بهذه العبارة؛ "أصبح للسودان كتابُه"، يقدّم الناشر (مؤسسة "سوليب بلو أوتور") في الغلاف الخلفي كتاب "تاريخ وحضارات السودان" وهو عمل جماعي تحت إشراف المؤرخ الفرنسي فانسان فراسينيي صدر هذا الشهر. عبارة التقديم تحاول أن تصنع عقد قراءة مع المتلقي، إنه حيال كتاب جامع وموسوعي حول تاريخ السودان (950 صفحة).
السؤال الذي ينطلق منه العمل لشدّ انتباه القارئ هو "ماذا نعرف عن أهرامات السودان؟"، سؤال مثير على خلفية أن القارئ الفرنسي يربط في العادة الأهرام بمصر، غير أنه مع هذا الكتاب يمكنه أن يكتشف أن للسودان أيضاً أهراماته وتاريخه الموغل في القدم، والمتنوّع إلى حد كبير.
حكاية الأهرامات ليست سوى مدخل لزيارة بلاد شاسعة تلتقي فيها مؤثرات كثيرة، ولكن الأهرامات تظلّ محور العمل، وهو ما يعطيه صبغة سياحية (الصور أيضاً كثيرة بشكل لافت)، وهو في النهاية جزء من قطاع فرعي في مشهد النشر الفرنسي يعتني بالتعريف الجغرافي ببقاع متفرقة من العالم، ويمكن أن يلاحظ أي متابع أن السودان بلد يكاد يكون غائباً عن هذا الإطار، وهو عنصر يفسّر أيضاً العبارة التقديمية للناشر.
اللافت أنه في السنوات الأخيرة ثمة تطوّر ملحوظ في الشغل البحثي للبعثات الفرنسية في السودان، وتعاون رسمي بين حكومتي البلدين في المسائل الأثرية، وهي عوامل لا يمكننا عزلها عن خيار نشر هذا الكتاب الضخم في هذا الوقت.
خيار المشرف على العمل يأتي ضمن السياق نفسه، فهو أركيولوجي كان قد أشرف على الكثير من البعثات في منطقة الأهرامات في مروي، وحضارات المنطقة تعدّ مجال تخصّصه الدقيق.
هذا البُعد الأثري للمشرف على العمل أثّر كثيراً على ما يبدو في صناعة صورة السودان في العمل، إذ لا نجد الكثير عن واقع السودان التاريخي، وتعقيداته الإثنية وحاضره السياسي وتشعّب مجتمعه اليوم. ولكن في العموم هكذا نجد أغلب الأعمال الجماهيرية عن مصر وتونس والعراق في المكتبة الفرنسية، تصلح أن تكون دليلاً سياحياً، ويصعب أن يتعرّف عارف بواقع هذه البلدان على الصورة التي تقدّمها الكتب، رغم أن النصوص والصور تتحدّث عنها.