في خطوة قد تجعل من تركيا مركزاً مهماً في تجارة الغاز الطبيعي العالمية، قال الكرملين في بيان إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان مشروع غاز "تركيش ستريم" خلال اتصال هاتفي.
وذلك حسب ما ذكرت رويترز. وجاء الاتصال فيما تواصل موسكو السعي لتنفيذ مشروع خط أنابيب جديد تحت البحر يصل إلى أوروبا.
وبعد اعتراضات من الاتحاد الأوروبي تخلت روسيا في ديسمبر/كانون الأول عن مشروع
"ساوث ستريم" الذي تبلغ قيمته 40 مليار دولار وكان من المقرر أن يمر تحت مياه البحر الأسود إلى بلغاريا وينقل ما يصل إلى 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا.
وتعلق روسيا الآن آمالها على تركيا إذ تتطلع لمد خط أنابيب "تركيش ستريم" بنفس الطاقة إلى مركز لم يتم تشييده بعد على الحدود التركية اليونانية بنهاية عام 2016.
وقال مسؤولون أتراك إنه من المستبعد أن تسير الخطط بالسرعة التي تريدها موسكو في ضوء مخاوف أنقرة من الاعتماد الزائد على الطاقة الروسية.
ومع ذلك ذكر الكرملين في بيانه ليل الثلاثاء أن بوتين وأردوغان بحثا المشروع خلال الاتصال الهاتفي دون أن يقدم المزيد من التفاصيل.
ورغم الاتفاق المبدئي بين الرئيسين علي المشروع الضخم، فإن خبراء أوروبيين في تجارة الغاز يقولون إن هنالك خطوات فنية عديدة يحتاجها الطرفان قبل التوصل إلى اتفاق واقعي لتصدير الغاز الروسي إلى تركيا.
ومن بين هذه الخطوات الاتفاق على معدل الرسوم التي ستفرضها تركيا على الغاز الروسي، كما أن هنالك احتجاجات تركية على السعر المرتفع الذي تفرضه شركة غازبروم على الغاز المصدر إلى تركيا.
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "كومرسانت" أمس الأربعاء أن المفاوضات حول أسعار الغاز الذي تسلمه روسيا إلى تركيا دخلت في طريق مسدود ، مما يمكن أن يؤدي إلى توقف المشروع الجديد لأنبوب الغاز بين البلدين الذي يكتسي أهمية كبرى على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وتسعى تركيا منذ مدة لتصبح مركزاً لتصدير الغاز إلى أوروبا، مستفيدة في ذلك من موقعها القريب من الدول العربية وإيران الغنية بالغاز الطبيعي، وكذلك قربها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً.
وتسعى أنقرة أيضاً في أن تصبح مصدراً رئيسياً لتجارة الغاز الطبيعي في العالم خلال السنوات المقبلة عبر تجميع الغاز من عدة دول في أراضيها ثم تصديره إلى أوروبا الباحثة عن بدائل للغاز الروسي المصدر عبر أوكرانيا.
وتواجه أوروبا مزيداً من الصعوبات مع تفاعل الأزمة السياسية بين روسيا وأوكرانيا.
ويعتقد سياسيون أوروبيون أن اعتماد أوروبا المتزايد على الغاز الروسي يحجم من الدور الأوروبي في كبح النفوذ الروسي في أوكرانيا.
اقرأ أيضاً:
تركيا تطمح لإمداد أوروبا بغاز الشرق
ورغم التحفظات الأوروبية حول تداعيات تجارة الغاز بين روسيا وتركيا وتأثيرها على مجريات السياسة في أنقرة، إلا أن خبراء أوروبيين يرون أن تركيا ستقوم بدور شراء الغاز الطبيعي من روسيا وإعادة تصديره إلى أوروبا.
ويذكر أن المفوضية الأوروبية ناقشت في أوج الصراع الأوروبي مع موسكو، استراتيجية لاستغلال تركيا كمركز آمن للحصول على الغاز من العراق وإقليم تركمانستان وربما لاحقاً من إيران في حال اكتمال ونجاح مفاوضات الملف النووي الجارية بين طهران والقوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة في فيينا.
