02 نوفمبر 2024
"المؤشر العربي": التعصب ليس عربياً
كانت المسألة الدّينية، وما فتئت، من المسائل التي تثير اهتمام الدارسين للمجتمعات العربية، فالدين مكون مهم من مكونات الهوية العربية، ومن عناصر تشكل الإسهام العربي في التاريخ، وهو من الظواهر الحاضرة بشكل لافت في سلوك المجتمعات العربية اليوم، وله تمثلات مختلفة، وتجليات متعددة، في حياة الفرد والجماعة. وكثيراً ما كان تديّن العرب المعاصرين محل مقاربات معيارية، وموضوع أحكام قبلية، جاهزة لدى بعض المستشرقين، وأتباع لهم من "الحداثيين " العرب، الميّالين إلى تنميط شخصية المتدين العربي، وتقديمه في صورة متدين متطرف، لا يقبل الانفتاح على الآخر، ولا يرضى بالتعايش معه، والواقع خلاف ذلك.
يكفي أن نراجع "المؤشر العربي لعام 2015" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لنكتشف معالم مواطن عربي غير متعصب دينياً. وتمّت بلورة المؤشر بإجراء مقابلات مباشرة مع 18311 مستجيباً موزعين على 12دولة تمثّل 90% من مجموع سكان المنطقة العربية. وجرى في المؤشر استطلاع مواقف الرأي العام العربي من مسائل شتّى، سياسية، واقتصادية، وحقوقية، ودينية. وجاء في الباب الخامس المتعلق بدور الدين في الحياة العامة أن 87% من العرب يعتبرون أنفسهم متدينين. وفي مستوى توصيفهم درجة تدينهم يصف 63 % من هؤلاء أنفسهم بأنهم "متدينون إلى حدّ ما". في حين يصف 24 % منهم أنفسهم بأنهم "متدينون جدّاً" .ويقر 9% من المستجيبين بأنهم "غير متدينين". ومن ثمّة، فإنّ الدين ظاهرة حاضرة بشكل مكثف داخل المجتمع العربي، فالأكثرية متديّنة إلى حد ما، وغير المتدينين قلة، والملتزمون دينياً لم يتجاوزوا سقف 25% من مجموع العرب. وفي ذلك إخبار بحالة من التعددية والتنوع في مستوى تمثّل الدين في السياق العربي. وتتأكد هذه التعددية في مستوى تحديد الشعوب العربية الشرط الذي يجب توفره في الشخص حتى يُعتبر متديناً، فأفاد 39% من المستجيبين أن أهم شرط هو إقامة الفروض والعبادات، في حين رأى نحو نصف العرب 49% أن تحلّي الفرد بالصدق والأمانة وحسن معاملة الآخرين أهم شرط لاعتباره متديّناً، وذكر 12% منهم أن المتديّن هو من يصل الرحم، ويرعى الأقارب، ويساعد الفقراء والمحتاجين. وبذلك، يتبين أن 60% من العرب يصلون بين التدين والأخلاق النبيلة والقيم السامية وحسن معاملة الآخرين، والتديّن عندهم لا يعني بالضرورة الالتزام بالشعائر الدينية. وفي ذلك دليل على صعود موجة من التدين الحر، غير النمطي داخل المجتمعات العربية، تديّن يستمد شرعيته من روح النصوص الدينية، ومن البعد المقاصدي للدين القائم على إعلاء القيم الأخلاقية، ما يجعل التديّن صفة لا يحتكرها المتعبدون، ومن يصلون الإيمان بالعمل دون غيرهم بل يصبح التدين صفة يتصف بها من يفعل خيراً، ويتخلّق بأخلاق حميدة.
وفي سياق متصل، رفض أكثر مواطني المنطقة العربية (74%) الرأي القائل إن كل شخص
غير متدين هو بالتأكيد شخص سيئ، في مقابل تسليم 22% فقط بصحة هذا الزعم، وفي ذلك برهان على أن الأغلبية الساحقة من العرب لا تقبل إصدار أحكام قبلية على الناس من منظور ديني. فتقويم الأشخاص لا يتم بالتفتيش في مدى التزامهم الديني، لأن ذلك الأمر يبقى من خواصهم، ولا سبيل إلى أن يؤثر في علاقتهم بالآخرين، أو يؤدي إلى مقاطعتهم وإقصائهم بدعوى أنهم غير متدينين. وفي الشأن نفسه، قال أكثر العرب (55%) إن لا فرق لديهم في التعامل مع متدينين أو غير متدينين. وهو ما يُخبر بانفتاح العربي على الآخر، واستعداده للتواصل معه، بقطع النظر عن خلفيته الدينية أو المذهبية. ما ينفي عن معظم العرب التعصب للذات وإلغاء المخالف. وتفيد البيانات بأن أغلبية الرأي العام العربي (72%) توافق على أنه "ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى أديان أخرى". وفي ذلك تعبير عن توجه عربي غالب، ميال إلى الإيمان بثقافة الاختلاف والتسليم بالغيرية الدينية، مع عدم ادّعاء امتلاك الحقيقة. ويعد هذا التوجه ردّاً قوياً على كل محاولات الغلو في الدين، وعلى الجماعات الدينية المتطرفة التي تنصب نفسها وصية على الناس، وناطقة باسم الله. وجاء في المؤشر العربي أن 89% من العرب يعارضون داعش. ما يُفنّد الرأي القائل إنّ للتطرف الديني حاضنة اجتماعية عربية واسعة.
