وتتلخّص الخطة الجديدة بإقامة قوات الجيش و"الحشد الشعبي" طرقاً بعرض 20 إلى 25 متراً داخل البساتين والمناطق الزراعية التابعة للفلاحين في جنوب شرقي وشمال شرقي وغرب ديالى، ونصب ثكنات ونقاط مراقبة يترتب عليها تجريف مساحات واسعة من البساتين والحقول الزراعية وحتى المنازل، ليتم عزل مناطق وقرى كاملة عن بلدات أخرى ملاصقة لها. ويقول مسؤولون أمنيون إنهم يهدفون من وراء الخطة إلى منع تسلّل المسلحين وعزل المناطق "القلقة أمنياً"، لتحصين مراكز مدن المحافظة.
وبدأت وحدات الجيش وما يعرف بالجهد الهندسي في مليشيات "الحشد"، مطلع الأسبوع الحالي، بتنفيذ الخطة، من خلال تجريف مساحات واسعة في بساتين حوض الوقف، أحد أوسع المساحات الخضراء على مستوى العراق ككل وتقع إلى الشمال الشرقي من ديالى، وذلك في مسعى لعزل القرى التابعة لبلدة المُخيسة عن بعقوبة وضواحيها، واستنساخ تجارب سابقة عزلت فيها قرى ومناطق عدة، وأخضعت لسيطرة فصائل مسلحة، ونزح أهلها منها تحت مزاعم تجفيف منابع الإرهاب، مثل جرف الصخر والعويسات وسليمان بيك، جنوب وغرب وشمال بغداد.
ويؤكّد عدد من أهالي القرى الواقعة ضمن مشروع "خطوط النار"، أنّ الخطة باتت قيد التنفيذ، وتبدأ من نهر خريسان، مروراً بنهر ديالى، وحتى ضواحي بعقوبة ضمن شريط يصل طوله إلى أكثر من 30 كيلومتراً، مع نشر نقاط مرابطة. ويقول المؤيدون للخطة إنّ الطريق الجديد هو أشبه بخط النار الذي سيؤدي إلى درء مخاطر تسلل عناصر تنظيم "داعش" من بساتين قرى ومناطق المخيسة وأبو كرمة وقرى وبساتين أخرى تابعة لحوض الوقف، على اعتبار أنّ مسلحي "داعش" يستغلّون البساتين للاختباء ومهاجمة قوات الأمن.
لكن في المقابل، يقول أحد أعضاء مجلس محافظة ديالى، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "المليشيات المسلحة، والتي تسيطر على القرارات الأمنية والسياسية، تمارس سياسة العزل الطائفي في ديالى، وحوّلت عشرات القرى إلى سجون مغلقة بمعنى حرفي"، مضيفاً أنه "حتى الآن هناك نحو 5 آلاف دونم ستقتلها تلك الخطوط، وكلها أملاك خاصة لشريحة معينة من أهالي ديالى".
بدوره، يقول أحد أهالي قرية المخيسة ضمن قضاء المقدادية (30 كيلومتراً شمال شرقي بعقوبة، مركز ديالى)، إنّ "ما تدّعيه الحكومة المحلية في ديالى والفصائل المسلحة بشأن وجود خطر إرهابي من قبل عصابات داعش، هو أمر غير حقيقي وبدعة من ابتكار الجهات التي تريد تحويل القرى إلى ساحات فارغة تستغلها لخدمة أهدافها".
ويضيف المتحدّث نفسه، طالباً عدم ذكر اسمه، أنّ "القوات الأمنية، من الجيش والشرطة المحلية، توجد بكثافة في تلك القرى نهاراً، لكنها تنسحب في الليل، لتبدأ الهجمات من قبل مسلحين مجهولين عبر ضرب الأراضي والمنازل والمزارع بصواريخ الكاتيوشا، إضافةً إلى افتعال الحرائق، وخطف كبار السن وقتلهم". ويوضح أنّ "غالبية الذين تمَّ خطفهم تمّ العثور عليهم بعد أيام على الطرقات وفي البساتين، فيما تقول السلطات الأمنية المحلية إنّ عناصر داعش هم الفاعلون، مع العلم أنّ التنظيم الإرهابي لو أراد اقتحام المدينة وقتل أهلها وتشريدهم لفعل ذلك في النهار". ويرى المتحدّث أنّ ذلك هو "قمة الاستخفاف بعقول الأهالي الذين يمرون الآن بأزمة اقتصادية كبيرة بعدما تمت محاصرتهم بشكل كامل من قبل الفصائل المسلحة بحجة حمايتهم، إذ لا تدخل إليهم شاحنات الأغذية التي تنعش الأسواق في القرى، ولا تقبل الفصائل بخروج الشاحنات المحملة بالحمضيات لتغذية أسواق بعقوبة وباقي مناطق المحافظة".
