"الوفاء" لمسنّي غزة في خطر

26 سبتمبر 2018
من أحد النشاطات الترفيهية (محمد الحجار)
+ الخط -
يفتقر قطاع غزة إلى مراكز كافية للعناية بالمسنين. ومركز الوفاء لرعاية المسنين، وهو مركز أهلي خيري والوحيد لإيواء ورعاية المسنين في قطاع غزة، بات من جهته مهدّداً بعدما تراجعت خدماته. ويتأثّر المركز، حاله حال قطاعات ومؤسسات أخرى في قطاع غزة، سلباً بفعل أزمة انخفاض تمويل المؤسسات الخيرية والمستشفيات. وقد انتقل إلى مرحلة تقليص خدمات العلاج النفسي والاجتماعي للمسنين. ولم تعد الخدمات تقدَّم بشكل دوري نتيجة الاستغناء عن عدد من الموظّفين.

بعد وفاة زوجها قبل نحو أربع سنوات، انتقلت فاطمة (70 عاماً) إلى الإقامة في المركز إذ إنّه لم يعد لديها مأوى. هي تعاني من اكتئاب حاد، خصوصاً أنّ لا أقارب لها. وتقودها الممرّضة لتجلس يومياً في حديقة المركز منذ الصباح وحتى غروب الشمس مع مسنّين آخرين، نظراً إلى عدم قدرة المركز على متابعة تقديم العلاج النفسي لها. تحبّ فاطمة النشاطات الترفيهية وزيارات المجموعات الشبابية الداعمة للمسنين بين فترة وأخرى. لكنّها تُلاحظ تقلّص تلك النشاطات في ظل الأزمة الاقتصادية. وتقول لـ "العربي الجديد": "هذا بيتي الذي بقي لي من الدنيا بعدما هجرني الجميع وتوفي زوجي". في الوقت الحالي، تفتقد التمارين الرياضية الصباحية وجلسات العلاج النفسي.



من جهته، فإنّ يوسف (78 عاماً) لم يحصل على بعض من أدويته منذ أكثر من شهر بسبب عدم توفّرها في المركز وغلاء ثمنها، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها أمر مماثل منذ عشر سنوات. ويشعر بالحزن بعدما علم من أحد العاملين بتقلّص الدعم الخارجي، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "في دار المسنين، نشعر بمعاناة بعضنا بعضاً. في الدار، عائلة جميلة يتشارك أفرادها ذكرياتهم القديمة والحكايات. اليوم، بدأت أشعر بتغيّر حالنا ونقص لوازمنا. لا مكان لنا، حتى أنّ بعضنا يشعر بالقلق والخوف من جرّاء نقص الأدوية وجلسات العلاج الطبيعي".

يجلس وحيداً في الشارع (محمد الحجار) 


وكان مركز الوفاء قد اضطر إلى خفض تكاليف التشغيل إلى الحدّ الأقصى، وخفض رواتب الموظفين بنسبة 50 في المائة، وتقليص الاحتياجات الأساسية كالمستلزمات الطبية والأدوية ومواد التنظيف وغيرها. وتتخوّف إدارة المركز من استمرار الأزمة لأنّها سوف تدفعهم إلى خفض خدمات التأهيل الطبي وجودة المأكل والملبس وعدد ساعات التغذية بالكهرباء بالإضافة إلى الأدوية والمستلزمات الطبية.

ويقدّم المركز خدمات شاملة منذ عام 1980 لكبار السنّ الذين تجاوزوا 60 عاماً، والذين ليس لديهم أبناء ذكور أو معيل، أو دخل كاف يوفّر لهم الرعاية الطبية والصحية والاجتماعية والنفسية على مدار الساعة ومدى الحياة، على غرار ما يقدّمه المركز. اليوم، يبلغ عدد المسنّين في المركز 44 مسناً (25 امرأة و19 رجلاً)، وفي ظل الأزمة المالية الحالية فإنّ كثيرين آخرين هم على لائحة الانتظار ولا يستطيع المركز استقبالهم.

يستمتعون بوقتهم (محمد الحجار) 


والأزمة بدأت في مطلع عام 2017، بحسب ما يقول مسؤول العلاقات العامة والإعلام في المركز عطية الوادية، الذي يشرح لـ"العربي الجديد" أنّ الأمر حدث "عندما أوقف برنامج الأغذية العالمي مساعداته للمركز في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. بعدها، راح يقدّم مساعدات غير ثابتة حتى نهاية عام 2017، قبل أن تتوقف نهائياً ابتداءً من عام 2018".

يضيف أنّ "التبرّعات المحلية من أهالي القطاع وبعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية العاملة في قطاع غزة تقلّصت نتيجة اشتداد الأزمة الاقتصادية، بعدما كانت تُعَدّ ركيزة أساسية للمركز".



أمّا التبرعات الخارجية، فيشرح الوادية أنّها "كانت تأتي من مؤسسات إغاثية عربية ودولية. لكنّ دعمها توقف عن المركز بسبب الاضطرابات في المنطقة وتوجيه التمويل إلى مناطق تشهد نزاعات ونزوح. ولم يستطع المركز سدّ الفجوة منذ ثلاثة أعوام. واليوم، يحتاج المركز إلى مولدات كهرباء لتوفير التدفئة بهدف الحفاظ على سلامة المسنين". ويوضح أنّ "هذه الخدمات مهددة بالتوقف في أيّ لحظة، وقد يعاني المركز من عجز بنسبة 80 في المائة من القدرة التشغيلية. بالتالي، فإنّ حياة المسنين مهددة ومعرّضة للخطر".

وكان المركز قد أطلق حملة توعية مجتمعية بعنوان "برّهم واجب علينا" لإبراز أهمية مشاركة المجتمع المحلي والدولي من أجل حمل رسالة المسنين الإنسانية وتوفير حياة كريمة لهم، تستمرّ حتى ديسمبر/ كانون الأول 2018. وقد استجاب للحملة بعض الغزيين والمؤسسات، فجُمعت تبرّعات خيرية لكنّها لم تسدّ إلا القليل من حاجة المركز.