى أنها تُنتقد بشكل متكرر من عناصر "داعش"، باعتبارها "حريصة على مداراة حاضنتها الاجتماعية"، الأمر الذي لا يظهر أن "الدولة" مهجوس به.
الاختلاف الآخر الأهم لـ"جبهة النصرة"، عن سياق "داعش" و"القاعدة"، أنها لم تكن معنية، حتى إعلانها فك ارتباطها بـ"القاعدة" قبل أيام، بأي مشروع أممي، إذ يبدو وكأن الجولاني حصر عملياته في المجال السوري، وحتى استهدافه للبنان، يأتي في ظل القتال مع حزب الله في سورية.
لكن هذه الاختلافات لا تعني أن "جبهة النصرة" لم تمارس تطرفها على جمهورها، إذ تتهم بصورة متكررة بفرض أنماط حياتية متطرفة في مناطق سيطرتها، بالإضافة إلى دخولها في مناوشات مختلفة مع فصائل سورية أخرى، على الرغم من تعاونها في بعض الجبهات مع فصائل من الجيش الحر، و"حركة أحرار الشام".
في شمال أفريقيا، تبدو أوضاع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، مختلفة، فالتنظيم يبدو فاعلاً، على الرغم من اتخاذه الصحراء الكبرى مقراً له، ووقوعه بين مناطق نفوذ "داعش" في ليبيا، وامتداداتها المتمثلة في جماعة "بوكو حرام" في الغرب الأفريقي، لا سيما نيجيريا، إلا أن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تمكن من التمدد، واكتساب عناصر جدد، بعد انضمام جماعة "المرابطون" بقيادة مختار بلمختار إليه، وقيامه بتنفيذ عمليات في بوركينا فاسو ومالي.
ويعود تأسيس تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إلى عام 2007، عندما أعلنت "الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال"، مبايعة تنظيم "القاعدة"، على لسان أميرها عبدالمالك درودكال (أبو مصعب عبدالودود)، الذي استمرّ كالرجل الأبرز في التنظيم، حتى اللحظة.
ويتشكّل تنظيم "القاعدة" في المنطقة الواقعة بين المغرب والجزائر ومالي من كتائب عدة، تقودها شخصيات سلفية جهادية عديدة، أبرزها مختار بلمختار، وعبدالحميد أبو زيد، ويحيى جوادي. وفي الوقت الذي يتمتع فيه "داعش" بحضور كبير في ليبيا، يظهر أن تنظيم "القاعدة" يتخذ من الجنوب الجزائري مقراً له، ويتحرك في محيطه، تحديداً في مالي. ولا يُعرف على وجه الدقة مقدار القوة التي تتمتع بها الكتائب المختلفة التي تعمل تحت راية التنظيم هناك، إلا أن هناك العديد من المؤشرات التي تدل على قوته، واستقطابه عناصر جديدة، خصوصاً في مالي وجنوب الجزائر.