قدمت ثلاث منظمات حقوقيّة مصريّة، تقريرًا مشتركًا لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حول الحقّ في التظاهر والتجمّع السلمي في مصر، في ضوء الاستعداد لعملية الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة والمقرر في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
معتمدين في ذلك على أن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة تعدّ أحد أهمّ مصادر المعلومات التي يعتمد عليها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خلال عملية استعراض ومناقشة الملف الحقوقي لأي دولة عضو في المجلس.
وكشف التقرير المشترك لمركز القاهرة لحقوق الإنسان، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمبادرة المصرية للحقوق والحريات الشخصية، المسافة الشاسعة بين الالتزامات الدولية التي تعهّدت بها مصر، وبين واقع الحق في التجمع السلمي في مصر، سواءً على مستوى التشريع أو على مستوى الممارسة.
وذكّر أن مصر طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الملزم بضمان الحق في التجمع السلمي، بالإضافة إلى أنها موقعة على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، الذي يضمن حرية التجمع، وتعهدت أمام الأمم المتحدة بتطبيق مجموعة من التوصيات المتعلقة بالحق في التظاهر، والتزام قوات الشرطة ضبط النفس طالما لم تتعرض
للتهديد المباشر، وإقرار مدوّنة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين والمبادئ الأساسية، في ما يتعلق باستخدام القوة والأسلحة النارية.
وشدد التقرير على أن التظاهر السلمي لعب دورًا محوريًا في الحراك السياسي في السنوات الأخيرة، "بل يمكن القول إن الحكومات التي تعاقبت منذ 2011 جاءت جميعها نتيجة ممارسة المواطنين لحق التجمّع السلمي، إلا أن الاختلاف بين وجوه وأسماء الحاكمين لم يشكل فارقًا في النظرة السلبية للحق في التظاهر. فكان أكثر الحقوق التي تحرص الحكومات المتعاقبة على انتهاكه، إذ اعتبرت الحكومات المتعاقبة أن التظاهر هو الممارسة التي ساهمت في إسقاط الحكومات السابقة، وبالتالي فهي خطر عليها لا بد أن تسعى جاهدة لمنعها ومواجهتها بعنف"، بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أن الدستور الحالي (2014) ضمن حق التجمع السلمي، إلا أنه –وحسب التقرير– يؤخذ على النص الدستوري أنه اشترط الحصول على إخطار قبل تنظيم التجمعات العامة، مما يتعارض والحق في التجمع السلمي، حيث يغلق الباب على الاعتراف بقانونية التجمعات العفوية السلمية التي لا تشترط الإخطار، ويؤخذ أيضًا على النص الدستوري أنه سار على نهج الدساتير السابقة بإضافة جملة "على النحو الذي ينظمه القانون" مما جعل النصّ عرضة للتفريغ من مضمونه بنص قانوني.
وانتقد التقرير القانون رقم 107 لعام 2013 "والخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية"، واعتبره يعكس اتساقًا مع فلسفة العداء تجاه الحق في التجمع السلمي، ويقيّد الحق في استخدام المجال العام ويحول التظاهر إلى جريمة، منتقدًا تراجع السلطات عن تعديل القانون أو إعادة النظر فيه، رغم التوصيات الحقوقية المصرية والدولية والانتقادات الواسعة التي طالت القانون.
وحدد التقرير خمس إشكاليات رئيسية في قانون التظاهر، وشرح تفصيليًا انعكاساتها على ممارسة هذا الحق:
أبرزها تفريغ القانون فكرة "الإخطار" من مضمونها، حيث اشترط القانون "عدم اعتراض وزارة الداخلية" وهو ما يعني ترخيصًا من الشرطة لإقامة تجمع عام.
كما أطلق القانون الحريّة للشرطة في التعامل العنيف مع التظاهرات بقيود واهية تحت دعوى الخروج عن "الطابع السلمي" دون تعريف دقيق لهذا الطابع وترك التقدير لقوات الأمن.
هذا بالإضافة للسماح باستخدام أسلحة الخرطوش المميتة، ناهيك عن تغليظ العقوبات ورفع كلفة ممارسة هذا الحق للحبس والغرامة التي قد تصل إلى مائة ألف جنيه، مع تطبيق العقوبة بصرف النظر عن اقتران مخالفة الإجراءات بجرائم أو بأعمال عنف أو عدمه.
واعتبر التقرير أن ثمة ارتباطا وثيقا بين أداء المحاكم والسلطات القضائية الأخرى كالنيابة العامة، وبين الانتهاكات المرتبطة بالحق في التجمع السلمي، بدءًا من الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، مرورًا بالتعنت أثناء استجواب المتظاهرين وخلال فترة محبسهم، وصولًا إلى تلفيق التهم لهم دون سندٍ قانوني حقيقي، بما في ذلك اتهام المتظاهرين بالقتل بينما الأدلة القانونية تشير بالاتهام إلى قوات الأمن.
فمنذ تصاعد موجة المعارضة لنظام مبارك عام 2010 احتجاجًا على استمرار فرض حالة الطوارئ والممارسات الاستبدادية الأخرى وحتى الآن، تتصاعد الإجراءات القمعية وترتفع معدلات القبض على المتظاهرين، وإحالتهم للنيابة العامة، وبالإضافة للتهم المدرجة حاليًا في قانون التظاهر، كانت وما زالت توجه تهمة "التجمهر" طبقًا للقانون رقم 10 لسنة 1914، وعلى الرغم من أن قرارات النيابة في بعض حالات القبض على المحتجين السلميين كانت تنتهي إلى إخلاء سبيلهم، إلا أنها أيضًا كثيرًا ما كانت تصدر قرارات بحبسهم احتياطيًا على ذمة التحقيقات لفترات متفاوتة.
هذا بالإضافة إلى تولي القضاء العسكري النظر في بعض القضايا المدان فيها مدنيون؛ مثل أحداث ماسبيرو في 2012، وعدد من المتظاهرين المقبوض عليهم أثناء اعتصام ميدان العباسية المجاور لمبنى وزارة الدفاع، احتجاجًا على سياسات المجلس العسكري السابق.