لم تتوقف أحاديث المصالحة بين النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، وجماعة الإخوان المسلمين والموالين للرئيس المعزول محمد مرسي، على مدار الثلاثة أعوام الماضية، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013.
واتسمت أحاديث المصالحة على مدار الأعوام الثلاثة الماضية بمحاولات "جسّ النبض" من النظام الحالي، ومحاولة لتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية على السيسي، باعتبار أن جماعة "الإخوان" هي من ترفض المصالحة.
وبحسب مراقبين، فإن النظام الحالي ليس أمامه سوى إجراء مصالحة مع رافضي الانقلاب، خلال الفترة المقبلة، ورغم ذلك، فإنه لا يبدو جاداً في ذلك، ويكتفي بترويج تصريحات محسوبين على النظام من داخل مجلس النواب، فضلاً عن أحد الوزراء بالحكومة.
ويكشف مصدر برلماني لـ"العربي الجديد" عن وجود شروط لدى النظام الحالي لإجراء أي مصالحة، ولكن إذا ما حدثت ستكون بعيدة عن السيسي، على أن يتصدر الأمر مجلس النواب.
في هذا السياق، وبشكل مفاجئ، أطلق وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب، مجدي العجاتي، تصريحات حول عدم الممانعة في إجراء مصالحة مع "الإخوان"، ولكن ربطها بأنها ستكون مع "مَن لم تتلوث أيديهم بالدماء، إضافة إلى إدانتهم للعنف".
ويستكمل حديثه، قبل أيام من ذكرى الانقلاب العسكري، بالتشديد على ما وصفه بـ "أهمية توفر نيات صادقة، لدى الجماعة، بعيداً عن المناورة، وأن يعترفوا بأخطائهم، ويدينوا الهجمات الأخيرة التي وقعت في مصر"، على حدّ قوله.
ويتابع المصدر ذاته أن "الدستور يريد إنهاء تلك المسألة الخلافية، وأن نعود نسيجاً واحداً، ليس هناك إخوان وغير إخوان، ومرسي وغير مرسي، وممكن نتصالح مع الإخواني إذا لم تلوث يده بالدم، لأنه مواطن في النهاية"، على حد قوله.
حديث العجاتي، توافق معه زعيم ائتلاف الغالبية "دعم مصر"، المدعوم من النظام الحالي والأجهزة الأمنية، سعد الجمال، والذي دعا إلى قيام "الإخوان" بمراجعات فقهية وفكرية، كما فعلت الجماعات الإسلامية في التسعينيات، عندما أقدمت على إجرائها، و"اعترفت بأنها ضلت الطريق"، حسب تصريحه.
وكانت آخر محاولات التدخل لإجراء مصالحة بين النظام الحاكم في مصر و"الإخوان"، مبادرة أستاذ علم الاجتماع الدكتور سعد الدين إبراهيم، ثم تجدد الحديث حول الأمر بالدعوة لاستفتاء شعبي على هذه الخطوة، في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
في الجهة المقابلة، دعا القيادي البارز في "الإخوان" خارج مصر، يوسف ندا، إلى حل الأزمة، عبر ثلاث رسائل له، منذ نهاية العام الماضي، وحتى إبريل/ نيسان الماضي، من خلال الترحيب باستقبال من يريد الخير لمصر، رداً على تصريحات من وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، حين دعا المصريين إلى "الالتقاء على كلمة سواء تُعلي مصالح الوطن فوق المصالح الذاتية".
وكشف مصدر برلماني مقرب من دوائر اتخاذ القرار، أن مسألة المصالحة مع "الإخوان" واردة وليس كما يدّعي البعض أنها أمر مستحيل.
ويضيف المصدر لـ"العربي الجديد" أن تصريحات وزير الشؤون القانونية ومجلس النواب المستشار مجدي العجاتي، بشأن المصالحة مع "الإخوان"، "تعبّر عن رغبة النظام الحالي، وبالمناسبة هذه ليست رؤية جديدة ولكنها قديمة".
ويُشير المصدر ذاته إلى أن "النظام أطلق عبر مقربين أحاديث حول المصالحة، في محاولة لجسّ النبض من أطراف داخل (الإخوان) ربما ترغب في المصالحة ووقف التظاهرات وطيّ صفحة عودة مرسي للحكم".
ويلفت إلى أن الأساس في عملية المصالحة هي "ترتيبات مستقبل وجود (الإخوان) في المجتمع، وأيضاً كيفية ممارستهم العمل السياسي خلال الفترة المقبلة".
ويؤكد مصدر "العربي الجديد" على وجود ضغوط دولية وإقليمية لتسوية الأزمة، نظراً لأن المنطقة بما فيها من حروب وصراعات مسلحة لا تحتمل أزمة جديدة، يمكن احتواؤها وإنهاؤها خلال الفترة المقبلة.
كما يوضح أن رؤية النظام حول المصالحة، إذا ما حدث تقارب من خلال وسطاء محليين أو إقليميين أو دوليين، فإنها ستكون بعيداً عن شخص السيسي، ويُترَك الأمر للبرلمان لتحديد هذا الأمر، في ضوء قانون العدالة الانتقالية.
