01 أكتوبر 2022
"المباركيون" القدامى والجدد
جاءت وفاة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، بعد سنوات من وفاته السياسية. مات يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2011، حين سُحق جيشه غير النظامي، "الأمن المركزي". أعلنت وزارة الداخلية لاحقاً أن خسائرها بالثورة بلغت 32 قتيلاً و1079 مصاباً وإحراق 99 قسماً للشرطة وأربعة آلاف سيارة ومدرعة. سمعنا ضابطا يقول متحسّرا في اللاسلكي: "الشعب ركب يا باشا". .. لجأ مبارك وقتها للجيش النظامي، فلم يجد الدعم الذي أراده، على الرغم من أنه سارع بالتنازل عن توريث نجله، وخرج بخطاب هزيمة يستعطف شعبه، وهو الذي لطالما تفاخر بأنه "دكتوراه في العناد". وفي هذا السياق، تبدو وفاته الجسدية أخيرا بلا معنى. شخصيا، لم أشعر بشيء، لا حزنا ولا فرحا. ولذلك حين يتجدد الصراع الشرس بشأن الموقف من مبارك، فإنه في حقيقته يخفي انحيازات أعمق.
"المباركيون" القدامى، الصرحاء أو الأخفياء، يدينون بالولاء إلى كيان ما تسمى "الدولة المصرية"، وهو تحالف شبكات من الحكام، طائفة قادة الجيش وتتلوهم طوائف كبار القضاة وضباط الشرطة وكهنة البيروقراطيين، وتتلوهم نخب مدنية من رجال الأعمال الذين يرتبطون، على الأرجح، بصلات مصاهرة وقرابة بالطوائف الأولى. دفاعهم عن إرث مبارك هو دفاعهم عن أنفسهم ضد أخطر ما واجههم منذ يوليو/ تموز 1952، حين تم إرساء قاعدة استبعاد الشعب من معادلة الحكم. المطلوب هو: جمهورية بلا جماهير. حالة تفويض مفتوح دائمة.
لهذا يجب ألا تُخدش وحدة المؤسسات، وألا يصل الخلاف الداخلي إلى استدعاء أحد الأطراف الشعب مرة أخرى. وقد ذهب الرئيس عبد الفتاح السيسي تحديداً بعيداً في ذلك، في محاولة، في ما يبدو، لمحو ذكريات موقف الجيش الرافض التوريث وغيرها من الشقاقات، وهكذا قام بتكريم اسم الفريق سعد الدين الشاذلي، بعد عقود من التهميش، كما أطلق اسم اللواء محمد نجيب، الرئيس الأول المعزول، على أضخم قاعدة عسكرية في البلاد. وبالطبع، لا يفوته الحرص على ظهور قادة الجيش السابقين، المشير حسين طنطاوي والفريق صدقي صبحي، بمختلف المناسبات. الرسالة: نحن موحّدون، لن تنفذوا إلينا من ثغرات تناقضاتنا كما فعلتم سابقا! وفي السياق نفسه، يأتي الحرص على العزاء الرئاسي لآل مبارك.
مباركيون قدامى آخرون من الشعب يعانون تراكم عقود من الاستعباد، ولا يغيّرهم مواجهتهم بحقائق دامغة كحكم "القضاء الشامخ" ضد مبارك وآله بالفساد، اختلاساً وتزويراً، في قضية "القصور الرئاسية". يستبطن أهل الفئات العليا من الحكم هنا أنه لا فساد أصلا، بل حق مستحق، البلد بالكامل ملك لهم، وبعضهم تحدّث في مجالسه الخاصة بذلك. ومن المؤسي أن النظرة نفسها انتقلت إلى فئات شعبية.
تأتي الجدلية الحقيقية مع "المباركيين الجدد". أحد الأسباب هو المقارنات، ومن الحق القول إن القياس المباشر قد ينحاز لأيام مبارك، ولو من ناحية رقمية بحتة. نسبة الفقر في العام 2011 كانت 25%، بينما هي اليوم 32.5%، واستقبلت مصر في 2010 نحو 14 مليون سائح، بينما حين بلغ العدد ذروته بالعام الأخير لم يجاوز 11.5 مليونا. وسياسيا، اختلفت الأوضاع كثيرا، فهامش حرية صحافة مبارك الواسع أصبح خيالا غير علمي اليوم، كما كانت فترات سجن المعارضين محدودة للغاية. ولكن هذه النظرة تهمل اختلاف عوامل عدة جعلت سياسات مبارك إجباراً لا اختياراً، كان السياق الداخلي والخارجي كله مختلفا.
