المخطط الذي بدأت فصوله في العام 2009 يوم كانت العلاقات الدبلوماسية الأردنية-الإيرانية مقطوعة، كشفه حطّابون أردنيون مطلع العام 2015 عن طريق الصدفة البحتة بالدليل المادي، حسب ما علمت "العربي الجديد" من مصادرها، حين عثروا خلال قيامهم بتحطيب الأشجار في منطقة ثغرة عصفور (شمال المملكة) على عبوتين بلاستيكيتين مدفونتين في الأرض، تبيّن عند إبلاغ الأجهزة الأمنية عن وجودهما أنهما تحتويان 45 كيلوغراماً من مادة الـ(RDX) شديدة الانفجار. الصدفة "السعيدة" اقتضت تحويل المنطقة إلى فخ انتهى بالقبض على الربيعي في 3 أبريل/نيسان الماضي عندما جاء لاستخراج ما خبأه تمهيداً لاستخدامه في "العملية الإرهابية" المكلف بتنفيذها والتي لم يُكشف عن طبيعتها حتى الآن.
الربيعي الذي بدأت محاكمته في 6 يوليو/تموز الحالي أمام محكمة أمن الدولة العسكرية الأردنية بتهم حيازة مواد مفرقعة بقصد استخدامها في "أعمال إرهابية"، والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض المجتمع وأمنه للخطر، والانتساب لجمعية غير مشروعة (فيلق القدس) بقصد ارتكاب "أعمال إرهابية" في الأردن، المنصوص عليها في قانون منع الإرهاب، تشير المعلومات حوله أنه زار الأردن خمس مرات منذ العام 2009 وحتى لحظة توقيفه، وهي الزيارات التي استخدم خلالها جواز سفره النرويجي، وتمت كلها بناءً على تكليف من مرؤوسيه، لتأمين المواد المتفجّرة التي لم يُعلَن كيفية إدخالها إلى الأردن، والتأكد من وجود المواد المتفجرة، وصولاً إلى طلبهم منه استخراجها لاستخدامها، من دون أن يحدث ذلك بعد أن سبقه إليها الحطابون.
اقرأ أيضاً: الأردن تحاكم عضواً بالمخابرات الإيرانية حاول تنفيذ عمليات "إرهابية"
الإعلان عن المخطط أصاب الأردنيين بالصدمة والذعر، وخصوصاً أنهم يشعرون أن بلادهم الهادئة والمحاصرة ببراميل البارود المتفجرة، مستهدفة، وجعلهم يطالبون بمراجعة العلاقة الأردنية-الإيرانية القائمة على المجاملة والمتفجرات أخيراً. كما تسبّب الكشف عن المخطط بحرج للسفارة الإيرانية في عمّان والتي تُكرر حكومة بلادها الحديث عن رغبتها في الانفتاح على الأردن عبر بوابة السياحة والطاقة والتعاون في "محاربة الإرهاب" الذي يضرب المنطقة، فانهالت الاتصالات من الصحفيين على السفارة تستفسر عن حقيقة الأمر لتطلب منهم الأخيرة انتظار بيان رسمي سيصدر عن خارجية بلادها، وفعلاً صدر بيان ينفى الضلوع بالمخطط ويعتبره اتهامات عارية عن الصحة.
بيان إن صدر، فهو لن يختلف كثيراً عن بيانات سابقة صدرت رداً على اتهامات أردنية لإيران بمحاولة اختراق أمنها أو التورط في عمليات تجسس، لكن المختلف اليوم هو ردة الفعل الأردنية على القضية المستجدة والتي خالفت في التعامل معها التقاليد السابقة المتمثلة بقطع العلاقات الدبلوماسية مباشرة مع إيران في كل مرة كان يُكشف فيها عن مخططات مشابهة.
اليوم تستمر العلاقة الدبلوماسية الأردنية-الإيرانية التي عادت منتصف العام الماضي بعد قطيعة دامت قرابة ست سنوات، وتستمر ضمن قواعد الفتور والمجاملات التي تحكمها، من دون أن تفجّرها المتفجرات التي حالت الصدفة دون انفجارها على الساحة الأردنية، حتى أنّ مسؤولين أردنيين رفضوا التعليق على مستقبل العلاقات على وقع الكشف عن المتفجرات، واكتفوا بالقول لـ"العربي الجديد" إن "القضية أمام القضاء"، وهو القضاء الذي قرر منع النشر في القضية، وأوقف صحفياً تجرأ على نشر لائحة الاتهام متحدياً قرار المنع، مسنداً له تهماً من بينها تعكير صلات المملكة بدولة أجنبية هي إيران التي يحاكم عميلها أمام القضاء نفسه لمحاولة تنفيذ "أعمال إرهابية" تستهدف المملكة، أمر اعتبره متابعون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي "قمة في التناقض".
الحرص الأردني على العلاقة الدبلوماسية الفاترة مع إيران والتي تدار كملف أمني أكثر منه سياسيا، يبدو مثيراً، وخصوصاً أن تحديد إطار تلك العلاقة شخّصه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير "بالمواجهة" وذلك خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني ناصر جودة نهاية الأسبوع الماضي، أعلن فيه بعيداً عن لغة الدبلوماسية أن "السعودية والأردن حلفاء في مواجهة إيران". لكن ما يبدو مثيراً يصبح مقبولاً إذا وُضع في سياق تقدير الأردن للدور الذي تؤديه إيران في العراق وسورية المتاخمتين للمملكة، ويقين المملكة أن أي حل مستقبلي للأوضاع الملتهبة في الدولتين والذي سينعكس حكماً على الأردن، ستساهم إيران في صياغته، وأيضاً فإن الحرص الأردني بالإبقاء على شعرة معاوية مع إيران يتمثل بضرورة الإبقاء على قناة اتصال حملتها الأردن على عاتقها عندما زار جودة إيران مطلع مارس/آذار الماضي في أعقاب تنسيق ما يسمى "محور الاعتدال العربي"، الذي يقاسم إيران العداء وتكاد خطوط تواصله معها مغلقة.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية السعودي: نواجه مشاغبات إيران في اليمن