ويُشدد المصدر البرلماني على أن المصالحة لو حدثت، فلن تكون خلال الفترة القريبة المقبلة، لأنها تحتاج إلى تمهيد للرأي العام الداخلي.
ويضيف أن هناك شروطاً من قبل جهات سيادية في الدولة، وهذا صلب وجوهر أي حوار مع "الإخوان"، وهي شكل وطبيعة تواجدهم في مصر من الناحية السياسية والدينية، لأن الأهم هو إيجاد سبل للتعايش.
ويجزم أنه "لا مجال بالنسبة لتلك الأجهزة إلا بفصل العمل السياسي عن الدعوي تماماً، من خلال حزب وجمعية دعوية، ووجود مراقبة تامة لأنشطة الكيانين، والأهم هو تعهد (الإخوان) بعدم الخلط، فضلاً عن العمل المنفصل تماماً".
وحول شروط "الإخوان" لناحية الإفراج عن مرسي، وقياداتهم في السجون والشباب، يؤكد أن كل هذه الأمور يمكن الحديث حولها، ولكن الأزمة في شكل تواجد "الإخوان" فيما بعد الحوار مع النظام الحالي.
ويوضح أنه من الصعب للغاية إطلاق سراح قيادات "الإخوان" وبالأخص مرسي، خوفاً من نقض أي اتفاق للمصالحة، ولكن هذا الأمر وارد، ولكن بعد فترة قد تطول أو تقصر حسب ما قد يتقبله الرأي العام الداخلي.
ويستطرد المصدر ذاته أن "السيسي لن يظهر في أي اتفاق مصالحة، لأن هناك أزمة شخصية بعد اتهامات لشخصه والإساءة إليه بشكل مباشر، كما أن (الإخوان) لا يوافقون عليه، لأنهم يرونه خان الأمانة وانقلب على مرسي، ولكن الأمر كله سيكون في يد مجلس النواب والحكومة في الظاهر ولكن في الأساس الجهات السيادية".
من جهته، يقول القيادي بجماعة "الإخوان المسلمين"، ورئيس "البرلمان المصري بالخارج"، الدكتور جمال حشمت، إن المصالحة شائعة من طرف واحد لا صدى لها عند جماعة "الإخوان" إلا الرفض.
ويضيف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المصالحة مرفوضة لأنها مجهولة وتحت مظلة الانقلاب، ويبدو أن الحديث عنها نتيجة ضغوط على النظام، حتى يتمكن من تسويق رفض "الإخوان" لها في الخارج لدى الممولين والداعمين للنظام.
ويشدد المتحدث ذاته على أن "القائمين على النظام الحالي تلوّثت أيديهم بدماء المصريين، والواجب عليهم أن يتنحوا أولاً، قبل السعي لكسب شرعية حقيقية لم تنالوها حتى الآن، بمثل هذه العروض الفارغة من الهدف والمضمون".
ووجه الدكتور جمال حشمت، رسالة إلى المقربين من النظام والسياسيين الذين تحدثوا عن المصالحة، قائلا: "نرجوكم العبوا بعيداً عن دماء وعذابات المصريين، واعلموا أن الأحرار من شعب مصر في تزايد مستمر، ولن يرضوا ببقاء الحال على ما هو عليه".
ويتابع: "أنقذوا أنفسكم بعيداً عن معسكر الانقلاب يا من تريدون مصالحة حقيقية، فعليكم البدء بالتبرؤ مما حدث بعد 30 يونيو".
في السياق، يذهب الخبير السياسي، محمد عز، إلى أن نظام السيسي مجبر على إجراء مصالحة، من منطلق أن "دوام الحال من المحال"، خصوصاً لو أراد الاستمرار في فترة رئاسية ثانية.
ويقول عز لـ"العربي الجديد"، مع ذكرى عزل محمد مرسي من الحكم في 3 يوليو 2013، إن أحاديث المصالحة تتصاعد هذه المرة داخل أروقة مجلس النواب، والذي يبدو أنه سيتصدّر ويروّج للأمر خلال الفترة المقبلة، من منطلق قانون العدالة الانتقالية.
ويشير إلى أن تصريحات شخصيات محسوبة على النظام الحالي مثل أسامة هيكل، القيادي بائتلاف الأغلبية البرلمانية تحت القبة، يمثّل ما يريد النظام والأجهزة السيادية قوله، خصوصاً أنها محاولات جسّ نبض لقطاع من "الإخوان"، ربما يكون أقرب لفكرة المصالحة.
ويوضح أن تصريحات المحسوبين على النظام، قد يكون الغرض منها تهيئة الرأي العام للأمر، أو تقليل الضغوط الدولية، باعتبار أن النظام جادٌّ عبر مؤسساته المختلفة الدخول في محاولات للمصالحة، ولكن "الإخوان" يرفضون.
ويلفت الخبير المصري إلى إدراك النظام أن لا سبيل أمامه إلا بإنهاء حالة الخلاف مع "الإخوان"، لعدم فتح جبهات مع الخصوم، وتهدئة حدة التراشق معهم، بسبب وجود قلاقل داخلية والفشل في الإدارة السياسية للبلاد.