"مباركيون جدد" آخرون تأثروا بالهزيمة، وأصابهم هوس التأسّي بالغالب، تحليل نفسي لا سياسي. ويحاول غيرهم تقديم أنفسهم مشاريع "رجال دولة". والحقيقة هنا أن هذا ربما كان مفهوماً جداً، لو كان هناك فعلا حراك سياسي منظم بهذا الاتجاه، كتفاوضات سياسية ما مع كياناتٍ ممثلة. أما أن يأتي الأمر مبادرات فردية عشوائية فهو لا يزيد عن هدايا مجانية لطرفٍ لم يعبأ أصلاً بأي محاولات تفاوض أو شراكة سابقة.
حسني مبارك اليوم شخصية تاريخية، مثل جمال عبد الناصر أو أنور السادات، مر على وفاته العملية نحو عقد. من الواجب عدم الغرق في الماضي. ومن الواجب أيضا ألا يتم تزييف روايتنا التاريخية عنه.
لهذا يجب ألا تُخدش وحدة المؤسسات، وألا يصل الخلاف الداخلي إلى استدعاء أحد الأطراف الشعب مرة أخرى. وقد ذهب الرئيس عبد الفتاح السيسي تحديداً بعيداً في ذلك، في محاولة، في ما يبدو، لمحو ذكريات موقف الجيش الرافض التوريث وغيرها من الشقاقات، وهكذا قام بتكريم اسم الفريق سعد الدين الشاذلي، بعد عقود من التهميش، كما أطلق اسم اللواء محمد نجيب، الرئيس الأول المعزول، على أضخم قاعدة عسكرية في البلاد. وبالطبع، لا يفوته الحرص على ظهور قادة الجيش السابقين، المشير حسين طنطاوي والفريق صدقي صبحي، بمختلف المناسبات. الرسالة: نحن موحّدون، لن تنفذوا إلينا من ثغرات تناقضاتنا كما فعلتم سابقا! وفي السياق نفسه، يأتي الحرص على العزاء الرئاسي لآل مبارك.
مباركيون قدامى آخرون من الشعب يعانون تراكم عقود من الاستعباد، ولا يغيّرهم مواجهتهم بحقائق دامغة كحكم "القضاء الشامخ" ضد مبارك وآله بالفساد، اختلاساً وتزويراً، في قضية "القصور الرئاسية". يستبطن أهل الفئات العليا من الحكم هنا أنه لا فساد أصلا، بل حق مستحق، البلد بالكامل ملك لهم، وبعضهم تحدّث في مجالسه الخاصة بذلك. ومن المؤسي أن النظرة نفسها انتقلت إلى فئات شعبية.
تأتي الجدلية الحقيقية مع "المباركيين الجدد". أحد الأسباب هو المقارنات، ومن الحق القول إن القياس المباشر قد ينحاز لأيام مبارك، ولو من ناحية رقمية بحتة. نسبة الفقر في العام 2011 كانت 25%، بينما هي اليوم 32.5%، واستقبلت مصر في 2010 نحو 14 مليون سائح، بينما حين بلغ العدد ذروته بالعام الأخير لم يجاوز 11.5 مليونا. وسياسيا، اختلفت الأوضاع كثيرا، فهامش حرية صحافة مبارك الواسع أصبح خيالا غير علمي اليوم، كما كانت فترات سجن المعارضين محدودة للغاية. ولكن هذه النظرة تهمل اختلاف عوامل عدة جعلت سياسات مبارك إجباراً لا اختياراً، كان السياق الداخلي والخارجي كله مختلفا.
"مباركيون جدد" آخرون تأثروا بالهزيمة، وأصابهم هوس التأسّي بالغالب، تحليل نفسي لا سياسي. ويحاول غيرهم تقديم أنفسهم مشاريع "رجال دولة". والحقيقة هنا أن هذا ربما كان مفهوماً جداً، لو كان هناك فعلا حراك سياسي منظم بهذا الاتجاه، كتفاوضات سياسية ما مع كياناتٍ ممثلة. أما أن يأتي الأمر مبادرات فردية عشوائية فهو لا يزيد عن هدايا مجانية لطرفٍ لم يعبأ أصلاً بأي محاولات تفاوض أو شراكة سابقة.
حسني مبارك اليوم شخصية تاريخية، مثل جمال عبد الناصر أو أنور السادات، مر على وفاته العملية نحو عقد. من الواجب عدم الغرق في الماضي. ومن الواجب أيضا ألا يتم تزييف روايتنا التاريخية عنه.