ووصف وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الاتفاق حول "المنطقة الآمنة" بأنه "بداية جيدة للغاية". وشدد خلال مؤتمر صحافي في أنقرة أمس الخميس، على أن تركيا لن تسمح بأن يكون الإلهاء هدف هذا الإجراء على غرار ما حدث في خارطة طريق منبج. ورداً على سؤال حول القمة الثلاثية المرتقبة لزعماء تركيا وروسيا وإيران، قال جاووش أوغلو إن القمة يتوقع أن تنعقد في 11 سبتمبر/أيلول المقبل في تركيا. وأكد أن بلاده تقوم ما بوسعها من أجل وقف عدوانية النظام السوري على إدلب، في الفترة الأخيرة. وفيما يخص اللجنة الدستورية بخصوص سورية، قال إنهم وصلوا إلى المرحلة الأخيرة في تشكيلها، وإن لديهم حالياً اعتراضاً على شخص واحد.
وكانت وزارة الدفاع التركية، قد أعلنت في بيان الأربعاء، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الأميركيين، يقضي بإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء "المنطقة الآمنة" في سورية. وأكّدت أنه تم الاتفاق مع الجانب الأميركي "على جعل المنطقة الآمنة ممر سلام، واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم".
وفيما لم تتضح تفاصيل الاتفاق، قال القيادي في الجيش السوري الحر، مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المنطقة الآمنة ستطبّق بحسب الرؤية التركية، وهذا يتناسب مع رؤيتنا، وبتنسيق كامل مع واشنطن، وسيتم إنذار المجموعات الإرهابية لمغادرة المنطقة، وفي حال الرفض سيتم التعامل مع الإرهاب عسكرياً". وكشف سيجري أن "وحدات منضبطة ومدربة على مستوى عالٍ من الجيش السوري الحر ستدخل لدعم الاستقرار وحماية المدنيين ومنع ارتكاب أي تجاوزات"، نافياً أن تكون المنطقة الآمنة في شمال شرقي سورية مقابل إدلب "كما يروج العدو"، مضيفاً: "الاحتلال الروسي خارج التفاهمات الأميركية التركية، وفي إدلب أكثر من 50 ألف مقاتل، والجيش الوطني لم يتأخر عن القيام بواجباته تجاه إدلب، والمعركة اليوم في كامل المنطقة المحررة بالإضافة إلى ملف شرق الفرات باتت تدار من غرفة عمليات واحدة". وأشار إلى أن المنطقة الآمنة "ستوفر عودة أكثر من مليون مواطن سوري من تركيا وأوروبا إلى سورية"، مضيفاً: "ستكون خطوة للتخفيف من معاناة أهلنا المهجرين قسرياً بسبب ممارسات حزب العمال الكردستاني، والمجموعات الارهابية المرتبطة به، ولن تشهد المنطقة أي معارك في حال انسحبت القوى الإرهابية، وسيدخل الجيش السوري الحر لدعم الاستقرار".
واعتبر التفاهمات الأميركية التركية "فرصة عظيمة لدعم الاستقرار في المنطقة"، مضيفاً: "قرار حكيم من الأصدقاء في واشنطن والحلفاء في أنقرة وخطوة مهمة باتجاه التخفيف من معاناة شعبنا وطرد التنظيم الإرهابي وعودة مئات الآلاف من أبناء المنطقة المهجرين".
وتباينت الآراء حيال الاتفاق، بين طرف كردي سوري مرحب بحذر، وبين رفض النظام السوري. وقال القيادي في "الإدارة الذاتية" التي أعلنها الأكراد، ألدار خليل، لوكالة "فرانس برس": "قد يكون هذا الاتفاق بداية أسلوب جديد، لكن نحتاج لمعرفة التفاصيل وسنقوم بتقييم الأمر حسب المعطيات والتفاصيل وليس اعتماداً على العنوان".
من جهته، أعلن النظام السوري "رفضه القاطع والمطلق للاتفاق الذي أعلن عنه الاحتلالان الأميركي والتركي حول ما يسمى المنطقة الآمنة والذي يشكل اعتداء فاضحاً على سيادة ووحدة أراضي سورية وانتهاكاً سافراً لمبادئ القانون الدولي" بحسب مصدر رسمي في وزارة الخارجية التابعة للنظام. ونقلت وكالة الأنباء "سانا" التابعة للنظام عن المصدر قوله إن "بعض الأطراف السورية من المواطنين الكرد التي ارتضت لنفسها أن تكون أداة في هذا المشروع العدواني الأميركي التركي، تتحمل مسؤولية تاريخية في هذا الوضع الناشئ"، داعياً "قسد" إلى "مراجعة حساباتها والعودة إلى الحاضنة الوطنية"، وفق المصدر.
وشنت صحيفة "الوطن" القريبة من النظام، هجوماً لاذعاً على الاتفاق، معتبرة تركيا والولايات المتحدة "دولتي احتلال"، مضيفة أن الدولتين "قررتا المضي في خرق المواثيق والمعاهدات الدولية، مستغلتين عمالة القوى الانفصالية من مليشيا قسد، والمليشيات الإرهابية الأخرى ممن يعملون تحت إمرة الجاندرما التركية"، في إشارة إلى فصائل تتبع للجيش السوري الحر.
ومن الواضح أن النظام هو الخاسر الأكبر من الاتفاق الذي حيّده تماماً عن التأثير في مجمل منطقة شرقي نهر الفرات، وهو ما يفسر "الغضب" من الاتفاق الذي استقبله المدنيون في المنطقة بارتياح كبير وفق مصادر محلية تحدثت مع "العربي الجديد"، وأكدت أن المنطقة لم تعد تقوى على حروب جديدة بعد سنوات طويلة من الاقتتال المدمر.
من جهته، أوضح الخبير العسكري العميد أحمد رحال، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الطرفين التركي والأميركي استخدما مصطلح الممر الآمن وليس المنطقة الآمنة "لأن الأخيرة تترافق مع الحظر الجوي وهذا لا يمكن تطبيقه لأن النظام لا يزال يسيطر على مناطق في محافظة الحسكة (شمال شرق) ولديه طيران في مطار القامشلي". وعن الرابح والخاسر من الاتفاق، رأى رحال أن الجميع خرج رابحاً، مفصلاً بالقول: "قسد أخذت الأمان لجهة عدم مهاجمتها من تركيا، فيما تحققت أغلب شروط الأتراك، وأميركا رابحة فهي تريد ترتيب المنطقة لتتفرغ لإيران".
أما القيادي في فصائل المعارضة السورية العميد فاتح حسون، فاعتبر أن الاتفاق التركي الأميركي "خطوة هامة في مستقبل الوضع في سورية على مختلف النواحي والصعد". وقال حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، "ستكون لتركيا في هذا الاتفاق مكاسب جيدة على صعيد أمنها القومي وتأمين حدودها من خلال إبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدودها، وستلقي الإدارة الأميركية عن كاهلها عبء إدارة تلك المنطقة من الناحية المادية الذي حملته على عاتقها من خلال التعاون مع المليشيات الانفصالية (الوحدات الكردية)". ورأى حسون أن "الرابح الأكبر من اتفاق شرق الفرات هو أولئك السوريون الذين سيعودون إلى بيوتهم وبلداتهم ومدنهم من بعد تلك الحقبة من التهجير القسري، أبناء مناطق شرق الفرات الحقيقيون بكل أطيافهم الذين أبعدوا قسراً في يوم من الأيام أو همشوا من قبل المليشيات الانفصالية".