عويل وبكاء يملأان المكان، رائحة الدماء التي تلطخ الجدران والأرض والأسرّة تزكم الأنوف، حشود من البشر تتدافع باتجاهات عشوائية، مرضى بإصابات مختلفة متناثرون على الأرض في كل مكان، ممرضون وممرضات يتبخترون من غرفة إلى أخرى بملامح باردة ومن دون أية مشاعر. إنه يوم اعتيادي في إحدى المشافي الحكومية السورية.
في مساءلةٍ عدائية للسوريين المعارضين لنظام بشار الأسد، يردد المدافعون عن ذلك النظام ما يبدو شائعاً إلى حد ما، إذ يثمّنون كونه "الوحيد الذي يقدم خدمات صحية مجانية لمواطنيه". على الرغم من أن الحكومة السورية تدير بالفعل العديد من المشافي الحكومية، لكن ضعف ورداءة تلك الخدمات قد يجعلها "مسالخ" بالنسبة للكثير من السوريين. ومع ذلك، فإن شرائح واسعة منهم لا تحظى حتى بفرصة دخول تلك "المسالخ".
يروي أبو خالد (50 عاماً)، وهو يعاني من مرض في القلب، معاناته مع المشافي الحكومية في سورية لـ"العربي الجديد" ويقول: "فضلاً عن تردي الخدمات وسوء المعاملة من قبل الموظفين وكأننا نشحذ منهم، فإن المشكلة الأهم هي الانتظار الطويل لتلقي الخدمة، ما قد يودي بحياة المريض". ويضيف: "انتظرت دوري نحو شهرين لإجراء عملية، وبعد إجرائها وتشخيص المشكلة ظهرت حاجتي لعملية جراحية مستعجلة، وكان موعد تلك العملية بعد 9 أشهر!".
عمل الطبيب السوري سامر الجندي في مشافي مدينة حلب قبل وأثناء اندلاع الثورة، وهو يشخص مشكلة المشافي الحكومية في حديث لـ"العربي الجديد" في "عدم قدرتها على استيعاب العدد المتزايد من المواطنين محدودي الدخل بسبب الميزانية الضئيلة المخصصة للصحة".
البديل لهذا "المسلخ" الحكومي يتمثل في المشافي الخاصة التي تقدم خدمات متفاوتة تتراوح بين المتوسطة والممتازة، لكنها تشترك في أسعارها المرتفعة التي تجعل من شبه المستحيل على الأغلبية الساحقة من السوريين دخولها.
يبين تقرير لـ"المركز السوري لبحوث السياسات" عن أن قطاع الصحة في سورية شهد "توسعاً كمياً دون تحسن نوعي، حيث لم تشهد المؤشرات الصحية تحسناً رئيسياً طوال الفترة الممتدة من 2001-2010". ورغم ذلك التوسع الكمي فقد تم تخفيض الإنفاق العام على الصحة في سورية من 7.5 مليارات ليرة سورية عام 2010 إلى نحو 5 مليارات ليرة في 2011، و 4.4 مليارات في العام 2012، وبالاعتماد على الأسعار الثابتة فإن ذلك يشكل انخفاضاً بمقدار 50% بحسب المركز.
يشير الباحث الاقتصادي زاهر جميل إلى "مفارقة عجيبة وهي أن المشافي الحكومية تشعر السوريين بتدني قيمة الإنسان، وذلك بالضد تماماً مع الفكرة التي تقوم عليها المشافي العامة". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "عندما يعاني المواطنون من ارتفاع تكلفة تلقي العلاج ودخول المشافي، وسوء نوعية الخدمات، سوف ينعكس ذلك بكل تأكيد على التنمية الاقتصادية. ذلك أن الصحة الجيدة ليست مجرد ثمرة من ثمرات النمو بل هي أيضاً أحد أهم عوامل تحقيق النمو الاقتصادي". ويدعو جميل إلى "سياسة تنموية تقودها الدولة في مجال العناية الصحية تعمل على تحسين الخدمات وزيادة عدالة توزيع الخدمات الصحية وتخفيض تكلفتها، إذ سينعكس ذلك على إنتاجية العاملين في الاقتصاد".
يروي أبو خالد (50 عاماً)، وهو يعاني من مرض في القلب، معاناته مع المشافي الحكومية في سورية لـ"العربي الجديد" ويقول: "فضلاً عن تردي الخدمات وسوء المعاملة من قبل الموظفين وكأننا نشحذ منهم، فإن المشكلة الأهم هي الانتظار الطويل لتلقي الخدمة، ما قد يودي بحياة المريض". ويضيف: "انتظرت دوري نحو شهرين لإجراء عملية، وبعد إجرائها وتشخيص المشكلة ظهرت حاجتي لعملية جراحية مستعجلة، وكان موعد تلك العملية بعد 9 أشهر!".
عمل الطبيب السوري سامر الجندي في مشافي مدينة حلب قبل وأثناء اندلاع الثورة، وهو يشخص مشكلة المشافي الحكومية في حديث لـ"العربي الجديد" في "عدم قدرتها على استيعاب العدد المتزايد من المواطنين محدودي الدخل بسبب الميزانية الضئيلة المخصصة للصحة".
البديل لهذا "المسلخ" الحكومي يتمثل في المشافي الخاصة التي تقدم خدمات متفاوتة تتراوح بين المتوسطة والممتازة، لكنها تشترك في أسعارها المرتفعة التي تجعل من شبه المستحيل على الأغلبية الساحقة من السوريين دخولها.
يبين تقرير لـ"المركز السوري لبحوث السياسات" عن أن قطاع الصحة في سورية شهد "توسعاً كمياً دون تحسن نوعي، حيث لم تشهد المؤشرات الصحية تحسناً رئيسياً طوال الفترة الممتدة من 2001-2010". ورغم ذلك التوسع الكمي فقد تم تخفيض الإنفاق العام على الصحة في سورية من 7.5 مليارات ليرة سورية عام 2010 إلى نحو 5 مليارات ليرة في 2011، و 4.4 مليارات في العام 2012، وبالاعتماد على الأسعار الثابتة فإن ذلك يشكل انخفاضاً بمقدار 50% بحسب المركز.
يشير الباحث الاقتصادي زاهر جميل إلى "مفارقة عجيبة وهي أن المشافي الحكومية تشعر السوريين بتدني قيمة الإنسان، وذلك بالضد تماماً مع الفكرة التي تقوم عليها المشافي العامة". ويضيف في حديث لـ "العربي الجديد": "عندما يعاني المواطنون من ارتفاع تكلفة تلقي العلاج ودخول المشافي، وسوء نوعية الخدمات، سوف ينعكس ذلك بكل تأكيد على التنمية الاقتصادية. ذلك أن الصحة الجيدة ليست مجرد ثمرة من ثمرات النمو بل هي أيضاً أحد أهم عوامل تحقيق النمو الاقتصادي". ويدعو جميل إلى "سياسة تنموية تقودها الدولة في مجال العناية الصحية تعمل على تحسين الخدمات وزيادة عدالة توزيع الخدمات الصحية وتخفيض تكلفتها، إذ سينعكس ذلك على إنتاجية العاملين في الاقتصاد".