يعيد بعض الباحثين نشأة المسرح السوداني إلى بدايات القرن الماضي، إلى مسرحية كتبها مأمور مصري أدّى خدمته في الخرطوم إبان الاستعمار البريطاني (1989 – 1956)، بعنوان "نكتوت" (أي المال)، وتدور أحداثها بين صاحبة حانة شعبية وتلميذ وأحد تجّار المدينة، حيث عُرضت في مدينة القطينة.
بعد ذلك بدأ تقديم عروض مسرحية في أندية وتجمّعات الجاليات الأجنبية، لكن التجربة الأبرز كانت مع "نادي الخريجين" الذي تأسّس عام 1918 وضمّت عدداً من الذين درسوا "كلية غوردون التذكارية" التي أنشّاها البريطانيون في العاصمة السودانية عام 1902 وتحوّلت إلى جامعة الخرطوم بعد الاستقلال، حيث قدّموا العديد من المسرحيات في المدن الكبرى مثل "صلاح الدين"، و"عطيل"، و"محمد علي الكبير"، و"أمير الأندلس".
أزعج هذا النشاط الذي انخرط فيه العديد من الكتّاب والفنانين أمثال صديق فريد وعلي عبد اللطيف، سلطات الاحتلال آنذاك، وحين قدّم عبيد عبد النور مسرحيته "المفتش والمأمور ورجل الشارع" عام 1929، أصدر قلم الاستخبارات البريطاني قراراً بحظر عرض هذه الأعمال، وتعرّض الفنانون إلى المساءلة والتوقيف.
"المسرح الجامعي وتيارات النشاط المسرحي في السودان 1918 – 1972" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "مركز يوسف عيدابي للانتاج الفني والاعلامي" للباحث السوداني أمين صديق الذي يعود فيه إلى التجربة الطلابية ومساهمتها في تطوير المسرح في بلاده.
يشير المؤلّف في مقدمته إلى "أن مصطلح "المسرح الجامعي" هو نفسه مصطلح حديث بالنسبة إلى التاريخ الذي ولد فيه، فقد كانت "جامعة الخرطوم" نفسها بالنسبة إلى تاريخها السابق مولودة حديثة، أما النشاط المسرحي بها فقد كان أقدم من تاريخها كجامعة، ومن الفكر الذي جعل المحاولات المسرحية نحو منحى أكاديمي مرتبط بالمسرح العالمي المعاصر والمنطلقات الوطنية والأثر الثقافي لنضالات مثقفي الحركة الوطنية".
يتابع "كل تلك المكوّنات التي شكّلت ملامح التجربة المسرحية في الجامعة آنذاك لم تكن وليدة حدث أو سنوات قريبة، بل كانت مهجرة من تاريخ قديم".
يوضّح صديق أن "نجربة المسرح الجامعي كما نراها ورثت جينة تيار رئيس في تاريخ النشاط المسرحي في السودان، وشكّلت حين التحامها بمكونات النشاط المسرحي الأخرى في أواخر الستينيات، النقطة الفاصلة في عبور التجربة المسرحية في البلاد أهم خطواتها في طريق حلمها المستمر القديم؛ تحقيق هوية مسرحية سودانية".