مع بداية ظهورها، لم يكن أحد ليتوقّع أن تلقى أغاني "المهرجانات" الشعبية في مصر نجاحاً سيجعلها تتصدّر المشهد الموسيقي العربي، لأسباب عدّة؛ أبرزها أنّ من يُعرفون بـ"السمّيعة"، لن يتقبّلوا هذا "الفن الهابط"، وسيحاربونها بكل ما لديهم. إلى جانب السميعة، لم تكن ستلقى هذه الأغاني ترحيباً من فئة اجتماعية معينة، تتمثّل بالطبقة الوسطى، الليبرالية، التي تتجه إلى ما يُسمّى بـ"الفن البديل"، وتستمع إلى أغانٍ من قبيل الميتال، وما تقدّمه فرق كثيرة، مثل "مشروع ليلى". توقّع الأغلبية أن تبقى "المهرجانات" حبيسة الأزقّة الشعبية في مصر، ولا يستمع إليها أحد سوى أبناء تلك الطبقة المسحوقة، التي تتمثّل بشكل أساسي بسكّان العشوائيات.
لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث، بل أصبحت "المهرجانات" رهاناً صعباً في الساحة الفنية، تتسابق الفرق وأصحاب المشاريع الموسيقية المستقلة في تأليف كلماتها وألحانها، بل وتطويرها. من هنا، يُقيم مترو المدينة، بعد غد، عرضاً بعنوان "المهرجان الشعبي الكبير - هزّ يا وزّ"، يؤدّي فيه الفنان اللبناني الشاب فراس عنداري أغاني لكل من حكيم وعبد الباسط حمودة ومحمود الليثي وعدوية وأوكا وأورتيغا. نُلاحظ، من خلال اختيارات عنداري، أنه يسعى، بشكل ما، إلى تتبّع تطوّر الأغنية الشعبية في مصر. فعدوية، الذي ينتمي إلى جيل الثمانينيات في الأغنية الشعبية، كان قد نجح بترسيخ نمط معين للأغنية الشعبية، تطوّر لاحقاً في التسعينيات، ليتصدّر المشهد حكيم، وعبد الباسط حمودة، كلّ منهما له لونه الخاص، لكنّ كليهما شعبيّ. هكذا، إلى أن وصلنا إلى "المهرجانات" في بداية هذه الألفية، مع فنانين كثر، مثل علاء فيفتي، وأوكا وأورتيغا، والليثي وحسن البرنس، وغيرهم.
السرّ، بشكل أساسي، يكمن في أنّ كلفة إنتاج "مهرجان" شعبي، في بداية الأمر، أقرب ما تكون إلى الصفر. كتبت الموسيقية شيرين عبده، في "العربي الجديد"، حول الأمر: "برنامج هندسة صوت، وساعة تسجيل، و100 جنيه؛ هذا كل ما تتطلبه صناعة أغنية منزليّاً. هذا ما صرّح به أحد مطربي (المهرجانات). هكذا تحوّلت العملية المعقّدة في الإنتاج إلى جهد شخص أو اثنين: حضّر برنامج الصوت، واخلق عليه دورة الإيقاع المناسبة، جهّز سطر الباص غيتار الصارخ، واترك كل هذا المزيج يستمرّ ضمن تكرار معيّن: أنت جاهز لتغنّي! وهذا ما يفسّر أيضاً تشابه (المهرجانات)، فهي تعكس واقعاً يوميّاً لا يتغيّر".
لاحقاً، التفت رأس المال إلى الأمر، فلجأ إلى مطربي المهرجانات لاستخدامهم في إعلاناته، والأعمال الدرامية أصبحت تخلق مساحةً لمؤدّي المهرجان كي تستطيع الترويج لنفسها وتكسب مشاهدين أكثر، كي تقول إنّ المسلسل يحاكي كل طبقات المجتمع، من دون الانحياز إلى طبقة دون أخرى.
وبهذه الطريقة، لم تعد "المهرجانات" تُنتَج بتلك الطريقة البسيطة والمتقشّفة، وحسب، بل راحت الفرق البديلة وكثير من الفنانين يعملون عليها ويؤدونها. مثلاً، لاقت أغنية "الكيف" لفرقة كايروكي المصرية جمهوراً كبيراً، وتجاوزت مشاهدتها على يوتيوب ثلاثة ملايين مشاهدة. الأغنية ليست مهرجاناً بالضبط، لكن نستطيع أن نلتمس المسحة الشعبية، والتأثر الموسيقي في بناء جملها اللحنية.
اقــرأ أيضاً
كان الأمر عبارة عن مغامرة، أو مقامرة، لم يتوقّع أحد نجاحها. صُدم كثيرون حين صرّحت مريم صالح بأن عملها القادم سيكون مهرجاناً. لكن فعلياً نجح الأمر؛ فها هي أغنية "تسكر تبكي"، من ألبوم "الإخفاء"، التي تُغنّيها مع تامر أبو غزالة، تلقى رواجاً كبيراً أيضاً بين الجمهور. وها هو الفنان والموزّع والمؤلف موريس لوقا يعمل مع كل من صالح وأبو غزالة في الألبوم، الذي نستمع في معظم أغانيه إلى جُمل وطريقة توزيع مأخوذة من المهرجانات.
