من السهل أن نلاحظ تعدّد الكتابات حول جائحة كورونا التي هزت العالم هذه السنة في اللغات الأوروبية، وهو ما يشير إلى تفاعل سريع بين الحياة الثقافية وما يحدث في المجتمع. لن نجد نفس هذا التفاعل في السياق العربي حيث لا تزال الأعمال قليلة في هذا الإطار.
من بين المساهمات العربية في تناول وباء كوفيد-19 بأدوات علمية، يأتي الكتاب الجماعي "تونس في تحدي كوفيد-19" الذي أشرف عليه الباحث حمّادي الرديسي، وصدر مؤخراً في طبعة مشتركة بين "المرصد التونسي للتحوّل الديمقراطي" و"مؤسسة فريديريك إيبرت" الألمانية.
تتعدّد زوايا النظر في الكتاب بتعدّد اختصاصات المشاركين. فمن التاريخ يقارب عبد الكريم العلاقي كوفيد-19 باعتباره محطة في تاريخ طويل للأوبئة في تونس وذلك في دراسة بعنوان "تاريخ موجز للأوبئة في تونس"، ومن زاوية العلوم الطبية قدّمت سيرين بن سعيد صفار ورقة بعنوان "التعامل الصحّي مع كوفيد-19 في تونس" حيث تقدّم مقاربة للسياسات الصحية التي جرى اعتمادها لوقف انتشار الوباء. ومن زاوية الاقتصاد السياسي، قدّم آيسن الماكني دراسة بعنوان "الاقتصاد التونسي في مواجهة وباء كورونا".
في فصل بعنوان "غير متكافئين أمام الجائحة؟"، يجرى استدعاء أدوات العلوم الاجتماعية في مقالات حملت عناوين: "شكوك ومعضلات الفئات الاجتماعية الأدنى طبقياً" لـ حافظ شاكر، و"أي أثر للوباء على الصحة النفسية للتونسيين والتونسيات" لـ أحلام بلحاج.
كما تحضر العلوم السياسية والقانونية بقوة في الكتاب، ومنها دراسة محمد شفيق صرصار عن تعامل القانون في تونس مع الوضعيات التي فرضتها الجائحة، وتحدّث هادي بن مراد عن السلطة في زمن الأزمات، وقدّمت حفيظة شاكر ورقة بعنوان "أثر كوفيد-19 على حقوق المرأة"، فيما درست فاطمة اللافي مسألة الحجر الصحّي من زاوية حقوق الإنسان.
وفي ورقة مشتركة، اشتغل كلّ من أسماء نويرة وحاتم شقرون حول تشابك مجابهة الأزمة الصحية بالدين، فيما تناول الباحث صحبي خلفاوي التعامل مع الجائحة من زاوية السلطة التنفيذية، مقابل اشتغال مهدي العش على تفاعل البرلمان والأحزاب معها.
يُذكر أن الكتاب قد صدر باللغة الفرنسية وهو خيار يبدو مفهوماً على خلفية أن معظم الحقول البحثية التي جرى استدعاؤها تدرّس بالفرنسية في تونس، ولكن من الجدير الانتباه أن ذلك يمثّل نوعاً من القطيعة مع شرائح كبيرة من القرّاء لا تزال تنتظر من يحدّثها عن الوباء بلغة علمية عربية.