ويشير مختار لإحدى القرى القريبة من قرية المخيسة إلى أنّ "المليشيات تُهدد الأهالي منذ أكثر من عام، بأنّ عدم خروجهم من القرية والهجرة إلى مناطق أخرى أو محافظات ثانية، سيعرّض بساتينهم للتجريف، وتلف المحاصيل التي عمل الفلاحون على الاعتناء بها خلال الفترات الماضية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "نعلم أنّ هذا التهديد صريح وحقيقي، وقد تمّ بالفعل حرق بساتين عدة بعدما رفض الأهالي الخروج منها". ويعتبر المختار أنّ مشروع "خط النار" الجديد، "ما هو إلا إعلان صريح لعزل الأهالي تماماً عن العالم الخارجي"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من ذلك، إلا أنّ الإعلام العراقي غائب عن كل ما يحدث للأهالي من كارثة إنسانية لا تختلف عن الكوارث التي تعرضت لها مدن العراق بعد سيطرة تنظيم ابن عواد (داعش) عليها".
من جهته، يؤكّد المسؤول المحلي في مدينة بعقوبة (مركز ديالى)، عدنان القيسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "المعالجات الأمنية التي تبنتها الحكومة المحلية في ديالى، لم تساعد أهالي القرى التي تسيطر عليها المليشيات والفصائل المسلحة المنفلتة، بل على العكس، ساعدت على اتخاذ مزيدٍ من القرارات الأمنية غير المسؤولة، ومنها مشروع خط النار، الذي سيعزل أهالي القرى، وسيكونون عرضة لإرهابيي داعش للنيل منهم، وتحديداً أهالي قرية أبو كرمة. كما سيكونون بوجه المدفع، خصوصاً مع التأكيدات الاستخبارية التي تفيد بوجود خلايا لداعش في منطقة حوض الوقف"، مضيفاً أنه "مع ذلك، فإنّ المليشيات تُرهب الأهالي وتدفعهم إلى الهجرة وترك مناطقهم التي عاشوا فيها مئات السنين". ويوضح القيسي أنّ "عائلات عدة استسلمت في النهاية إلى ضغوطات المليشيات وهجرت مناطقها، واختارت التوجه إلى بغداد أو إقليم كردستان، بعدما تعرضت لسلسلة من الضربات والهجمات بقذائف الهاون والعبوات الناسفة".
في المقابل، يشير المتحدث باسم شرطة ديالى، العقيد غالب العطية، إلى أنّ "خطوط النار التي تعمل على تحقيقها القوات الأمنية، لا تعني عزل مناطق وقرى عن أخرى، إنما تحديد المناطق التي يوجد فيها داعش، لمنع تسلل الإرهابيين إلى المناطق الآمنة، كونها تحتوي على خلايا نائمة للتنظيم وأخرى متحركة في البساتين الكثيفة التي تمنع الرؤية". ويوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "القوات انتشرت على خطوط النار في مناطق قليلة وليست كثيرة، مثل المخيسة وجنوب بهرز ومناطق جبال حمرين والحدودية مع محافظتي واسط وصلاح الدين".
أمّا عضو مجلس النواب عن محافظة ديالى رعد الدهلكي، فيقول إنّ "المليشيات الطائفية والتي تعمل بعلم الحكومة العراقية، استهدفت القرى المقصودة بالعزل، بقذائف هاون عديدة، تسببت بسقوط عشرات الأبرياء بين قتلى وجرحى، وهي تريد بصراحة السيطرة على تلك القرى ومن ضمنها المُخيسة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذا المشروع يحدث منذ سنوات والحكومة في بغداد تعلم به، ولكنها لا تواجهه، وقد اتضح أخيراً بما عُرف بالخطوط النارية". ويؤكّد الدهلكي أنّ "رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يتحمل مسؤولية ما يجري في ديالى، وعليه الاستجابة لنداء الأهالي في تلك المناطق، وقد بُحّ صوتنا ونحن نطالب بإبعاد الفصائل المسلحة وتسليم الملف الأمني إلى الشرطة المحلية التابعة لمحافظة ديالى، ولا بدّ من معالجة هذه الكارثة بأسرع وقت".