لا يتداول السوريون، مفردة "اللعنة" لوصف حالهم، في أدبياتهم. المرجّح أن تكون مفردات مثل المحنة، أو الكارثة، أو الدمار، أو الحطام، أو الخراب، أو أي واحدة من الكلمات التي تعبّر عن حال بلدهم هي السائدة، بعد أن كانوا، وما زال قسم كبير من بينهم، لا يتنازلون عن مفردة الثورة.
وليس اللافت أن يعتبر الصحافي العربي الحالة السورية "لعنة" وحسب، بل أن يرى أن اقتراب الإعلام في الغرب، من أحد الكتب التي تحاول رسم خريطة الدم السوري المُراق، من أي وجهة نظر كانت، نعمة وحظّاً تسبغه الصحافة على الكتابة. وهو ما حدث في مقالة الصحافي اللبناني عبده وازن عن كتاب الروائية السورية سمر يزبك "بوّابات أرض العدم".
من قبل، كان الكاتب العربي يظلّ مُهمَلاً، ومهمّشاً، إلى أن يأتي أحد من الغرب ليمتدح كتابه. وعندئذ، تحتفي به الصحافة العربية، والنقد أيضاً. أمّا الآن، فقد بتنا نسير في الاتجاه المعاكس: إذا اهتمت الصحافة الغربية بكتابه، ومدحه كتّاب من الغرب، فإن الكاتب أو الصحافي العربي سيضع ذلك في خانة أبراج الحظ التي انتشلته من الإهمال الذي كان يخطّط، عامداً، أو لا مبالياً لوضعه في ظلاله.
يمكن للمحنة السورية أن تصير لعنة حين يرفض هذا الكاتب العربي، أو ذاك، أن يكتب السوري عنها، وهو يضعه في هذا الحال أمام خيارين: فإذا لم يكتب عن الكارثة، فسيتّهمه بالتواطؤ، أو الجبن، أو التخاذل. وإذا كتب، فإنه سيتجاهل عمله، لأنه مشغول بالتصفيق لنص أجنبي يحكي عن مأساة رواندا. والمشكلة التي تؤرّق الناقد العربي هي أن صاحب النص الأجنبي ذاته، يمتدح النص العربي الجديد.
ما يكتبه السوريون عن المحنة أو الكارثة التي حلّت ببلادهم، ليس رغبة في الانتشار أو الخلود، بل هو سجل المحنة، والكارثة. إنه العين التي لا تريد أن تترك جزءاً من الحدث الكبير المريع المرعب، أن يمضي إلى النسيان. وكتاب سمر يزبك هو واحد من تلك الأعمال السورية التي تحاول أن تحفظ الوقائع من النسيان، أو تروي المحنة التي رأتها بأم العين. والأخطر هو أن توضع الكاتبة بعد ذلك في محنة موازية.
سيدقّ قلب السوري للسوري الذي يوصل الكلمات للعالم، فقد ازداد عليه هذا الكم المريع من التجاهل، والإهمال، والتواطؤ الإعلامي الذي ما فتئ يحاول تشويه الصورة في مفردات هجينة من نوع: اللعنة، أو الأزمة، أو العملية السياسية. أو غيرها من الأخوات اللغوية التي لا تريد للسوري أن يحكي عن الكارثة التي حلّت ببلاده.
وأكثر ما يمكن أن نفكّر فيه غرابة و"طرافة"، هو أن يكون الموقف ناجماً عن الحسد. وعندئذ، يضعنا الحسود في لحظة فارقة. هل يحسدنا على الكارثة؟ أم يحسدنا على "الفرصة التاريخية" التي مُنحت لنا؟ لم يكتب أي كاتب في فرنسا عن الكاتبة، بحسب المقال المذكور ذاته، بل عن الكتاب، فيما انشغل الصحافي العربي بوصف الملامح والصفات الشخصية. هذه هي اللعنة العربية.