"جعالة" جنود بشار الأسد
مرّر مجلس الوزراء بحكومة بشار الأسد عطاء كبيراً ومكرمة لا تُنسى، إلا أن الحدث الجلل لم يأخذ حقه إعلامياً، وهذا انتقاص واستهداف علاني وواضح، بل وأحد أركان "المؤامرة" المعلنة على سيادة الرئيس، منذ مارس/ آذار 2011، وقت جحد السوريون وتنكروا لدوره، إن بتطوير وتحديث سورية، أو لردع العدو الصهيوني وتربعه على عرش الممانعة والمقاومة.
والحدث الذي أهملته المحطات التلفزيوية ووكالات الأنباء يا سادة عمداً، كان زيادة "جعالة" العسكريين "أي مبلغ إطعام" بنسبة 100%، وهي نسبة لا أعتقد أن حكومات الدول الغنية، من ألمانيا فاليابان، بل وحتى حكومة الأشقر ترامب، تتجرأ على اتخاذها، وخاصة أنها جاءت هذا العام تتمة لرفع سابق العام الماضي، وبنسبة 400%.
بيد أن الاستهداف للقائد ابن القائد، دفع الإعلام والباحثين، للتعامي عن هذه "المنّة" التي تحسب ولا شك، لنظام بشار الأسد، الذي يرفع من مستوى معيشة وغذاء جنوده الميامين، ليتمكنوا من ملاحقة الإرهاب والتطرف، وقتل من تبقى من السوريين.
قصارى القول: بعد موجة التهكم والدعابة، تعالوا نفك طلاسم نسبة 100%، ولماذا لم تأت وكالة أنباء النظام السوري على الرقم، بل اكتفت بعرض النسبة، ضمن خبر لا يتجاوز عشر كلمات.
كانت "الجعالة" وحتى العام الفائت، بقيمة 125 ليرة سورية، ولثلاث وجبات للجندي بصفوف جيش الأسد، فتم رفعها بنسبة 400% لتصبح 500 ليرة سورية، أي دولاراً واحداً، وتم رفعها خلال آخر جلسة لحكومة الأسد، بواقع 100%، أي باتت 1000 ليرة سورية، علماً أن سعر كيلوغرام اللحم بسورية يتعدى 5500 ليرة سورية وكلغ الموز 1000 ليرة وسعر البنطال 3000 ليرة.
ووفق دراسات صادرة عن مراكز من دمشق، منها مديرية حماية المستهلك، تزيد تكاليف معيشة الأسرة السورية عن 180 ألف ليرة سورية خلال الشهر، فكيف لهذا الجندي الذي يتم الاحتفاظ به، منذ سبعة أعوام، أن يأكل ثلاث وجبات بألف ليرة سورية، هذا إن لم نأت على أسرته ومصاريفها طبعاً.
أولم نسبر خفايا أكل الجنود السوريين، والذي يذهب قسم منه لقائد الوحدة العسكرية وقسم آخر للضابط المناوب وقسم ثالث لضابط الأمن ورابع للمساعد أول المسؤول عن التوزيع، أو لصفقات شراء الطعام، التي شكلت لمسؤولي إدارة التعيينات والضباط المسؤولين عن شراء الطعام، ثروات طائلة.
ولم نتطرق إلى "مطابخ الجيش"، إذ وبالغالب، يتم طبخ الطعام وتحضيره بمكان بعيد عن الجنود، ويتم نقله بفخر الصناعة الروسية، سيارات الزيل، على طرقات وعرة وترابية، أي ما يزيد عن سرقات القادة، ينسكب على الطرقات، لتصل "الفروجة" للجندي وكأنها خارجة من عملية بيع الأعضاء، ليس فيها إلا ما فاض عن التجار وذاكرة الطرقات، والبطاطا المسلوقة مهروسة ولا حاجة ليضيّع الجندي وقته الثمين بالطهو والتحضير..
نهاية القول: من المنطق والمتوقع أن يسأل قارئ: كيف يعيش الجنود بسورية إذاً، بواقع سوداوية المشهد التي رسمت؟
الإجابة يا سادة تتفرع لقسمين، الأول منها أن الأسرة السورية، وتاريخياً، تعامل ابنها الذي يخدم الجندية مثل أخيه الذي يدرس بالجامعة، بل إن نصيب العسكري من المصاريف يفوق الجامعي، وهذا واقع يعرفه السوريون.
أما القسم الآخر، والذي نشأ بالتزامن مع قيام الثورة، فهو الأكثر وجعاً وخطورة، إذ تم إطلاق يد الجنود ومنذ سبع سنوات، ليسرقوا ويشبحّوا - وفق المصطلح السوري - كل ما يصادفهم، من أثاث منزلي وأدوات كهربائية، بل وحتى الدجاج، وثمة فيديوهات توثق سرقات جنود الأسد لدجاج وماشية وكل ما تحويه منازل الثوار، حتى نشأت أسواق عدة في محافظات سيطرة الأسد جميعها، بل وثمة تماد واستفزاز، حينما تمت تسمية تلك الأسواق "أسواق السنّة".
بل ثمة تشجيع وضوء أخضر للجنود ليعيثوا بكل ممتلكات حواضن الثورة، سرقة وتخريباً وفساداً، وذلك لأهداف كثيرة، منها ما هو مباشر، كتعويضهم عن حقارة الجعالة وتواضع الراتب الشهري الذي لا يزيد عن 15 ألف ليرة.
ومنها ما هو بعيد وقصدي، ويتجلى بتكريس الحقد بين فئات المجتمع السوري، إذ نتج عن التسريب المتعمد من قبل النظام لفيديوهات "التعفيش" كما كرست فيديوهات تعذيب السوريين وتركيعهم لبشار الأسد، من الشقاق والكراهية، ما يطلبه نظام الأسد ويشتهيه، ليستمر وفق مبدأ حامي الأقليات و... فرّق تسد.