ربّما كان "الهندي الأحمر" الأوّل الذي أراه في حياتي هو الشخصيَّة الكرتونية في مسلسل "توم سوير" - الذي شاهدته في صغري- عن رواية مارك توين.
كان "الهندي" إنجانجو، في ذلك المسلسل الكرتوني رمزاً للمجرم المتوحّش والسارق الذي يُفزع توم سوير وأصدقاءه.
وفي سنوات المراهقة، كنت أشاهد ما تتكرّم به علينا القنوات التلفزيونية المحلية، وكثيراً ما كانت تجود بأفلام هوليوود التي يبدو فيها "الهنود الحمر" بريشتهم المميّزة على رؤوسهم، سفّاكي دماء وسفّاحين، ونازعي فروات الرؤوس.
ورغم ما قرأت في ما بعد عن المجازر التي تعرَّضوا لها على يد الإسبان، فإنَّني لم أتخيّل قدر البساطة والطيبة التي يتمتّع بها أهل هذه البلاد، المنحدرين ممَّن سمُّوا خطأً بالهنود الحمر، والذين يحبّون الغريب ويحتضنونه، ويقدَّمون له أفضل ما عندهم، ما مكّن الأوروبي من سلب خيراتهم ببساطة، وبسرعة قياسية، ومكّن المهاجرين اللاحقين من أوروبيين وعرب من خلق وطن جديد لهم على هذه الأرض التي تشبهنا كثيراً.
قرّبتني سنوات إقامتي في نيكارغوا كثيراً من أهلها، الذين أصبحوا "إخوتي المزيّنين بالريش"، كما تقول الأغنية التي وضع كلماتها وغنّاها المكسيكي غابينو باليمارس.
الريش في ملابس وحياة السكان الأصليين مرتبطٌ بالإله كيتساكواتل، وتعني "كيتسالكواتل" في لغة الناهواتل "الثعبان المزيّن بالريش".
في الميثولوجيا التلاهويكيّة، (من تلاهويكا- المكسيك)، سنجد تشابهاً كبيراً في أساطيرهم وما هو موجود في الأساطير القديمة والديانات التوحيديّة. إذ تصف الأسطورة كيتسالكواتل بأنّه شخصٌ طويل، أشقر، أبيض، ملتحٍ. كان ابن امراة عذراء هي تشيمالما، ومن الملك الإله ميشتوكواتل، ملك تويان. ولأنّها حملت من دون زواج، فقد وضعت تشيمالما ابنها في سلّة، وألقت بها إلى النهر (لا يُعرف اسم النهر).
تربّى عند عجوزين، جعلاه شخصاً حكيماً، وحين عاد إلى تويّان، تولّى رئاسة الحكومة. كان كيتسالكواتل رجلاً عالماً، علّم مواطنيه طرق المعادن وصناعة المجوهرات، والتنجيم، رغم أنَّهم لم يعرفوا أبداً جنسيته وأصوله.
يُقال إنّه ثمل مرّة، وارتكب أفعالاً مخزية، فقرّر الرحيل عبر خليج المكسيك أو البحر التركوازي.
وفي انتحار احتفالي، حيث رافقه أربعة من تلاميذه، غرق للأبد، ووُلد من جديد كنجمة الصباح ثم أصبح اسمه كيتسالكواتل، التي تعني الثعبان المزيّن بالريش الجميل.
أصبح معبود المايا، وعلّمهم الكثير من العلوم والثقافة والفن والسياسة، ووضعوا اسماً آخر له هو كوكولكان – من الممكن أن يكون اسمه الحقيقي، ويعني أيضاً الثعبان المزيّن بالريش. وقد علّق المايا والناهوا والتولتك، رمزه في كل قصورهم، وآثارهم ومعابدهم.
كيتسالكواتل هو إله الريح، والريح هي جوهرٌ إلهي يتمثّل في لهيبٍ كيميائي عُرف كثعبان الريح، لأنّه يصعد ويهبط. ولأنه ثعبان الريح أو الثعبان المزيّن بالريش الجميل فقد كان لهيبه الكيميائي (النار)، مقدّساً.
يرمز الثعبان المجنّح لولادة كينونة أو ذات جديدة في ازدواجية الشخص الواحد. فالثعبان يرمز إلى الأرض والريش يرمز إلى الهواء.
ريشات كيتسالكواتل، هي اتّحاد عدّة ألهبة في لهيب الثعبان. كلّ لهبٍ بسيط يرمز إلى عنصر الهواء، واللهب العظيم يرمز إلى عنصر الأرض. ثعبان الريح كيتسالكواتل، يرمز إلى صحوة الكينونة أو الذات الحقيقية.
كلّ ريشة ترمز لقدرة المحارب، المستوحاة من قدرة الثعبان. كل ريشة هي سيفٌ في الهواء لها صفات محارب. كلّ ريشة تولد في لهبٍ ترفع مستويات الوعي. كلّ ريشة تزدهر بفضلٍ إلهي من خلال الموسيقى، تحوِّل الثعبان إلى كائن بصفات إلهية لا تخطر على بال العقل البشري.
كلّ ريشة هي لهبٌ كيميائي من الحب والوعي. في ريشات الثعبان نجد ذاكرةَ وحكمة الأسلاف لمحارب النور، وكلّ لهب يمثّل فضيلة المحارب.