في أحدث تصريح له، أوضح الغنوشي، أول من أمس، أن قرار رئاسته للحزب في المؤتمر المقبل "يعود إلى مؤسسات الحركة". بدوره، أقرّ رئيس مجلس شورى الحركة، فتحي العيادي، أن الغنوشي يبقى "من أبرز المرشحين لرئاسة النهضة في المؤتمر المقبل"، مشيراً إلى أن من تقاليد حركة النهضة ألا يُقدّم الشخص ترشحه للمؤتمر، بل إن الحزب هو الذي يُرشح أشخاصاً ممن تتوفر فيهم المواصفات.
إلا أن معلومات مؤكدة حصلت عليها "العربي الجديد" من مصادر قريبة من الغنوشي، تفيد بأنه باقٍ في الحركة، وأن مسألة انسحابه غير مطروحة نهائياً. وتؤكد المعلومات نفسها أن تصريح الغنوشي السابق بإمكان عدم ترشحه كان جديّاً وصادقاً، وأنه كان يفكّر في الانسحاب بالفعل، غير أن مناضلي الحركة عارضوا الفكرة بشدة. وهو الموقف نفسه الذي اتخذته شخصيات سياسية بارزة من خارج الحركة. وترجح معلومات أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، يعارض الفكرة أيضاً، وربما يكون قد تحدّث مع الغنوشي في الموضوع.
ويبلغ الغنوشي من العمر 74 عاماً، وبعد سنوات طويلة في المنفى، عاد بعد الثورة إلى تونس ليقود الحركة في أربع سنوات كانت مثقلة بالنشاط والتطورات المثيرة والحاسمة التي حددت مصير البلاد في أكثر من اختبار، وأدى الغنوشي دوراً بارزاً ومحورياً فيها على المستوى الوطني، وكذلك داخل الحركة التي كان مطروحاً عليها أن تقوم بمراجعة فكرية وسياسية سريعة لتتأقلم مع سرعة التطورات التي فرضها النسق السياسي السريع للبلاد.
ولقي الغنوشي داخل النهضة معارضة كبيرة من بعض القياديين البارزين في الصف الأول والثاني وفي بعض القواعد، وخصوصاً في بداية التسويات والتنازلات التي كان على الحركة تقديمها لدفع الحوار الوطني قبل أن يقتنع هؤلاء بأفكار الشيخ التي جنّبت البلاد خطر التناحر الداخلي من جهة، وتمكين الحركة من البقاء في مواقع متقدمة تتيح لها المشاركة في إدارة شؤون البلاد وتجنب المصير الذي عرفته أحزاب عريقة أخرى من جهة أخرى. كل وجميع هذه الأحداث، يبدو أنها أنهكت الغنوشي، ما جعله يسرّ لبعض المقربين منه بأن "حمل الوطن ثقيل"، ويفكر في الابتعاد، وخصوصاً مع بعض الدعوات التي طالبت بقيادات أكثر شباباً.
اقرأ أيضاً: أسئلة مؤتمر "النهضة" التونسية
ويبدو أن بقاء الغنوشي على رأس النهضة لا تحدده فقط حاجة الحركة الداخلية إليه أو رغبة الدافعين إلى التوافق أو التحالف من خارجها وطنياً، بل تفسره أيضاً رغبة دولية واضحة في محاولة استنساخ تجربة الإسلام السياسي التونسي التي أسسها الغنوشي في بقية المنطقة المتفجرة، بسبب التطرّف الذي عصف بها بفعل بروز قراءات متعسفة للفكر الديني. وهو ما خلق الحاجة إلى فكر الغنوشي المعتدل الذي أخضعه الأخير نفسه إلى مراجعات عديدة. يضاف إلى ذلك الحاجة الى نسيج علاقات الغنوشي وتأثيره إقليمياً في العديد من الشخصيات والتيارات الإسلامية الأخرى.
استمرار الغنوشي في منصبه يترافق مع معلومات حصرية أخرى حصلت عليها "العربي الجديد" منذ فترة تؤكد أن الأمين العام السابق للحركة، حمادي الجبالي، الذي سبق له أن استقال من النهضة سيعود إليها، بشكل علني، بمناسبة المؤتمر بعد أن عاد إليها منذ مدة "بشكل مبدئي". إلا أن الجبالي كأمين عام سابق للحركة، لا يمكن أن يعود في موقع عضو عادي، ولذلك فإن المؤتمر المقبل سيكون فرصة لائقة لعودته من الباب الكبير، وخصوصاً أنه كان أول رئيس للحكومة عن حركة النهضة، وخاض أولى تجاربها الفعلية في الحكم، وفق ما أكدته مصادر من الحركة لـ "العربي الجديد" وهو الأمر الذي لم تنفِه أيضاً قيادات النهضة في اجتماعها، أول من أمس.
وسجل مجلس شورى الحركة أيضاً تأكيداً لما سبق وأعلنت عنه "العربي الجديد" من بقاء أحد أبرز قياديّيها عبد الحميد الجلاصي في صفوفها الأمامية، على الرغم من إعلانه استقالته، إذ يستمر الجلاصي في زيارة مكتبه باستمرار، ولم ينسحب برغم اعتراضه على بعض المسائل داخل الحركة، وفق التأكيدات ذاتها.
وتبدو النهضة خلال هذه الفترة مستعيدة تماسكها أمام هذه الاختبارات الكبيرة، قبل انعقاد مؤتمرها القادم الذي سيكون حاسما في قضية من أبرز القضايا التي تُطرح على الحركات الإسلامية، وهي النظر في علاقة الدَعَوي بالسياسي.
اقرأ أيضاً: "النهضة" ومواجهة الجماعات الجهادية: سحب الشرعية لعزلها