يمكن أن نخلص، من هذا الجهد الاستطلاعي الرائد للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى إثبات تهافت القول إن الشعوب العربية متعصبة دينياً، فقد بدا أن معظم العرب متدينون إلى حد ما، ميّالون إلى الاعتدال في فهم الدين واستحضاره، منفتحون على الآخر، متعاملون معه بقطع النظر عن خلفيته الدينية. وبدا التدين من عدمه، في السياق العربي المعاصر، شأناً شخصياً وفعلاً فردياً يخضع للتنسيب بامتياز. وبناء عليه، فإنّ معظم العرب في حِلّ من عقدة العنصرية الدينية، وفي حِلّ من هاجس ادعاء امتلاك الحقيقة باسم الدين.
يكفي أن نراجع "المؤشر العربي لعام 2015" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لنكتشف معالم مواطن عربي غير متعصب دينياً. وتمّت بلورة المؤشر بإجراء مقابلات مباشرة مع 18311 مستجيباً موزعين على 12دولة تمثّل 90% من مجموع سكان المنطقة العربية. وجرى في المؤشر استطلاع مواقف الرأي العام العربي من مسائل شتّى، سياسية، واقتصادية، وحقوقية، ودينية. وجاء في الباب الخامس المتعلق بدور الدين في الحياة العامة أن 87% من العرب يعتبرون أنفسهم متدينين. وفي مستوى توصيفهم درجة تدينهم يصف 63 % من هؤلاء أنفسهم بأنهم "متدينون إلى حدّ ما". في حين يصف 24 % منهم أنفسهم بأنهم "متدينون جدّاً" .ويقر 9% من المستجيبين بأنهم "غير متدينين". ومن ثمّة، فإنّ الدين ظاهرة حاضرة بشكل مكثف داخل المجتمع العربي، فالأكثرية متديّنة إلى حد ما، وغير المتدينين قلة، والملتزمون دينياً لم يتجاوزوا سقف 25% من مجموع العرب. وفي ذلك إخبار بحالة من التعددية والتنوع في مستوى تمثّل الدين في السياق العربي. وتتأكد هذه التعددية في مستوى تحديد الشعوب العربية الشرط الذي يجب توفره في الشخص حتى يُعتبر متديناً، فأفاد 39% من المستجيبين أن أهم شرط هو إقامة الفروض والعبادات، في حين رأى نحو نصف العرب 49% أن تحلّي الفرد بالصدق والأمانة وحسن معاملة الآخرين أهم شرط لاعتباره متديّناً، وذكر 12% منهم أن المتديّن هو من يصل الرحم، ويرعى الأقارب، ويساعد الفقراء والمحتاجين. وبذلك، يتبين أن 60% من العرب يصلون بين التدين والأخلاق النبيلة والقيم السامية وحسن معاملة الآخرين، والتديّن عندهم لا يعني بالضرورة الالتزام بالشعائر الدينية. وفي ذلك دليل على صعود موجة من التدين الحر، غير النمطي داخل المجتمعات العربية، تديّن يستمد شرعيته من روح النصوص الدينية، ومن البعد المقاصدي للدين القائم على إعلاء القيم الأخلاقية، ما يجعل التديّن صفة لا يحتكرها المتعبدون، ومن يصلون الإيمان بالعمل دون غيرهم بل يصبح التدين صفة يتصف بها من يفعل خيراً، ويتخلّق بأخلاق حميدة.
وفي سياق متصل، رفض أكثر مواطني المنطقة العربية (74%) الرأي القائل إن كل شخص
يمكن أن نخلص، من هذا الجهد الاستطلاعي الرائد للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى إثبات تهافت القول إن الشعوب العربية متعصبة دينياً، فقد بدا أن معظم العرب متدينون إلى حد ما، ميّالون إلى الاعتدال في فهم الدين واستحضاره، منفتحون على الآخر، متعاملون معه بقطع النظر عن خلفيته الدينية. وبدا التدين من عدمه، في السياق العربي المعاصر، شأناً شخصياً وفعلاً فردياً يخضع للتنسيب بامتياز. وبناء عليه، فإنّ معظم العرب في حِلّ من عقدة العنصرية الدينية، وفي حِلّ من هاجس ادعاء امتلاك الحقيقة باسم الدين.