واللافت أنّ الجهاديين نقلوا مسرح العمليات من الشمال إلى وسط البلاد في خطة تكتيكية للالتفاف على عمليات التمشيط والملاحقة التي تقوم بها القوات الفرنسية والمالية في الشمال. والواقع أن القوات الفرنسية لم تنجح حتى الآن في ضبط الأمن بشكل كامل في منطقة الوسط، حيث توجد مدينتا سافاري وموبتي المحاذيتين لمنطقة الشمال، التي وقعت ربيع العام 2012 في قبضة التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة" في المغرب وجماعة "أنصار الدين".
كما أنّ الهجمات الدموية في منطقة الوسط تكثّفت بشكل لافت في الأسبوع الأخير. فقد لقي 13 جندياً مصرعهم في كمين نصبه الجهاديون قرب مدينة نامبالا في 1 أغسطس/ آب الحالي. كما قُتل 11 جندياً مالياً في هجوم استهدف قاعدة للحرس الوطني المالي في مدينة غورما راهوس، في 3 أغسطس الحالي، وتبنى تنظيم "القاعدة" العمليتين. كما تبنّى تنظيم "أنصار الدين" عمليتين أخريين في يونيو/ حزيران الماضي، استهدفت الأولى حاجزاً للجيش المالي عند الحدود مع موريتانيا، وأسفرت عن سقوط 3 قتلى. واستهدفت العملية الثانية بلدة عند الحدود مع ساحل العاج، تعرضت مبانيها الإدارية للتدمير والحرق.
وتعكس هذه العمليات حقيقة الحرب الشرسة بين هذين التنظيمين الجهاديين والقوات الفرنسية المنخرطة في عملية "برخان" التي تشنها فرنسا في مالي وكامل منطقة الساحل. وسجّلت القوات الفرنسية انتصارات عدة في الأشهر الأخيرة، تمثّلت في القضاء على عدد من الرؤوس الجهادية البارزة، منهم القياديان الميدانيان في "القاعدة"، علي أغ وادوسين، بالقرب من مدينة كيدال، وأمادا أغ حما المعروف بـ"عبد الكريم الطوارقي"، وهو من كان وراء اغتيال الصحافيين الفرنسيين في إذاعة فرنسا الدولية شمال مالي، بالإضافة إلى القائد الميداني في "أنصار الدين"، إبراهيم أغ إناولين، المعروف بـ"بانا".
وتنشط القوات الفرنسية حالياً في تعقب قياديين أساسيين، هما الجزائري مختار بلمختار وهو الرأس المدبر لـ"القاعدة"، ويعرف بعداوته الشرسة للفرنسيين، وزعيم "أنصار الدين"، إياد غالي، وهو طوارقي من قبيلة إيفوراس النافذة في منطقة كيدال ونواحيها.
اقرأ أيضاً: الحامدي لـ"العربي الجديد": اتفاق مالي يُمهّد لحلّ أزمة ليبيا
لكن هذه الإنجازات العسكرية التي تصرّ وزارة الدفاع الفرنسية على إبرازها عبر وسائل الإعلام، لا تخفي فقط هشاشة الأوضاع في مالي، بل تعتم أيضاً على منحى استراتيجي جديد، يتمثل في تعزز التحالف بين مختلف التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل بهدف مواجهة الجيشين الفرنسي والمالي والعودة إلى أسلوب حرب العصابات والعمليات الخاطفة في الشمال. ويضاف إلى ذلك التركيز على عمليات نوعية في المدن الكبيرة وسط البلاد، وربما التخطيط لهجمات في الجنوب أو حتى في العاصمة باماكو، مثلما حدث في مارس/ آذار الماضي، عندما فتح مسلح من تنظيم "المرابطون" النار في مطعم راقٍ يتردّد إليه سياح الدول الغربية، وقتل خمسة أشخاص من بينهم مواطن فرنسي. وأشد ما تخشاه بعثة الأمم المتحدة وفرنسا، هي حرب العصابات والعمليات الخاطفة، معتبرة أنّ العمليات الدموية في الجنوب من شأنها زرع البلبلة وعدم الاستقرار وتقويض العملية السلمية.
في المقابل، لا تزال عملية تطبيق بنود اتفاق "السلم والمصالحة" متعثرة على كل المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية. كما أن التوتر عاد ليسود العلاقات داخل "تنسيقية أزواد" التي تضم الحركات الطوارقية والعربية المتمردة في الشمال، بعد أن نشر رئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي، المنجي الحامدي، بياناً شديد اللهجة دان فيه قيام بعض المجموعات المنضوية تحت لواء "التنسيقية"، من دون تسميتها مباشرة، بخرق الاتفاق والهجوم على المليشيات الموالية للحكومة في الشمال. وردت "التنسيقية" ببيان عنيف اتهمت فيه الحامدي، بالانحياز إلى الحكومة المالية ومليشياتها الموجودة في مدينة ميناكا.
لكن على الرغم من توقيع الاتفاق، لا تزال مناطق الشمال خصوصاً، في محيط مدينتي كيدال وميناكا، تشهد مناوشات بين جماعات المتمردين والمليشيات الموالية للحكومة بهدف التحكم في مزيد من الأراضي بانتظار التطبيق الفعلي للاتفاق. كما لا تزال الشكوك موجودة بشأن قدرة الأمم المتحدة والقوات الفرنسية على تطبيق الشق الأكثر صعوبة في اتفاق "السلم والمصالحة" الخاص بنزع سلاح المتمردين والمليشيات الموالية للحكومة وضمّهم إلى جهازي الجيش والشرطة، ذلك أن المسلحين لا يريدون التخلي عن عتادهم قبل البدء الفعلي في تطبيق البنود الأخرى من الاتفاق.
اقرأ أيضاً: مقتل 10 عسكريين في هجوم لمسلحين شمالي مالي