يواجه الأثرياء وأصحاب المجموعات الاقتصادية الكبرى انتقادات حادة بسبب ما وصفه تونسيون بضعف تبرعاتهم ومساهمتهم في دعم مجهود الدولة في مقاومة أزمة كورونا، وسط مطالب بضرورة فرض ضرائب على الثروة تخصص حصيلتها لمجابهة الجائحة.
وطالب برلمانيون، أصحاب الثروات، بسخاء أكبر تجاه الدولة في مثل هذه الأزمات والقيام بواجبهم، عبر زيادة حجم التبرعات المباشرة مثل ما قدمه أثرياء دول أخرى قريبة من تونس، مثل المغرب الذي تبرع رجال أعماله بأكثر من مليار دولار، مؤكدين أن قانون الضرائب على الثروات قد يصبح ضروريا في هذه الفترة.
ويعتبر تونسيون أن أثرياء تونس قصّروا في تقديم يد العون للدولة التي طالما كانت السند لهم في وقت الأزمات وساعدتهم في الحصول على قروض مصرفية ميسرة، وأحيانا خارج الأطر القانونية ومن دون ضمانات ليراكموا ثروات كبرى.
ودعا عضو البرلمان، الصحبي صمارة، الحكومة، إلى ضرائب على الثروة، داعيا رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، إلى ضرورة فرض الاقتطاع على الثروة لأصحاب الثروات.
وأفاد صمارة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن حالة الانكماش لدى رجال الأعمال وشح تبرعاتهم تفرض إجراءات استثنائية، ومنها الضريبة على الثروة التي يمكن أن توفر إيرادات مالية إضافية تحتاجها تونس في هذا الظرف.
وقال إن "رجال الأعمال يبحثون عن الامتيازات فقط"، مطالبا بمزيد من الضغط على أصحاب الثروات في تونس للمساهمة في المجهود الوطني لمجابهة كورونا. واعتبر أن أصحاب الثروات يحولون الأزمات لصالحهم لابتزاز الدولة.
ولا تفرض تونس بمقتضى القانون أي جباية على الثروات، مقابل ضغط ضريبي مرتفع على الأفراد والشركات يصل إلى حدود 35 بالمائة.
وقال وزير أملاك الدولة، غازي الشواشي، في تصريحات إعلامية، أخيرا، إنه "من الممكن اللجوء إلى الضريبة على الثروة لإجبار الأغنياء على دفع ضريبة معينة".
وأضاف الوزير التونسي أن هذا حل من بين الحلول بمقتضى قانون يجبر أصحاب الثروات على دفع نصيب معين أو ضريبة معينة لدعم مجهودات الدولة وإمكانياتها لمواجهة هذه الأزمة.
ومنذ بداية أزمة فيروس كورونا، فتحت وزارة المالية حسابا لجمع التبرعات لفائدة الدولة لمجابهة الجائحة وتجهيز المستشفيات، كما تم تنظيم فعالية للتبرع انتهت بجمع 27 مليون دينار، أي نحو 9.4 ملايين دولار فقط.
ورغم الانتقادات الموجة لهم، اعتبر أصحاب المجامع الاقتصادية الكبرى ورجال الأعمال المنتمون لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أنهم يقومون بواجبهم ويدفعون الضرائب ويخلقون فرص العمل ويساهمون في النمو الاقتصادي.
وعبّر الاتحاد، في بيان أصدره السبت الماضي، عن رفضه القاطع لأي محاولة للمساس بمبادئ الملكية الخاصة وحرية المبادرة بأي شكل من الأشكال.
وقالت منظمة رجال الأعمال إنها ستواصل الدفاع بكل قوة عن القطاع الخاص الذي يشغّل أكثر من مليوني تونسي، والذي يساهم في الاستثمار والتصدير والتنمية ويعمل على تحقيق الأمن الغذائي الوطني، والاكتفاء الذاتي في مجال التغذية والأدوية والصحة والنظافة، والتي تمثل أسسا مهمة للسيادة الوطنية، خاصة في مثل هذه الظروف الطارئة.
ويرى الخبير الاقتصادي، مراد سعد الله، أن النظام الجبائي التونسي الذي تنظمه 5 مجلات جبائية لا يفرض أي ضرائب على الثروات بهدف تشجيع أصحاب الأموال على توجيهها نحو الاستثمار.
واستبعد سعد الله فرض الحكومة ضريبة على الثروة، مؤكدا أن أصحاب الثروات وكبار المهربين متحصنون بالبرلمان بعد أن أصبحوا أعضاء صلب مؤسسة التشريع.
وقال إن البرلمان لن يصدر أي قانون لفرض ضرائب على الثروة، لأن الأثرياء هم من يكتبون التشريعات في برلمان تونس، وفق قوله.
وأكد سعد الله أن نحو 250 مؤسسة اقتصادية كبرى في تونس تدفع الضرائب على الأرباح لفائدة الدولة، معتبرا أن الضغط الجبائي في تونس مسلط على كل من يقوم بواجبه الضريبي، مقابل استثناء العاملين في القطاع الموازي الذين يراكمون ثروات كبرى، حسب تقديره.
وعبّر رئيس الحكومة عن رفضه لشيطنة رجال الأعمال، مؤكدا، أمام البرلمان، أن تونس في حاجة إلى رجال الأعمال اليوم وغدا، وسيتم التعويل عليهم في المستقبل بعد مرور الأزمة، من أجل الاستثمار الخاص وتدارك نتائج أزمة فيروس كورونا، خاصة أن الوضع سيكون صعبا. ودعا رجال الأعمال إلى ضرورة الوقوف مع تونس أكثر.
يعود ظهور جلّ المجموعات الاقتصادية العائلية القوية في تونس إلى سبعينيات القرن الماضي، بفضل التشجيعات السخية للدولة التونسية، وقد سمحت بخلق طبقة من رجال الأعمال والمستثمرين في القطاعات الصناعية والسياحية، أصبحوا لاحقا في مواقع شبه احتكارية في بعض القطاعات، بحسب خبراء الاقتصاد.
وكان سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، باتريس برغاميني، قد صرح العام الماضي، لجريدة "لوموند" الفرنسية، بأن "لوبيات اقتصادية عائلية" تعرقل المنافسة الحرة في الاقتصاد التونسي.