شكّلت أعمال إريك فروم (1900 - 1980) في علم النفس والاجتماع والتاريخ والسياسة إضافة إلى الفلسفة، مجالاً معرفياً جاذباً للباحثين الذين سعوا إلى التنقيب في شخصية المفكّر الألماني وفكره التي شهدت تحوّلات عميقة ساهمت في إغناء الدراسات حول تحرّر الإنسان في المنظومة الرأسمالية.
يركّز كتاب "حب الحياة: نصوص مختارة" لـ فروم الذي صدر عن "جداول للطباعة والنشر والترجمة" في بيروت بترجمة حميد لشهب، على جملة من خلاصات أساسية لصاحب "الهروب من الحرية" حول الإنسان المعاصر ومستقبله، والفائض عن الحاجة والسأم في مجتمعنا، وأهمية التمييز بين الامتلاك والوجود، وعن نزعة إنسانية جديدة كشرط لعالم جديد.
يتصدّر العمل تقديم لـ راينر فونك، أحد تلاميذ صاحب "المجتمع العاقل"، جاء فيه: "حاول فروم فهم إشكالية استلاب الإنسان نفسياً باستعمال مفهومي توجّه الطبع المجتمعي "المنتج" أو "غير المنتج". والإنسان المستلَب هو ذاك الذي لم يعد قادراً على جلب القوة في حياته الفيزيقية والروحية والفكرية، ولم يعد قادراً على "خلق" هذه القوة من ذاته وفي ذاته".
ويوضح فونك في موضع آخر بأن "فروم لم يكتب شيئاً آخر عمّا عاشه وما عايشه. وإذا حاول المرء أن يبحث عن نصوص نظرية محضة، فإنه لن يجد شيئاً من هذا القبيل عنده. فالمعاش والفكر كانا عنده شيئاً واحداً...".
يعكس العمل مثل غيره من أعمال فروم فهمه المعمّق لفرويد والتحليل النفسي لتطوير أفكار ماركس تجاه فائض القيمة لفهم أزمة النظام الرأسمالي، كما تحضر تأملاته في قراءة التاريخ البشري وتبدّل اشتراطاته، غير أن أبرز ما يميّزه هو اطلاعه المعمّق على الآداب والفنون وربطه الدائم والمعلّل واللافت بينها وبين الأنماط المعيشية وتاريخ الأفكار، وهو ما يضفي روحاً على ماركسيته التي لم ينقصها التجديد الفكري أيضاً.
تمثّل النصوص التي يتضّمنها الكتاب مختارات من محاضرات ومقالات لصاحب "تشريح نزوع الإنسان إلى التدمير"، غلب عليها تحليلاته حول المجتمع الصناعي وثقافة الاستهلاك، وفهم الدين والإشكالية الوجودية الناتجة عن الإقصاء شبه التام في المجتمعات الصناعية لهذا الأساس الروحي للإنسان، كما ورد في مقدّمة المترجم.