وتنبع أهمية تركيا ليس فقط من موقعها الاستراتيجي بين أوروبا ومناطق إنتاج الغاز في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، ولكن كذلك من موقعها في التجارة العالمية وعلاقاتها القوية مع الاتحاد الأوروبي والعلاقات التاريخية التي تربطها مع الدول الغنية بالغاز في آسيا الوسطى.
كما أن تركيا في ذات الوقت مستهلك كبير للغاز الطبيعي خاصة مع حجم اقتصادها الضخم.
وتستهلك تركيا حالياً حوالى 50 مليار متر مكعب من الغاز، وحسب توقعات شركة بوتاش التي نشرها معهد أوكسفورد للطاقة، فإن حجم الاستهلاك التركي قد يرتفع إلى 81 مليار متر مكعب من الغاز بحلول العام 2030.
اقرأ أيضاً:
تركيا: تراجع الليرة يرفع أسعار الغاز الطبيعي 9%
وتستورد تركيا حالياً حوالى 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا و12.6 مليار متر مكعب من الغاز من أذربيجان و10مليارات متر مكعب من إيران وحوالى 4 مليارات متر مكعب من الجزائر وكميات قليلة من تركيا.
ولكن معظم هذه الكميات تستخدمها تركيا في توليد الكهرباء محلياً. وتصدر تركيا كميات قليلة من الغاز الطبيعي حالياً إلى أوروبا من خلال خط أنابيب يربط بينها وبين اليونان.
ويلاحظ أن لدى تركيا علاقات قوية تربطها بإقليم كردستان وربما تكون إحدى الدول التي ستلعب دوراً في استقرار العراق.
وبالتالي فهنالك توقعات تشير إلى أن الغاز الطبيعي العراقي سيكون جاهزاً للتصدير خلال العامين المقبلين. ولدى العراق احتياطي كبير من الغاز الطبيعي يمكن تصديره إلى تركيا.
وتعتقد المفوضية الأوروبية أن إنشاء خط الغاز الجنوبي، يعد من أهم خطوط أمن الطاقة الأوروبي إلى جانب خطوط الإمداد التي تربط أوروبا بالغاز الروسي والنرويج وشمال أفريقيا من الجزائر.
وهذا الخط المخطط له سينقل الغاز الطبيعي عبر تركيا من كل من العراق ومناطق الشرق الأوسط الأخرى ودول البحر الأسود إلى أوروبا.
ومن الاحتمالات الأخرى لنقل الغاز الطبيعي عبر تركيا إلى أوروبا خط الغاز الثاني بين أذربيجان وتركيا لنقل الغاز من من حقل "شاه دينز" في أذربيجان بطاقة 10 مليارات متر مكعب سنوياً إلى أوروبا.
ولكن من بين أهم الخطوط التي ستجعل من تركياً مصدراً حيوياً لتصدير الغاز هو خط "تاناب". ومن المعتقد أن يكتمل إنشاء هذا الأنبوب في العام 2018.
وتقدر كلفة هذا الأنبوب بحوالى 7 مليارات دولار ومن المعتقد أن يبدأ التصدير بطاقة أولية ترتفع إلى 16 مليار متر مكعب في العام 2020.
وإلى جانب تصدير الغاز عبر الأنابيب تتجه تركيا للمتاجرة في الغاز المسال المرسل عبر الحاويات، وهنالك آمال تركية في الحصول على شحنات غاز مسال من قطر إلى بعض الموانئ التركية.
وتعكف تركيا على إنشاء محطات لمعالجة الغاز المسال لتشمل شراء شحنات الغاز المسال من
قطر وكردستان وروسيا في المستقبل.
وفكرة بيع الغاز الكردستاني عبر تركيا تروق للسلطات في إقليم كردستان التي لا تملك خبرة في تسويق كميات الغاز الطبيعي التي أصبحت جاهزة للتصدير.
ولكن في مقابل هذه الآمال في تحول تركيا إلى مصدر مهم لتصدير الغاز إلى أوروبا، هنالك مخاوف من انفجار الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط التي باتت تشبه برميلاً من البارود جاهزاً للانفجار في أية لحظة.