هكذا، لم تستطع المسارح العربية إلا أن تقدّم عروضاً يؤدّى فيها هذا اللون. في "مترو المدينة"، بعد غد، يغنّي عنداري، ويرافقه كل من سماح بو المنى (أكورديون وكيبورد)، وخالد عمران (باص)، وأيمن سليمان (درامز)، وخضر رغب (كمنجة)، وبهاء ضو (إيقاع)، وعلي الحوت (رق).
لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث، بل أصبحت "المهرجانات" رهاناً صعباً في الساحة الفنية، تتسابق الفرق وأصحاب المشاريع الموسيقية المستقلة في تأليف كلماتها وألحانها، بل وتطويرها. من هنا، يُقيم مترو المدينة، بعد غد، عرضاً بعنوان "المهرجان الشعبي الكبير - هزّ يا وزّ"، يؤدّي فيه الفنان اللبناني الشاب فراس عنداري أغاني لكل من حكيم وعبد الباسط حمودة ومحمود الليثي وعدوية وأوكا وأورتيغا. نُلاحظ، من خلال اختيارات عنداري، أنه يسعى، بشكل ما، إلى تتبّع تطوّر الأغنية الشعبية في مصر. فعدوية، الذي ينتمي إلى جيل الثمانينيات في الأغنية الشعبية، كان قد نجح بترسيخ نمط معين للأغنية الشعبية، تطوّر لاحقاً في التسعينيات، ليتصدّر المشهد حكيم، وعبد الباسط حمودة، كلّ منهما له لونه الخاص، لكنّ كليهما شعبيّ. هكذا، إلى أن وصلنا إلى "المهرجانات" في بداية هذه الألفية، مع فنانين كثر، مثل علاء فيفتي، وأوكا وأورتيغا، والليثي وحسن البرنس، وغيرهم.
السرّ، بشكل أساسي، يكمن في أنّ كلفة إنتاج "مهرجان" شعبي، في بداية الأمر، أقرب ما تكون إلى الصفر. كتبت الموسيقية شيرين عبده، في "العربي الجديد"، حول الأمر: "برنامج هندسة صوت، وساعة تسجيل، و100 جنيه؛ هذا كل ما تتطلبه صناعة أغنية منزليّاً. هذا ما صرّح به أحد مطربي (المهرجانات). هكذا تحوّلت العملية المعقّدة في الإنتاج إلى جهد شخص أو اثنين: حضّر برنامج الصوت، واخلق عليه دورة الإيقاع المناسبة، جهّز سطر الباص غيتار الصارخ، واترك كل هذا المزيج يستمرّ ضمن تكرار معيّن: أنت جاهز لتغنّي! وهذا ما يفسّر أيضاً تشابه (المهرجانات)، فهي تعكس واقعاً يوميّاً لا يتغيّر".
لاحقاً، التفت رأس المال إلى الأمر، فلجأ إلى مطربي المهرجانات لاستخدامهم في إعلاناته، والأعمال الدرامية أصبحت تخلق مساحةً لمؤدّي المهرجان كي تستطيع الترويج لنفسها وتكسب مشاهدين أكثر، كي تقول إنّ المسلسل يحاكي كل طبقات المجتمع، من دون الانحياز إلى طبقة دون أخرى.
وبهذه الطريقة، لم تعد "المهرجانات" تُنتَج بتلك الطريقة البسيطة والمتقشّفة، وحسب، بل راحت الفرق البديلة وكثير من الفنانين يعملون عليها ويؤدونها. مثلاً، لاقت أغنية "الكيف" لفرقة كايروكي المصرية جمهوراً كبيراً، وتجاوزت مشاهدتها على يوتيوب ثلاثة ملايين مشاهدة. الأغنية ليست مهرجاناً بالضبط، لكن نستطيع أن نلتمس المسحة الشعبية، والتأثر الموسيقي في بناء جملها اللحنية.
كان الأمر عبارة عن مغامرة، أو مقامرة، لم يتوقّع أحد نجاحها. صُدم كثيرون حين صرّحت مريم صالح بأن عملها القادم سيكون مهرجاناً. لكن فعلياً نجح الأمر؛ فها هي أغنية "تسكر تبكي"، من ألبوم "الإخفاء"، التي تُغنّيها مع تامر أبو غزالة، تلقى رواجاً كبيراً أيضاً بين الجمهور. وها هو الفنان والموزّع والمؤلف موريس لوقا يعمل مع كل من صالح وأبو غزالة في الألبوم، الذي نستمع في معظم أغانيه إلى جُمل وطريقة توزيع مأخوذة من المهرجانات.
هكذا، لم تستطع المسارح العربية إلا أن تقدّم عروضاً يؤدّى فيها هذا اللون. في "مترو المدينة"، بعد غد، يغنّي عنداري، ويرافقه كل من سماح بو المنى (أكورديون وكيبورد)، وخالد عمران (باص)، وأيمن سليمان (درامز)، وخضر رغب (كمنجة)، وبهاء ضو (إيقاع)، وعلي الحوت (رق).